في خطوة لم يألفها التونسيون، أطلقت مفوضية الإتحاد الأوروبيّ بتونس استمارة لاستطلاع آراء واقتراحات المواطنين حول مرتبة الشريك المتقدم التي تسعى البلاد للحصول عليها.
تونس: في الوقت الذي تكثفت فيه خلال المدة الأخيرة الإجتماعات واللقاءات الثنائية بين الحكومة التونسية وممثلي الإتحاد الأوروبي لمواصلة التباحث في quot;مرتبة الشريك المتقدمquot; التي تؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات السياسية والإقتصادية ومختلف جوانب التعاون بين الطرفين، أطلقت مفوضية الإتحاد الأوروبي بتونس استشارة إلكترونيّة عامة وواسعة على موقع الويب الخاص بها وعبر صفحتها على شبكة فايسبوك تحمل عنوان quot;استشارة عامة بخصوص الشريك المتقدمquot;.
وتبدو الخطوة التي أقدم عليها الإتحاد الأوروبيّ عبر ممثليه في تونس quot;غير مألوفةquot; لدى المواطن العادي، فرغم الجدل المحتدم حول هذه المرتبة، ومع تواتر التصريحات والتصريحات المضادة والتخمينات والتحليلات والتكهنات، حول حصول تونس المرتقب على مرتبة الشريك المتقدم لأوروبا من عدمه، فقد ظلّ المواطن التونسيّ quot;مغيباquot; بشكل أو بآخر في هذا المنحى الذي تتخذه الحكومة.
وخلال مقابلة مع (إيلاف) قال ديرك بودا المستشار الأول لمفوضية الإتحاد الأوروبي بتونس:quot; اخترنا إطلاق هذه الإستشارة في هذا الوقت بالذات لأهمية هذه المرحلة في مسار المفاوضات بين الإتحاد الأوروبي وتونس فيما يخص مرتبة الشريك المتقدم والعلاقات الثنائية بصفة عامةquot;.
وquot;الشريك المتقدمquot; هي مرتبة تُعطى لبلدان الجوار الأوروبيّ التي تحقق تقدما في المجالات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية، والتي تكون غير مؤهلة للإنضمام إلى الإتحاد.
ويُقسم الأوروبيون بلدان الجوار إلى صنفين : الأول يتمثل في البلدان المرشحة لعضوية الإتحاد، وهي تركيا ومقدونيا وكرواتيا وألبانيا وجمهورية الجبل الأسود وإيسلندا وصربيا، غير أن بلدا واحدا مرشح ليكون العضو الثامن والعشرين في الإتحاد سنة 2011 هو كرواتيا أما الصنف الثاني فتمثله تونس والمغرب وأوكرانيا ومولدافيا والأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية، وهي مرشحة نظريا للإرتقاء إلى منزلة quot;الشريك المتقدمquot;.
وتعتبر هذه المنزلة الدرجة العليا التي حدّدها مسار سياسة الجوار الأوروبيّة، والذي يعتمد على سياسة تقوم على إغراء البلدان الشريكة بتشجيعها على القيام بمزيد من الإصلاحات مقابل زيادة المساعدات. وبهذا المعنى يكون الإرتقاء إلى تلك المنزلة مكافأة للفائزين في امتحان التحديث والإصلاح.
ويرى متابعون للشأن الإقتصادي أن مرتبة الشريك المتقدم التي تسعى تونس إلى الحصول عليها ستساعد الطرفين على تطوير شراكتهما من مجرد مبادلات تجارية عادية إلى تعاون استراتيجيّ متكافئ ومُثمر، لكنّ الامتحان الأصعب لتونس في ظلّ حكم الرئيس بن علي سيكون بلا شكّ امتحان حقوق الإنسان وتكريس التعددية السياسية وحرية الإعلام. فسجلّ تونس في هذه الملفات يبدو quot;سيئا quot; بحسب منظمات حقوقية غربية أميركية وأوروبيّة.
ومن شأن حصول تونس على هذه المرتبة أن يدفع بالتعاون الإقتصادي إلى مستويات أرفع في عدد المستويات ومن ضمنها استحثاث نسق الإستثمار الخارجي ونقل التكنولوجيا ودفع التصدير وتكثيف التعاون التجاري وخاصة تيسير عملية تنقل الأشخاص بين تونس ودول الإتحاد الأوروبي.
وتتضمن الإستمارة الإلكترونية أسئلة موجهة لتقييم العلاقات بين الإتحاد الأوروبي وتونس ومدى أهميتها بالنسبة إلىالتونسيين، إضافة إلى رصد انتظارات المواطنين ومقترحاتهم وأفكارهم للمرحلة المقبلة من الشراكة الأوروبية ـ التونسية بين عامي 2011 و2016.
ويقول المستشار الأول لمفوضية الإتحاد الأوروبيّ بتونس ديرك بودا: الإستشارة أو محاولة سبر آراء التونسيين لن تؤثر بصفة مباشرة أو غير مباشرة على مسار المفاوضات بخصوص مرتبة الشريك المتقدم، وهدفنا يتمثل في استكشاف درجة إطلاع المواطن التونسي على تاريخ علاقات التعاون والشراكة بين تونس والإتحاد الأوروبيquot;.
وأضاف الدبلوماسيّ الأوروبيّ أنه من المهم بالنسبة إلىلأوروبيين معرفة مدى إدراك التونسي للعلاقات الثنائية و انتظاراته وتطلعاته للمرحلة المقبلة من الشراكة مؤكدا أنّ القسم الثاني من الإستمارة مخصص بأكمله للإقتراحات والأفكار في جميع الميادين السياسية، والحقوقية والإقتصادية وغيرها.
