شهدت العلاقات السورية ـ الأميركية تطورًا إيجابيًا في الآونة الأخيرة، لاسيما بعد إعلان الرئيس باراك أوباما عن ترشيح الدبلوماسي المخضرم quot;روبرت ستيفن فوردquot; سفيرًا لواشنطن لدى سوريا، وزيارة نائب وزيرة الخارجية للشئون السياسية ويليام بيرنز إلى دمشق في 17 من شباط/فبراير من العام الحالي، على الرغم من معارضة التيارات السياسية المحافظة لتدعيم العلاقات الأميركية ـ السورية، واتهامها لدمشق بدعم القوى الراديكالية في منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً حزب الله وحركة حماس .
واشنطن: بعد أن بدأت العلاقات الأميركية ـ السورية في الانحدار بعد شن الولايات المتحدة الحرب على العراق في عام 2003، وبعد وصول تلك العلاقات إلى أدنى مستوياتها عام 2005 على إثر سحب الولايات المتحدة لسفيرها من دمشق، وتوجيه اتهامات للنظام الحاكم في سوريا باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، ودعم الإرهاب، بدأت العلاقات الأميركية ـ السورية في التحسن بصورة تدريجية منذ وصول إدارة الرئيس أوباما للسلطة في الولايات المتحدة إلى أن أعلنت وزارة الخارجية الأميركية في يونيو 2009 عن عزمها تسمية سفير جديد ليتولى إدارة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق.
علاقات ثنائية معقدة
وعلى الرغم من اتباع إدارة الرئيس أوباما لهذا النهج في التعامل مع سوريا، فإن غالبية القضايا الخلافية لا تزال عالقة لتهدد المسار التصاعدي لعلاقات الدولتين، فلا تزال سوريا ndash; وفق المنظور الأميركي ndash; دولة داعمة للحركات الراديكالية، والتنظيمات الإرهابية في العراق وحليفًا إقليميًّا لإيران التي تعتبرها واشنطن أحد الأطراف المناوئة لسياستها الإقليمية، فضلاً عن أن عملية التسوية الإسرائيلية السورية تعاني من جمود ممتد منذ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وإعلان تركيا عن وقف جهود الوساطة بين إسرائيل وسوريا.
كان اختيار سفير أميركا لدى سوريا تحديًّا واجه الإدارة الأميركية بالنظر إلى الإشكاليات سالفة الذكر، والتي يضاف إليها معارضة القوى السياسية المحافظة للاستمرار في النهج التصالحي مع سوريا، وظهور تسريبات عن أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد وجدت آثارًا مؤكدة ليورانيوم مخصب في موقع دير الزور الذي قصفه سلاح الجو الإسرائيلي في عام 2007، ومع بداية موجة جديدة من الاتهامات لسوريا؛ فإن القرار الأميركي لاستعادة التمثيل الدبلوماسي قد أضحى أكثر تعقيدًا وإثارة للجدل على المستوى الداخلي .
ومن ثم كان من الضروري اختيار دبلوماسي على درجة عالية من الخبرة في الشئون الشرق أوسطية كي يتمكن من مواجهة التعقيدات سالفة الذكر، ومن ثم كان اختيار quot;روبرت فوردquot;، وهو على حد قول المتحدث باسم البيت الأبيض quot;روبرت جيبسquot; دبلوماسي لامع يملك خبرة سنوات عدة في الشرق الأوسط وتعيينه يعكس التزام الرئيس أوباما باستخدام الحوار للدفع قدمًا بالمصالح الأميركية عبر تحسين العلاقات مع الحكومة والشعب السوريينquot; .
مصالح مشتركة رغم الخلافات الجذرية
تهدف إدارة الرئيس أوباما من خلال إيفاد فورد لسوريا؛ لتحقيق عدة أهداف أهمها توطيد العلاقات بين الدولتين وتجاوز مرحلة العداء والمناوئة السورية للولايات المتحدة لإبعاد سوريا عن المحور الراديكالي تدريجيًّا واستكمال سياسة الاحتواء الإقليمي لإيران من خلال عزل طهران عن حلفائها التقليديين، وعلى مستوى آخر يمكن الإفادة من علاقات سوريا الوطيدة بالتنظيمات والفصائل الفلسطينية المختلفة لدفع عملية التسوية الفلسطينية الإسرائيلية قدمًا والتصدي لاحتمالات تجدد المواجهات العسكرية بين إسرائيل من جانب وحزب الله أو حركة حماس من جانب آخر.
