يرأس مدير عام مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الياباني صباح اليوم في العاصمة النمساوية فيينا أول اجتماع للوكالة، يعقده منذ توليه منصب مديرها العام أول ديسمبر (كانون الأول) 2009 حيث ستكون أولوياته قضية الملف النووي الإيراني. في وقت تحدثت وسائل اعلام عن اجماع الحكومات الأوروبيَّة على قرار فرض عقوبات قاسية على إيران.

إيلاف، الوكالات: على قمة أجندة أعمال اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية اليوم الذي يتوقع أن تمتد جلساته حتى نهاية الأسبوع الجاري، قضية الملف النووي الإيراني. الملف الذي لم يتزحزح عن صدارة اهتمامات مجلس المحافظين منذ أكثر من ست سنوات، ولا يزال يمثل القضية الأكثر جدلا والأكثر متابعة وملاحقة وخضوعا لعمليات تفتيش وتحر من قبل المفتشين الدوليين.
من جانبه أكد وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي الاثنين في جنيف ان إيران quot;تتعاون كلياquot; مع وكالة الطاقة الذرية. وفي معرض رده على اسئلة حول القلق الذي عبرت عنه الوكالة الدولية للطاقة الذرية قال متكي ان إيران quot;تتعاون كلياquot; مع هذه المنظمة الاممية. وأكد في مؤتمر صحافي ادلى به على هامش اجتماع مجلس الامم المتحدة لحقوق الانسان الذي ألقى فيه كلمة صباح اليوم، ان طهران quot;ملتزمة على اعلى درجةquot; في عملها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
هذا واستبق مدير عام مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو - كما سلفه - اجتماع مجلس المحافظين أو الأمناء برفع تقريرين منفصلين ومفصلين عن آخر تطورات كل من الملف النووي الإيراني والملف النووي السوري. مبينا ما وصلته مسيرة التعاون بين الوكالة وكل من البلدين، مركّزا على أن مسارات التقدم وأوجه القصور والقضايا والمسائل التي لا تزال عالقة تتطلب مزيدا من المعلومات وإتاحة الفرص للتقصي والتحقيقات. مطالبا كلا من الدولتين بالمسارعة بتطبيق البروتوكول الإضافي الذي من دونه لن تتمكن الوكالة من الحركة بحرية أوسع وفجائية أكبر لإكمال مهامها.
وفي تفصيل أدق ركز تقرير أمانو في ما يخص قضية الملف النووي الإيراني على أن إيران تعكف على إنتاج رأس حربي نووي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه أول مرة تستخدم فيها الوكالة هذه الصيغة.
في جانب آخر، أكد التقرير أن إيران أنتجت أول دفعة من اليورانيوم المخصب لمستوى أعلى وصل إلى نسبة 20% مبديا استياء كون أن المهندسين الإيرانيين لم يعطوا المفتشين الدوليين الإخطار المسبق اللازم وأنهم قد بدأوا في مزاولة بعض الأنشطة قبل أن يتاح للمفتشين الوقت ليضعوا على نحو مناسب الأختام والكاميرات. في سياق مواز، كشف التقرير الذي جاء في 10 صفحات عن أعمال مرتبطة بمتفجرات نووية وكشف النيترونات التي يمكن أن تستخدم في الأغراض العسكرية.