ورغم التضارب في التصريحات والتكتم الحكومي في تونس، فإنّ عدة تقارير تقول إنّ المفاوضات بين تونس والإتحاد الأوروبيّ تعطلت إثر اجتماع الشراكة الذي عقد في 11 ماي/مايو الماضي في بروكسل بسبب quot;وضع حقوق الإنسان وحرية التعبير في تونسquot; الذي يثير الخلاف بين الطرفين.
وحملت الحكومة التونسية مسؤولية عرقلة حصول البلاد على مرتبة الشريك المتقدم لبعض الأطراف الحقوقية والمعارضة ، مما أدى إلى مصادقة البرلمان في 16 جوان/يونيو 2010 على قانون يقضي بـ quot;معاقبة كل تونسي يتعمد ربط الإتّصالات مع جهات أجنبيّة للتحريض على الإضرار بالمصالح الحيويّة للبلادquot;.
وأثار هذا القانون الذي يعرف بـquot;قانون الأمن الإقتصاديquot; جدلا، حيث سارع عدد من أحزاب المعارضة والمنظمات الحقوقية إلى رفضه باعتباره يستهدف الحدّ من نشاطها ومن حرية التعبير، في حين تؤكد الحكومة أنّ القانون لا يهدف لإسكات أي انتقاد وأنه يراعي ضمان حرية التعبير، ويضمن في آن واحدمصالح تونسالإقتصادية العليا.
ويؤكد المستشار الأول لمفوضية الإتحاد الأوروبي في تونس ديرك بودا لـ(إيلاف)quot;: لم تفشل تونس في الحصول على مرتبة الشريك كما أن المفاوضات لم تتوقف فهي عبارة عن ورشة عمل متواصلة بين طرفين وإن صح التعبير نحن الآن في جلسة ثانية من المفاوضاتquot;.
واستنادا إلى ما قاله بودا فإن مقترحات وأفكار التونسيين ستحدد بشكل أو بآخر ملامح الشراكة في الفترة المقبلة بين 2011ـ2016 وإن لاحظ الإتحاد الأوروبي أن تقييمهم لمستوى العلاقات وأهميتها سيبرز بعض النقائص ـ إن كانت موجودة ـ فإنه سيعمل على تجاوزها.
وحسب بودا فقد وصلهم إلى حد الآن ما يقارب 320 رد من تونسيين سواء كانوا يمثلون جمعيات أو مواطنين عاديين.
تونسيون يتفاعلون
وقوبلت هذه الإستشارة بترحيب من قبل التونسيين رغم تحفظات بعضهم بخصوص عديد المسائل المرتبطة به وطريقة طرح الأسئلة، واعتبروها مبادرة جديدة وغير مألوفة وحدد يوم 15 ديسمبر الجاري كآخر أجل للمشاركة.
وقال ماهر كليش خبير محاسب لـ(إيلاف) quot;نحن كتونسيين لم نتعود مثل هذه الإستشارات فيما يخص المستقبل الإقتصادي والإجتماعي والحقوقي لبلدنا وتمنيت أن تكون تونس من تطلق هذه الإستشارة وشخصيا أغلب مقترحاتي كانت في المجال الإقتصادي بحكم تخصصي مع بعض المطالب في الميدان الحقوقيquot;.
ويرى هشام حمداوي طالب جامعيّ أن هذا الإستشارة quot;لا قيمة لها لأنها لا تتضمّن لأي إشارة لتفعيل القرار السياسي للشباب التونسيّquot;.
ويقول حمداوي لـ(إيلاف) إنه يرجو quot;أن لا تتعرض الصفحة المخصصة للإستمارة لهجوم ميليشيات أحد الأحزاب ـ رفض ذكر اسمه ـ وإغراقها بالأجوبة الجاهزة مسبقا وأنه على الإتحاد الأوروبي إثبات جديته في دفع عجلة الديمقراطية بتونس والإقتصاد بصفة مماثلةquot;.
وحسب وسائل إعلامية، تحظىتونس بمساندة أغلب الدول الأوروبية للحصول على منزلة الشريك المتقدّم، وأحدثها تصريح السفير الفرنسي بتونس الذي قال إنّ بلاده تدعم دون تحفظات نيل تونس لهذه المنزلة.
وصفة quot; الشريك المتقدمquot; التي تحاول الحكومة التونسية جاهدة الحصول عليها، هي رتبة تمنح لبلدان الجوار الأوروبي شريطة الإستجابة لجملة من الأسس التي يضعها الأوروبيون من قبيل القيام بسلسلة من الإصلاحات تشمل عدّة محاور لعلّ أبرزها الإقتصاد (إصلاحات جبائية وجمركية)، السياسة (إصلاحات في مجال حقوق الإنسان وتكريس التعددية السياسية)، المجتمع (تحسين حقوق المرأة ومكافحة الهجرة غير الشرعية) مقابل تمتع هذه البلدان بزيادة المساعدات وعديد الإمتيازات الأخرى.
وتحصل المغرب على هذه المرتبة في أواخر العام 2008 بعد أن أجرى عدة إصلاحات.
وتشير تقارير الجانبين إلى أنّ المبادلات التجارية بين تونس والإتحاد تضاعفت ثلاث مرات بين سنوات 1995 و2007، ويدعم الإتحاد الأوروبي الإقتصاد التونسي من خلال المساعدات المالية التي بلغت من سنة 1995 إلى 2009 بين قروض ومنح حدود 4.5 مليار يورو.
التعليقات