إذا كانت عبارة quot;ما أشبه الليلة بالبارحةquot; تنطبق على عدد المشاركين في مهرجان الوفاء للرئيس رفيق الحريري الذي أقيم أمس في ساحة الشهداء وسط بيروت والذي يماثل نسبة حضوره ما شهدته السنوات الأربع الماضية، فانها لا تسري على مضمون الكلمات التي ألقيت بالمناسبة، خصوصًا أن احد أبرز نجومها في المرات السابقة رئيس اللقاء النيابي الديمقراطي النائب وليد جنبلاط حضر لدقائق في حفل الأمس وغاب عن المنصة خطيبًا مكتفيًا بزيارة ضريح الرئيس الحريري برفقة نجله الرئيس سعد الحريري.

بيروت:في السنوات الأربع الماضية كان الهجوم على سوريا القاسم المشترك في خطب المتكلمين من قيادات 14 آذار حيث راح كل واحد منهم يصوب سهامه نحوها على طريقته متخذًا من مصطلح الاتهام السياسي مبررًا لقول ما يريد بهذا الخصوص.

فهناك من رأى فيها عدوًّا مثل إسرائيل كما فعل رئيس للهيئة التنفيذية لـ quot;القوات اللبنانيةquot; الدكتور سمير جعجع، فيما ذهب آخر إلى الاستعانة بحلم قال انه شاهده عشية الذكرى ورأى فيه رؤوسًا قد أينعت وحان قطافها ومشانق تعلّق لقتلة الحريري مخاطبًا النظام السوري وفق ما أدلى به النائب السابق باسم السبع، أما ذروة هذا الهجوم فتولاه جنبلاط الذي لم يتورع عن وصف الرئيس بشار الأسد بأبشع الالفاظ وصولاً إلى حد المطالبة بالثأر عبر صرخته quot;بدنا التار بدنا التار من لحود ومن بشارquot;.

في مهرجان الأمس غاب التقريظ ضد سوريا فحضر الكلام عنها بشكل مقبول ومضبوط بناء على تمنيات رئيس الحكومة سعد الحريري الذي كرر تعهده بعدم التخلي عن 14 آذار إلا في حال الموت، وانسجامًا مع أجواء المصالحة التي أجراها مع الرئيس الأسد في إطار ما اسماه quot;النافذة الكبرىquot; التي فتحها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز.

ومن هنا لاحظ المراقبون أن الحديث عن سوريا ما قبل زيارة الحريري إليها هو غيره بعد إتمام هذه الزيارة لدرجة أن الدكتور جعجع امتنع عن لفظ اسمها وإن كان استهل خطابه بالإشارة إلى الزيارة المذكورة ومصافحة الحريري الأولى للأسد بعد جريمة اغتيال والده مطمئنًا جمهوره بان ثورة الأرز حين تمد يدها لا تعني أن الأرز يساوم. كما لم يفته أن يسأل عن المفقودين ومسألة ترسيم الحدود بين البلدين.

وحده رئيس الجمهورية الأسبق أمين الجميل أفاض في تناول موضوع العلاقات مع سوريا من دون الخروج عن وصية الحريري له بالتهدئة، إذ أبدى شكوكه في إقدام دمشق على القيام بخطوات ملموسة تجاه لبنان من منطلق أن لديه تجارب سابقة في هذا السياق، لافتًا إلى أن فتح سفارة لا يكفي موضحًا في الوقت نفسه أن لبنان يريد أفضل العلاقات مع سوريا معلنًا دعمه بما قام ويقوم به الرئيس الحريري بهذا الخصوص.

كما ذكر الجميل أن أمن سوريا من أمن لبنان وبأن لا استقرار لأحدهما من دون استقرار الآخر أما رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة فحرص كما يبدو على طي صفحة علاقته المضطربة مع سوريا والسعي لتحسينها إذ قال بداية انه يكن لها التقدير، لافتًا إلى الروابط التاريخية والجغرافية بين البلدين على قاعدة الاحترام المتبادل والاعتراف بحرية وسيادة واستقلال كل منهما واصفًا دمشق بـ quot;الشقيقةquot;.

كلمة الرئيس الحريري كانت متقنة كما أجمعت على ذلك أوساط سياسية في الأكثرية والمعارضة، واعتبرت أنها جمعت في فحواها توجهات رجل الدولة ورئيس الحكومة وزعيم الأكثرية. وذكرت هذه الأوساط أن ابرز ما في خطاب الحريري مصارحته الحشود بالأسباب التي دفعته إلى فتح صفحة جديدة مع سوريا والقيام بزيارتها على الرغم من علمه بما يراه فيها بعضهم quot;خسارة كبيرة لهquot; على حد قوله.

مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن فوائدها على لبنان أكبر، معاهدًا على إبقاء quot;النافذةquot; مع دمشق مفتوحة كونه واحدًا من الذين عملوا لاسترجاع زمن المصالحات، محذرًا من أن لبنان سيكون اكبر المتضررين إذا ما انخرط في لعبة المحاور.

وحرص الحريري على التطرق إلى الف باء الثوابت التي أرساها والده الرئيس الراحل في طريقة إدارة الحكم في لبنان وأبرزها التمسك باتفاق الطائف والعيش المشترك والحرص على المناصفة واعتبار الوحدة الوطنية أمضى سلاح لتثبيت الاستقرار ومواجهة الاعتداءات الإسرائيلية.

وإذا كانت كلمة الحريري قد حازت على إعجاب رئيس مجلس النواب نبيه بري وجنبلاط الذي اكتفى بسماعها دون غيرها من الكلمات كما قال في حديث تلفزيوني، فإن ما استوقف المراقبون والأوساط السياسية الحملة على سلاح المقاومة كما بدا في كلمة كل من السنيورة والجميل وجعجع إذ استخدم الأول كلمة quot;ميليشياتquot; في حديثه عن سلطة الدولة، وكرر الثاني معارضته لما ورد في البيان الوزاري بشأن المقاومة، فيما طالب الثالث هذه المقاومة بتسليم سلاحها إلى الجيش.

أول المعترضين على هذه الحملة كان رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون حليف quot;حزب اللهquot; حيث سارع من قطر إلى انتقاد أصحابها آخذًا عليهم عدم تقديم أي بديل لمواجهة إسرائيل. أما quot;حزب اللهquot; الذي التزم الصمت أمس وإمتنع عن الإدلاء بأي تعليق حول ما جرى في ساحة الشهداء فإنه سيقول كلمته غدًا على لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله بمناسبة الاحتفال بالذكرى الثانية لاستشهاد القائد عماد مغنية.