وذكرت صحيفة الحياة أن تقرير امانو سيمهّد الطريق لفرض عقوبات جديدة على ايران ونقلت عن دبلوماسي غربي قوله quot;إن المسألة أصبحت الآن في يد مجلس الأمن في نيويورك وليس في يد الوكالة، مضيفاً ان تقرير امانو ونقاش المجلس في شأنه، سيشكلان اساساً لمزيد من المشاورات في نيويورك ولم يستبعد الدبلوماسي صدور سلسلة من التصريحات القوية من عدد من الدول الاعضاء وبعض المجموعات الاقليمية، تعبر جميعها عن القلق في شأن ما جاء في تقرير أمانو.
في المقابل، أعلن المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي خلال لقاء مع سفراء الجمهورية الإسلامية المجتمعين في طهران أن quot;بعض تدابير الوكالة وتقاريرها تدل على أنها غير مستقلةquot;. وأضاف quot;ينبغي أن لا تتأثر الوكالة بالولايات المتحدة أو بدول أخرى مثل بريطانيا وإسرائيل التي تروج لأكاذيب لأن مثل هذه القرارات الأحادية تقوّض الثقة بالوكالة وبالأمم المتحدة، ما يضرّ كثيراً بهيبة هذه المؤسسات الدولية ومكانتها quot;، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية. وأوضح أن quot;الجمهورية الإسلامية حققت إنجازات عدة في المجال النووي رغم كل الضغوط وستقوم بكل ما هو ضروري للتوصل إلى استقلالية علمية وتكنولوجية في هذا المجالquot;.
وتزامنت تصريحات خامنئي مع تحذيرات حسين سلامي، نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، من أن إيران قادرة على قطع إمدادات الطاقة عن أوروبا. وتعتبر إيران من أكبر مصدري النفط والغاز في العالم لكن اقتصادها يعاني وسط الأزمة المالية العالمية ونبذها على المستوى الدولي بسبب الخلاف النووي.
ونقلت (وكالة أنباء فارس) عن سلامي قوله في اجتماع مع محاربين قدماء ومتطوعين في كرمان quot;إيران لديها 50 في المائة من طاقة العالم.. وإذا ما قررت فسيكون على أوروبا أن تمضي الشتاء في البردquot;. وأضاف أن quot;صواريخنا قادرة الآن على استهداف أي بقعة يوجد فيها المتآمرون.. وتحقق البلاد إنجازات في كل المجالاتquot;.
وعلى صعيد متصل، كان من المقرر أن تبدأ في وقت لاحق أمس هيلاري كلينتون جولتها إلى أميركا اللاتينية للعمل على تحسين صورة الولايات المتحدة في المنطقة. والبرازيل هي محور رحلة كلينتون التي تستغرق خمسة أيام وستستغل زيارتها إلى هناك سعيا لحشد التأييد للحملة الجارية في مجلس الأمن لفرض عقوبات جديدة على إيران بسبب برنامجها النووي. وتحجم البرازيل وهي عضو غير دائم في المجلس عن اتخاذ موقف مشدد من إيران.
إلى ذلك وفي سياق متصل، يتهيأ الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات قاسية على قطاعي الطاقة والمال في إيران، فوفقاً للائحة سرية من المقترحات التي وُضعت ليراجعها وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي وحصلت عليها مجلة 'دير شبيغل' أون لاين وهي وثيقة غير رسمية من 13 صفحة تشمل مضمون العقوبات السياسية والاقتصادية ضد إيران، ستؤدي التدابير المقترحة، التي تهدف إلى إجبار إيران على التراجع عن موقفها في الخلاف النووي، إلى التأثير في الاقتصاد بشكل هائل.

