يرى مراقبون أن زيارة الرئيس الألماني الأخيرة إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية جاءت كمحاولة لترميم سياسة بلاده في منطقة الشرق الأوسط وإيجاد توازن بين مصالح برلين مع الدول العربية من جهة وعلاقتها بإسرائيل من الجهة الأخرى، لكنها كانت محبطة لآمال الفلسطينيين.


بيت لحم: دعا الرئيس الألماني كريستيان وولف في أول زيارة له لدول الشرق الأوسط منذ تسلمه الحكم في حزيران الماضي، الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى عقد اتفاق سلمي لحل كافة القضايا العالقة، والمضي قدماً في المفاوضات المباشرة سواء بتنسيق مع الرباعية أو الثنائية الوجهة، فالحل بحسب الرئيس وولف يكمن في إيجاد دولتين متلاصقتين يعيش فيهما الشعبان بسلام وطمأنينة وحدود آمنة ومتفق عليها.

وزار الرئيس الألماني كريستيان وولف، الثلاثاء الماضي، مدينة بيت لحم وتوجه فور وصوله إلى كنيسة المهد، ومن ثم التقى الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، ظهر اليوم في قصر الرئاسة في المدينة. وتجوّل الرئيس الألماني في أرجاء كنيسة المهد، مستمعاً إلى شرح مفصل عن تاريخ الكنيسة وعن عمليات الترميم الحاصلة بداخلها اليوم، من قبل وزيرة الثقافة الفلسطينية، خلود دعيبس، ورجال الطوائف والممثلين عن الكنائس المسيحية في المنطقة.

ويرى أستاذ العلوم السياسية والمحلل الفلسطيني محمد هشام، أن المسؤولية التاريخية الناجمة عن الماضي quot;النازيquot;، (الهولوكوست)، مثلت ما يسمى (المعيار الأخلاقي) الذي قامت على أساسه السياسة الألمانية تجاه القضية الفلسطينيةquot;، ولهذا فإنّ quot;تداخل البعدين القيمي والأخلاقي يشير إلى وجود إشكالية في السياسة الخارجية الألمانية، تتمثل في حاجة ألمانيا إلى إيجاد توازن بين مصالحها مع الدول العربية من جهة، وعلاقتها الخاصة بإسرائيل من جهة أخرىquot;.

فالهدف من زيارة الرئيس الألماني إلى الأراضي الفلسطينية وإسرائيل، من وجهة نظر هشام كما أشار لمراسلة quot;إيلافquot; في الضفة الغربية، لم تكن إلا دعماً لسياسة إسرائيل وتشديداً على العلاقات الخارجية بين البلدين، وتأييداً لها للمضي قدماُ في أي تعاون سواء من الناحية السياسية أو الإقتصادية.

المفاوضات على رأس الجدول

واحتلت قضية المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني رأس قائمة القضايا التي نوقشت من قبل الرئيسين الألماني والفلسطيني، مبديين تأييدهما للحل السلمي والجلوس إلى طاولة المفاوضات الثنائية أو الثلاثية أو الرباعية المباشرة، مؤكدين أهمية التدخلات العربية والأوروبية والأميركية لتحقيق السلام الدائم في المنطقة.

فمن جهته، شدد الرئيس الألماني على ضرورة استئناف المفاوضات، واستغلال كافة الحلول من أجل الوصول إلى حلقة وصل بين الجانبين، مؤكداً أن الجانب الفلسطيني لديه الإستعداد الكبير للتقدم بحلول وسط تساعد على الوصول إلى سلام حقيقي، فعلى الطرفين أن يتفاهما مع بعضهما البعض، وأن يكون هناك احترام للمعايير الدولية، وعدم تعقيد الأمور خاصة موضوع القدس الذي يعتبر معقدا أصلا.

وقال الرئيس الفلسطيني نحن جاهزون مع الأميركيين ومع الرباعية الدولية ومع الأوروبيين، فهذه فرصة تاريخية يجب أن لا نضيعها فالوقت ليس في صالح الجميع. مؤكداً أن لجنة المتابعة العربية ستجتمع عند الحصول على تأكيد أميركي رسمي حول مساعيها للبدء بتجميد الإستيطان في كل الأرض الفلسطينية بلا استثناء، وإلى الآن وحتى هذه اللحظة لم يصلنا جواب رسمي.

