الصندوق الأسود: هكذا يعمل وهذه أدق تفاصيله تقسيم بيروت إلى دوائر: جدل انتخابي في قانون البلديات |
كل القضايا في لبنان تذهب إلى النسيان بسرعة خلال أيام لتفسح المكان لقضايا جديدة تأسر المتابعين الأشبه بمدمني المسلسلات التلفزيونية والإنترنت. هكذا في البلد القصير الذاكرة يمحو كل خبر ما سبقه ولا يهم أن يكون صحيحًا أو كاذبًا.
بيروت: انطوت على سبيل المثال أو تكاد تنطوي مأساة الطائرة الأثيوبية برمي المسؤولية على الطيار من خلال خبر صغير أوردته وكالة quot;رويترزquot; عن نتائج التحقيق في محتويات الصندوق الأسود، أما موضوع البحث عمن تبقى من الضحايا فبدأ إسدال الستار عليه من خلال تصريح غاضب وعاتب لوزير الصحة محمد جواد خليفة أوضح فيه أن انفجارًا حصل في الجو، وأدى إلى تحطم الطائرة أجزاء وتشوه الضحايا وتمزقهم مما يجعل عملية العثور على من تبقى منهم والتعرف إليه صعبًا، باعتبار أن ما يوصف بأنه جثث متحللة هو أشلاء يصعب جمعها والتعرف إلى كل جزء منها، مما يعني أن السلطة السياسية ستكون أمام قرار حاسم ومصيري بالنسبة إلى أهالي ركاب الطائرة المنكوبة بوقف عملية البحث خلال أيام قليلة واعتبار المفقودين متوفين تعذر العثور عليهم.
وانشغل اللبنانيون يومًا بخبر الانقسام الذي بدا جليًّا في الطائفة المارونية خلال الذكرى الـ1600 لوفاة مؤسسها القديس مارون الثلاثاء، إذ أقيم احتفال ديني مركزي ترأسه البطريرك نصرالله صفير في كاتدرائية مار جرجس وسط بيروت وحضرها رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيسا مجلسي النواب والوزراء نبيه بري وسعد الحريري وأركان الدولة والطائفة، في حين توجه السياسيون القريبون من دمشق النائب العماد ميشال عون والرئيس السابق إميل لحود ورئيس quot;تيار المردةquot; النائب سليمان فرنجية مع وفد كبير لإحياء المناسبة في بلدة براد السورية قرب حلب.
والواقع أن الإنقسام المزمن في الطائفة المارونية التي اضطلعت بأدوار رئيسة في تاريخ لبنان الحديث، والناتج عن التنافس السياسي على الزعامة لم يكن ليثير كل هذا الإهتمام لو لم يكن يأتي الحديث في عز ما يوصف بأنه quot;عودة النفوذ السوريquot; أو quot;التأثير إلى لبنان في ظل التفاهم السعودي ndash; السوري الذي يتجاوز لبنان بكثير إلى قضايا المنطقة، من اليمن إلى العراق وفلسطين وإيران. ويجهد الفريق الماروني المتكوكب حول البطريرك صفير لإظهار منحى الجنرال عون- الذي يعد quot;رافعة تاريخيةquot; في البيئة المسيحية للداعين إلى التحالف مع محور دمشق طهران بقيادة quot;حزب اللهquot; ndash; على أنه خروج عن التوجه التاريخي للموارنة المتمسك باستقلال لبنان وتحالفه مع دول الاعتدال في المنطقة. في حين يسعى الفريق المسيحي الذي يقوده عون إلى تعطيل موقف الكنيسة من خلال محاصرة البطريرك كنسيًّا وسياسيًّا، وعزل القوى السياسية الملتفة حوله من خلال التفاهم على الحد الأدنى الممكن مع رئيس الحكومة وquot;تيار المستقبلquot; سعد الحريري، ولا سيما بعدما خرج رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط من تحالف قوى 14 آذار/ مارس.
إلا أن هذا التوجه اصطدم برفض الحريري التخلي عن حلفائه المسيحيين، على الرغم من مرحلة الوفاق التي تحكم علاقاته بالقيادة السورية وquot;حزب اللهquot; ورئيس مجلس النواب نبيه بري وبقية مكونات قوى 8 آذار/ مارس. وتجلى موقف الحريري هذا بوضوح من خلال مشاركته في quot;لقاء البريستولquot; لقادة التحالف وشخصياته آخر الشهر الماضي، بعدما كان سبق أن وافق على طلب حلفائه بإلحاح إقامة مهرجان شعبي على غرار العادة منذ خمس سنوات في ذكرى اغتيال والده الراحل الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط / فبراير الموافق في ساحة الشهداء وسط بيروت.
لم يكتفِ الحريري بذلك بل سكت على إجهاض قام بها الرئيس بري وعدد من حلفائه لحضور المناسبة والتكلم فيها نزولاً عند رأي في فريقه وبين حلفائه اعتبر أن هذا العرض يتضمن محاولة لتصفية الخطاب السياسي لتحالف القوى المعتبرة غالبية تحت شعار الوفاق والمناسبة الجامعة لجميع اللبنانيين. ورسا الأمر على أن يكون خطباء الإحتفال سيكونون إلى جانب الحريري، الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة والرئيس السابق للجمهورية أمين الجميّل ورئيس حزب quot;القوات اللبنانيةquot;.
وعلمت quot;إيلافquot; أن الحريري سيركز في خطابه على الوفاق والتهدئة وترك متابعة قضية اغتيال والده وسائر الإغتيالات للمحكمة الدولية، ويعرض السنيورة الإنجازات التي حققتها quot;ثورة الأرزquot;، ويتحدث الجميّل عن مآخذ على قيادات سورية وquot;حزب اللهquot; وربما حلفاء، بينما سيشدد جعجع على مواصلة 14 آذار مسيرتها quot;من أجل تثبيت استقلال لبنانquot;.
وبانصراف قوى 14 آذار إلى إنجاح الإحتفال الشعبي ndash; الإمتحان الأحد المقبل لتثبت حضورها واستمرارها ( شعارها quot;مستمرونquot;)، يتوقع تجميد بقية المواضيع في لبنان موقتًا، ووضعها في ثلاجة تلائم مناخ لبنان هذه الأيام، من قضية قانون البلديات الذي ستجري على أساسه انتخابات بلدية باتت بحكم المؤجلة حتى أواخر الصيف إلى قضية التعيينات المتعذرة في المواقع الأمنية والإدارية العليا في الدولة، ليبقى مشروع quot;حزب اللهquot; وسلاحه وخطر الحرب مع إسرائيل بسبب تطورات تتعلق بإيران الموضوع المتسيّد في الساحة التي سرعان ما يدركها فقدان الذاكرة، فيستولي موضوع آخر على الواجهة لأيام... وهكذا دواليك!
التعليقات