العقوبات ستستهدف قطاعي الطاقة والمال

لا تهدف المقترحات حصراً إلى توسيع العقوبات القائمة مثل الحصار التجاري على المنتجات العسكرية والنووية وحظر سفر مصنعي القنابل في طهران، وللمرة الأولى، يحضّر الاتحاد الأوروبي برنامجاً يستهدف الاقتصاد الإيراني ككلّ، وللحصول على أفضل نتائج ممكنة، يقترح الخبراء تدابير لضرب قطاعي الطاقة والمال لأن النظام يواجه ضعفاً فيهما بحسب الوثيقة.

تُعتبر إيران ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة الدول المصدِّرة للنفط، وهي مزوَّدة بما يكفي من احتياطي الغاز، وتستمد ما يقارب 80% من صادراتها من النفط والغاز، لكن البلد لا يستطيع الصمود في هذا المجال لفترة طويلة من دون مساعدة المجتمع الدولي، فهو يحتاج إلى استثمارات أجنبية لتنمية المجالات الجديدة التي تحتاج إلى تطوير عاجل كبديل للاحتياطات التي توشك على الانتهاء. إذا لم تكن تلك الاستثمارات مرتقبة في مرحلة قريبة، فسينهار الإنتاج بسرعة.

الأسوأ بعد هو أن هذا البلد الغني بالنفط يعتمد بنسبة كبيرة على استيراد منتجات النفط كالبنزين والديزل، ومن دون واردات الوقود، سينهار نظام النقل بسرعة. يحاول النظام بناء مصافٍ لتكرير النفط، لكنه يحتاج إلى خبراء أجانب ورأسمال لفعل ذلك.

عقوبات مالية للتضييق على قطاع الواردات

يعتبر المخططون في الاتحاد الأوروبي أن العقوبات المالية ستكون أكثر فاعلية من سابقاتها، وقد قدموا مجموعة كبيرة من الخيارات الممكنة، ويمكن أن يقوم الاتحاد الأوروبي مثلاً بمنع طهران من الوصول إلى احتياطي العملة الإيرانية الموجودة خارج البلاد، وقد يعمد إلى منع البنك المركزي الإيراني من تداول الأموال والائتمانات. كذلك، سيكون تحويل الأموال عبر الحدود عملية شبه مستحيلة، وستواجه إيران مشاكل هائلة لدفع تكاليف الاستيراد، ما سيؤثر سلباً في عملية التزود بالمنتجات التي تحتاج إليها لإكمال برنامجها النووي.

من المقترحات الأخرى: إذا توقفت شركات التأمين الغربية عن توفير الاستثمارات في إيران، فسيفضّل عدد كبير من المستثمرين الانسحاب من السوق، وإذا نجحت أوروبا في إعاقة ضمانات ائتمان التصدير التي تشكل جزءاً طبيعياً من التجارة الدولية، فستزداد عمليات التسليم إلى إيران خطورةً أو سترتفع كلفتها بشكل ملحوظ. تقترح خطة الاتحاد الأوروبي أيضاً الحد من التواصل الدبلوماسي وغيره من الاتصالات الرسمية مع إيران، وهي خطوة ستكون رمزية في البداية لكنها مهمة بالقدر نفسه.

لم يتخذ أعضاء الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرون قراراً بشأن العقوبات بعد، لكن تبدو الحكومات الأوروبية مصممة أكثر من أي وقت مضى على زيادة الضغط على إيران، لاسيما بعدما ذكر أحد تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الأسبوع الماضي، أن إيران ربما بدأت العمل الآن على تطوير صاروخ نووي.

يحتاج الأوروبيون إلى قرار من مجلس الأمن للحصول على قاعدة قانونية معترَف بها لفرض العقوبات الجديدة. لن يحصل ذلك إلا بموافقة الدول التي تتمتع بحق النقض، وتحديداً روسيا والصين. لكن يريد الغرب أيضاً ضمان الحصول على دعم بلدان مثل البرازيل، وتركيا، ودول الخليج، لفرض العقوبات. سيؤدي ذلك إلى تصعيب الأمور على القيادة الإيرانية التي لن تستطيع ادعاء أنها ضحية 'مؤامرة غربية' أو 'عملاء إسرائيل'.

في واشنطن، دعا وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك إلى فرض عقوبات جديدة على إيران، محذراً من ان العقوبات لن تنجح إذا لم تؤيدها الصين وروسيا.ودعا خلال حديث مع شبكة quot;سي أن أنquot;، إلى مواصلة الضغط المالي على إيران، مطالباً جميع الأطراف المعنيين بعدم إزالة أي خيار عن الطاولة.