وبتطرقه إلى الوعد الألماني لإسرائيل بالمسؤولية الخاصة تجاهها، قال الرئيس الفلسطيني نحن نقر هذه المسؤولية، ولكن وعلى الجانب الآخر علاقة ألمانيا بفلسطين علاقة مميزة من كل الجوانب، وبالتالي عندما تقوم ألمانيا بهذا الدور المتوازن، فإن الأطراف هي تدعمنا وتساعدنا ولديها مسؤولية تجاه إسرائيل وهذا أمر جيد، ثم تدفع الطرفين للوصول إلى سلام، وأعتقد أنه لا يوجد أكثر اتزاناً من هذه السياسة التي تتبعها ألمانيا.

الشعب الفلسطيني من زيارة الرئيس وولف..

خطاب الرئيس الألماني أمام نظيره الإسرائيلي بيرس لم يحقق أياً من توقعات الشعب والساسة الفلسطينيين، فهو لم يلتفت ولم يتطرق إلى القضايا المصيرية الفلسطينية، (قضية اللاجئين والقدس)، فبرأي المحلل هشام، quot;دعوة الشعب الفلسطيني إلى السلام تفهم من وجهة نظره على أننا الاحتلال وهم الشعب المحتل، فلم يكن الأحرى به أن يدعوا إسرائيل إلى وقف الإستيطان واعتداءاتها غير الشرعية والمرفوضة على شعبنا، ودعوة المجتمع الدولية إلى الكف عن احتضان الشعب الإسرائيلي، ووقف quot;حق الفيتوquot; الذي استعمل مرارا وتكرارا منعا من فرض أي قانون قد يطعن في سياساتها ووجودها القائم على حساب الشعب الفلسطيني.

ويرى مراقبون أن لغة خطاب الرئيس الألماني اختلفت في رام الله عنها في القدس، واختلفت وعوده في القدس بالمقارنة مع تلك التي صرح عنها في الأراضي الفلسطينية، إذ إن رسائله حملت العنوان نفسه والمضامين نفسها لكن بداخلها اختلفت، ويقول مراقبون فلسطينيون تابعوا الزيارة: quot;هل هي القوة التي تتحدث هذه الأيام، أم أنه ثاقب النظر ويعلق آمال بلاده على المستقبل القريب وعلى علاقة الدولتين الإسرائيلية بالألمانية!! أم أنه يعاضد ويساند يد الأغلبية الأممية؟!quot;

في خطابه في القدس: أيد وولف لدى تطرقه إلى عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، خلاله زيارته إلى القدس، نظيره الرئيس بيرس قائلاً: إن الطريق لضمان (أمن إسرائيل) للأمد البعيد ستكون بواسطة حل سلمي عادل في المنطقة ويستند إلى مبدأ الدولتين وحدود آمنة ومتفق عليها، وأنا أعرف أنكم تبذلون جهداً من أجل تحقيق السلام منذ سنين طويلة وألمانيا ستدعم ذلك بكل استطاعتها.

وأثنى الرئيس الألماني وولف، في خطابه على العلاقة بين الدولتين، مشيراً إلى ضرورة التعاون المستقبلي بينهما للحفاظ على هذه العلاقات السياسية، مؤكداً أنه سيبحث موضوع عملية السلام مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال لقائهما في مدينة بيت لحم.

ويذكر أن الرئيس الألماني اجتمع بالرئيس الإسرائيلي شيمون بيريس ورئيس وزرائه بنيامين نتنياهو، قبل دخوله الأراضي الفلسطينية، ملقياً خطاباً خلال زيارته لمتحف quot;يد فَشيمquot; لتخليد ذكرى المحرقة في القدس الأحد 28/11/2010، أن بلاده ستدعم quot;أمن إسرائيلquot; إلى الأبد، وقال quot;إن ضمان أمن إسرائيل للأمد البعيد يكمن في التوصل إلى حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطينيquot;!.

وأضاف أن quot;ألمانيا ترى نفسها مسؤولة عن ضمان وجود وأمن إسرائيل، وينبغي علينا تمرير مشاعر المسؤولية هذه من جيل إلى آخر، وهذا أحد الأسباب الذي دفعني إلى ضم وفد شبابي إلى زيارتي والمسؤولية عن سلامة إسرائيل يوجه السياسة الألمانية.quot;

وفي خطابه في الأراضي الفلسطينية: قال الرئيس الألماني في خطابه أمام نظيره الفلسطيني:quot; إنني على قناعة بأن السلام ممكن عندما تكون النوايا جيدة من قبل كل الأطراف، وأعتقد أن الوقت قد حان لحل الصراع بوجود هذه الفرصة السانحة التي يجب استغلالها. وأن السلام في الشرق الأوسط لن يتم إلا على أساس حل الدولتين، وإيجاد دولة فلسطين قادرة على الحياة، جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل. مؤكداً أهمية وجود المؤيدين للسلام لدى الجانبين، مشيراً إلى أنها فرصة لإحلال السلام من أجل قطع الطريق على المتعصبين، ونحن ندعم جهود الطرفين لتحقيق السلام.