وفي المقابل فإن سوريا ستحقق عدة مكاسب من تعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة أهمها إنهاء حالة العزلة الإقليمية، والدولية المفروضة عليها منذ عام 2005 وتصاعد احتمالات إعادة النظر في العقوبات الأميركية المفروضة عليها منذ ذلك الحين، فضلاً عن الحصول على دعم الولايات المتحدة لبدء التفاوض من جديد حول المسار السوري لعملية التسوية الذي ظل لفترة طويلة خارج الحسابات الأميركية وهو ما يفسر عدم وضع المسار السوري على جدول أعمال مؤتمر أنابوليس للسلام في عام 2007 الذي دعا إليه الرئيس الأميركي السابق واقتصر على مناقشة عملية التسوية للمسار الفلسطيني فحسب .
خلال زيارة الرئيسي الإيراني والأمين العام لحزب الله اللبناني الى سوريا الأخيرة |
وعلى الرغم مما سيحققه هذا التحسن في العلاقات السورية الأميركية من منافع متبادلة للطرفين فإن اليمين الأميركي يعتبر تلك السياسة غير مجدية، ولا تحقق الصالح الأميركية، حيث اعتبرت نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي (إليانا روس ليتينن) تعيين سفير أميركي لدى دمشق بأنه إجراء غير مدروس ومتهور، إذ تركز التحفظات اليمينية على القضايا الخلافية وخاصة علاقات سوريا بحزب الله وحركة حماس وإيران والتهديد الذي تمثله سوريا لإسرائيل فضلاً عن الاتهامات بوجود أنشطة نووية سورية وهو ما قد يعترض المسار التصاعدي لعلاقات الطرفين، ومن المرجح أن يشهد الكونجرس الأميركي بمجلسيه جدلاً واسع النطاق قبيل المصادقة على تعيين فورد كأول سفير للولايات المتحدة في دمشق منذ خمس سنوات، حيث يعتزم الجمهوريون في الكونجرس عرقلة التصديق على إرسال فورد إلى سوريا وتمديد فترة التباحث حول هذا الإجراء لأطول فترة ممكنة.
لماذا روبرت فورد؟
لأن روبرت فورد دبلوماسي يعدُّ متخصصًا في الشئون العربية حيث يتقن اللغة العربية، وعمل سفيرًا للولايات المتحدة في الجزائر بين عامي 2006 و2008، وتم نقله للعراق منذ ذلك التاريخ، وحصل فورد على عدة جوائز دبلوماسية من أبرزها جائزة جايمس كليمنت دون في منتصف مدة خدمته كدبلوماسي بوزارة الخارجية، بالإضافة إلى ثلاث جوائز شرفية رفيعة المستوى، وجائزتين تقديريتين لجهوده على مدار مدة عمله بوزارة الخارجية.
بدأ فورد عمله الدبلوماسي خارج وزارة الخارجية الأميركية كناشط في مجال الإغاثة الإنسانية في عام 1982، لاسيما بعد مشاركته في فرق السلام الأميركية في المغرب، والتي التحق على أثرها بوزارة الخارجية الأميركية عام 1985، حيث شغل مناصب دبلوماسية متعددة في مصر، والبحرين وتركيا إضافة إلى عمله سفيرًا للولايات المتحدة في الجزائر ثم العراق كما سلفت الإشارة، وإلى جانب إتقانه للغة العربية فإن فورد يتحدث الفرنسية والألمانية والتركية بطلاقة .
ويعد فورد أحد الخبراء في الشأن العراقي بوزارة الخارجية الأميركية، حيث شغل منصب المستشار السياسي في سفارة الولايات المتحدة بالعراق بين عامي 2004 و2006، وخلال تلك الفترة شارك فورد في صياغة المعادلة السياسية عقب احتلال العراق عام 2003 حيث كان تركيز فورد على ضرورة إشراك كافة القوى السياسية العراقية في العملية السياسية والحيلولة دون تهميش أي منها وخاصة السنة، على اعتبار أن النموذج التعددي للنظام السياسي الأميركي يمكن تطبيقه في العراق لاستيعاب التعددية الإثنية والدينية والمذهبية وتمثل مصالح كل منها بصورة متكافئة .
وصف فورد تلك الفترة قبيل مغادرته لبغداد عام 2006 بأنها الأصعب في حياته العملية على الإطلاق، ففي حديثه لصحيفة لوس أنجلوس تايمز في 3 من يونيو 2006 أشار فورد إلى أن فترة خدمته في العراق تخللتها خبرات قاسية من أبرزها فقدانه لصديقه على حيدري، حاكم بغداد الذي تم اغتياله وتدمير سيارته المصفحة عام 2005 .
التعليقات