الملف النووي السوري

أما في ما يختص بالتقرير الخاص للوكالة الدولية للطاقة الذرية حول قضية الملف النووي السوري فقد ذكر التقرير أن سورية رفضت عقد اجتماع طلبته الوكالة لبحث مسألة جزيئات اليورانيوم بشري الصنع التي عثر عليها المفتشون الدوليون بعد عملية تفتيش روتينية لمفاعل الأبحاث بالقرب من دمشق لم ترد ضمن الجردة السورية المعلنة ما يثير مخاوف لدى الوكالة أن يكون لهذه الجزيئات صلة بما سبق اكتشافه من آثار تلوث ببقايا ركام مفاعل الكبر في منطقة دير الزور الذي تعرض عام2007 لهجوم إسرائيلي دكه وحوله إلى ركام بدعوى أنه مفاعل نووي أوشكت سورية على أن تنجح في إنشائه بمساعدة كورية شمالية. ولم تتيقن الوكالة حتى الآن مما كان يدور فيه من أنشطة.

هذا وفيما تتوقع متابعات صحيفة quot;الشرق الأوسطquot; أن يبدأ المجتمعون في الوكالة الدولية للطاقة الذرية عصر الأربعاء مناقشة الملف النووي السوري وذلك بعد أن يكملوا مناقشة إجراءات إدارية تتعلق بميزانية الوكالة وما تجابهه هذه المؤسسة ذات الأهمية والتخصص الدولي النادر من مشاكل مالية تحد من مقدرتها على الاضطلاع بدورها كاملا لا سيما تقديم المساعدات الفنية التقنية للمحتاجين من دولها الأعضاء للاستخدامات الآمنة للذرة بجانب مراقبة الأنشطة غير الآمنة ما يتحتم معه ضرورة توسعها وتجديدها وتقوية إمكاناتها البشرية والعينية.

ثم يتم بعد ذلك نقاش قضية الملف النووي الإيراني ليدلفوا من ثم للملف النووي السوري الذي تشير مصادر إلى أنه سيتأثر كثيرا بمستجدات منها الرفض السوري الرسمي لاستقبال فريق من المفتشين النوويين لطلعة روتينية كان تقرير المدير العام قد حدد موعدها بيوم 23 الماضي لتفاجأ الوكالة برسالة سورية رسمية بتاريخ 18 منه تعلن اعتذار سورية عن عدم استقبال المفتشين بدعوى أن التوقيت غير مناسب لا سيما أن سورية تستعد لاجتماع مجلس المحافظين.

أضف إلى ذلك تداعيات ما ظهر من تقارب سوري إيراني صعّدت منه الزيارة الأخيرة التي قام بها قبل يومين فقط الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى دمشق. وكان أكثر من مصدر دبلوماسي عربي وغربي قد أشار في تعليقات خاصة لـquot;الشرق الأوسطquot; متوقعا أن تنعكس آثار القلق والمخاوف الغربية من نتائج زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق وما أظهرته من تقارب وتنسيق بين الدولتين، على مسار وقائع الأحداث داخل اجتماعات مجلس أمناء الوكالة الدولية للطاقة الذرية مشيرين على وجه الخصوص إلى التعليق الذي أدلى به الرئيس السوري بشار الأسد بمعية الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيسان معا على هامش الزيارة.

إذ حدد الرئيس السوري القضايا النووية التي يواجهانها في قوله quot;الموضوع مخطط متقن يمنع على الدول الإسلامية من أن تمتلك هذه التكنولوجيا أو ربما غيرها من التكنولوجيات.... يعني حق المعرفة ممنوع علينا. القضية في هذا الإطار وليس أي إطار آخر. وما سيطبق على إيران اليوم سيطبق على كل الدول لاحقاquot;.

في سياق مواز أمنت مصادر في حديثها لـ quot;الشرق الأوسطquot; أن الولايات المتحدة وإن كانت تخطط لتحسين علاقاتها الدبلوماسية مع سورية وإعادة سفيرها إلى دمشق إلا أنها - وبدلالة كل المؤشرات - لن تتغاضى مطلقا عن تقارب نووي سوري - إيراني.