رؤية الدولة ومفهوم السلام بالنسبة إلى عباس خلال خطابه أمام وولف..

أما الرئيس محمود عباس فقد رفض رفضاً قاطعاً الدولة ذات الحدود الموقتة، قائلا: نحن نطالب بدولة على حدود عام 1967، وهذا مقرّ به دولياً، ولا مانع لدينا من تطبيق الحل خلال سنة أو سنتين، لكن لا نريد الدولة الموقتة لتصبح في النهاية دولة ذات حدود نهائية. مؤكداً وجود تعاون على مستوى العلاقات الثنائية أو من خلال الإتحاد الأوروبي.

وخلال خطابه قال الرئيس عباس لنظيره الألماني، محللاً بعض كلمات نتنياهو قائلاً: إذا قال بنيامين نتنياهو بأننا لا نريد السلام فعليه أن يجربنا، نحن نمد يدنا له كما مددنا أيدينا لشيمون بيريز والمرحوم اسحاق رابين، ونحن نقول دائما وأبدا مستعدون لسلام مبني على الشرعية الدولية لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيلquot;.

وأوضح بدأنا مفاوضات معمقة مع السيد أولمرت، مقتبساً بعض ما كتب في مراسلات وكتب أولمرت quot;نحن كدنا نصل إلى اتفاق، لا نريد أن نناقش لماذا لم نصل لأن الرجل انتهىquot;. ومثنيا على ما قاله الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن حول العروض التي عرضها أولمرت على أبو مازن quot;والتي قبلت من قبلهquot;، قائلاً: إذاَ نحن نريد السلام ولا يمكن أن يقال إن الفلسطينيين لا يريدون السلام.

زيارة خيمة شاليط من وجهة نظر فلسطينية وتضامن ألماني

خلال زيارته إسرائيل، زار الرئيس وولف خيمة أهل الأسير جلعاد شاليط لدى حماس في غزة، مشيراً إلى ضرورة إعادة الأسير الإسرائيلي إلى حضن أهله، ولا يكترث لـ 8000 أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية، مجيباً عليه الرئيس الفلسطيني عباس إننا نطالب مختطفي هذا الأسير بإعادته إلى أهله، كما نطالب بإطلاق سراح ثمانية آلاف أسير لدى الجانب الإسرائيلي ولكننا لا نربط هذه بتلك، معبرا عن تقديره لمساعي ألمانيا في هذه القضية، ومثابرة الوسيط الألماني على العمل من أجل تحريره، مقدراً هذه الجهود من أجل إطلاق سراحه، قائلاً quot;نحن مع إطلاق سراحه من البدايةquot;، مضيفاً ولكن من ناحيتنا فليس لدينا منفذ على حماس كي نتكلم معها لإطلاق سراح هذا الجندي.

ومن جهته، أدان الشعب الفلسطيني زيارته لخيمة الأسير الإسرائيلي، عبر العديد من الإحتجاجات والرسائل التي وصلت للصليب الأحمر والهلال الأحمر الفلسطينيين، وعدم زيارته أي عائلة فلسطينية تأذت جراء الإحتلال الإسرائيلي الواقع عليهم منذ نكبة عام 1948. هذا ما أكده المحلل هشام quot;لإيلافquot; قائلاَ: إن هدف الزيارة كان واضحاً منذ البداية، حيث زار متحف المحرقة فور وصوله الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948، وقدم ولاءه وتضامنه مع عائلة الأسير شاليط دون التطرق إلى قضية الأسرى الفلسطينيين لدى سجون الإحتلال، ولا قضية اللاجئين في الشتات.

ويجدر الإشارة إلى أن، هذه الزيارة الأولى لوولف إلى إسرائيل بعد انتخابه رئيساً لألمانيا قبل عدة أشهر كما أنها الزيارة الأولى التي يقوم بها إلى خارج دول الإتحاد الأوروبي، ويرى مراقبون فلسطينيون أن وولف أراد أن تكون زيارته الأولى لإسرائيل من أجل التعبير عن حقيقة أن quot;العلاقات بين ألمانيا وبينكم قريبة جداً من قلبيquot;، مع العلم أن أول زيارة لرئيس ألماني للدولة الإسرائيلية كانت في أكتوبر عام 1985، وفي مارس 2008 زارت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إسرائيل خلال احتفال إسرائيل بيوم إعلان استقلالها.