بيروت: يثير استخدام أجهزة المسح الضوئي quot;سكانرquot; على نحو متزايد في مطارات دول أوروبا والولايات المتحدة الأميركية خصوصًا، جدالات ذات طابع أخلاقي، تتمحور على الحق في الإعتداء على خصوصية الإنسان من خلال كشف تفاصيل جسده، حتى لو كان ذلك بذريعة ضمان أمن المسافرين ومنع حصول عمليات إرهابيّة.

وكانت quot;حمى السكانرquot; قد توسّعت فجأة بعد محاولة الشاب النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب تفجير طائرة ركاب اميركية تابعة لشركة quot;دلتاquot; يوم عيد الميلاد في 25 كانون الأول /ديسمبر الماضي قبل هبوطها في ديترويت وتمكّنه من الافلات من اجهزة المراقبة باخفاء 80 غرامًا من مادة quot;بي إي تي إنquot; الشديدة الانفجار في ملابسه الداخلية.

quot;إيلافquot; سألت قرّاءها على مدى الأسبوع الماضي: ما الأكثر إزعاجًا في أجهزة المسح الضوئي quot;سكانرquot; والتي باتت متواجدة في عدد من المطارات العالميَّة؟ وجاءت النتائج مفاجئة تحمل على التفكير، إذ إنّ أغلبيّة تتمثل في 44.97 في المئة (2907 مشاركين من أصل 6465) اعتبرت أجهزة المسح غير مزعجة، بل ضرورية لضمان السلامة والأمن، بينما عبّر 38.19 في المئة (2469 مشاركًا) عن انزعاجهم من انتهاك الخصوصيَّة لأن أجهزة السكانر quot;تظهر المسافر عاريًاquot;. ورأى 16.84 في المئة (1089 مشاركًا) أن ما يزعج هو quot;الانتقائيَّة في اختيار من يخضع للمسحquot;.

تعكس هذه النتائج بوضوح تفهّمًا لدى أغلبية المستفتين للاعتبارات الأمنية التي أملت استخدام السكانر في المطارات العالمية وتغليبًا لهذا الإعتبار ربما لإدراك أصحاب هذا الرأي أن العمليات الإرهابية لا توفر أحدًا من الركاب في حال وقوعها، ولا تميّز بين الضحايا وفقًا لعرق ودين، إلا أن أصحاب الرأي الآخر يحملون مبررات وجيهة ظلت سائدة ومرجحة في دول أوروبا، وحتى في أميركا إلى أن وقعت حادثة النيجيري عبد المطلب التي فرضت على المتحفظين بسبب التمسك بالحريات الشخصية واحترام الإنسان والمساواة إلى التخلي جزئيًّا، بل إلى حدّ كبير عن مواقفهم لمصلحة المنطق الأمني.

تؤيد الأغلبية التي أظهرتها نتائج إستفتاء quot;إيلافquot; ما ذهب إليه المسؤولون الأمنيون في سويسرا الذين رأوا أن المسافرين سيتأقلمون مع إجراءات التفتيش المعقدة والطويلة. ومن لا يرغب في الخضوع لهذه الإجراءات عليه أن يمكث في داره. لافتين إلى أن إجراءات نزع الأحذية، وحظر نقل السوائل في الحقائب اليدوية، لم تؤد إلى الحد من سفر الأشخاص عبر العالم quot;لأن الناس يتقبلون ويتفهمون هذه الإجراءات الأمنيةquot;.

ولعل وزير الخارجية الإيطالي فرنكو فراتيني كان الأبلغ في عرض المنطقين من زاوية قيمية أخلاقية، وذلك عندما دافع عن استخدام السكانر خلال مقابلة عبر quot;إذاعة 24 quot; منتصف كانون الثاني فبراير الماضي، إذ قال : quot;إن آلات السكانر تبقى الأكثر ضمانًا لعدم مرور المتفجرات في نقاط التفتيش في المطارات حتى لو اعتبرت انتهاكًا للحق في الخصوصية، فهي تسمح بمنع ارهابي من ابتلاع كبسولة ملأها بالمتفجرات مثلاً ليتحول قنبلة بشرية، وهذا ما تعجز آلات رصد المعادن عن اكتشافه. وحتى لو اعتبر استخدام تلك الاجهزة quot;تضحيةquot; بخصوصية المسافرين، فإن الحق في الأمن شرط مسبق للحريات كافة. صحيح ان حياة الفرد الخاصة حق مطلق لا يمكن انتهاكه، ولكن في حال لم يكن الشخص واثقًا من الصعود الى الطائرة لانه يخشى ان يجلس الى جانب رجل يحمل شحنة متفجرات، ففي ذلك إلغاء للحريةquot;.

أما دخول العرب والمسلمين على خط هذه الجدالات فجاء من خلفية دينية، في ظل صمت مطبق لمنظمات حقوق الإنسان، فقال مفتي الديار التونسية الشيخ عثمان بطيخ في حديث صحافي يوم الخميس 21 كانون الثاني /يناير إن الماسحات الضوئية quot;سكانرquot; التي تستخدمها دول أوروبية والولايات المتحدة الأميركية في المطارات هي quot;حرام وإهانة لكرامة الإنسان لأنها تكشف جسم الإنسان عاريًا بما في ذلك عورته. إن هذه ممارسة غير أخلاقية تحرمها كل الديانات السماويةquot;.

وكانت المفوّضيّة الأوروبيّة قد سحبت في تشرين الأول/ أكتوبر 2008 اقتراحًا لنشر آلات السكانر في المطارات الأوروبية بعدما واجهت معارضة ارتكزت على أن هذه الآلات لا تعمل على إظهار تفاصيل جسد الشخص الذي يخضع للتفتيش فحسب، بل تتيح أيضًا الكشف عن أجهزته التناسلية، أو القطع أو الأطراف المزروعة. ولكن بعدما فرضت عملية الشاب النيجيري العودة إلى السكانر، حرص مسؤولو الأمن في المفوضية على التوضيح أن آلات الكشف المتطورة تستخدم برامج معلوماتية يمكنها أن تعالج الصور لئلا تسمح للعاملين في المراقبة إلا بالإطلاع على ما هو أكثر المواد المشكوك فيها، مع تمويه تفاصيل بقية الجسد وإتلاف الصور فور مرور المسافر والتأكد من خلو جسده من متفجرات.

وسارعت وزارة النقل البريطانية إلى التوضيح أن قيودًا وضعت لمنع العاملين على أجهزة المسح الضوئي من رؤية الأشخاص أو معرفة أسمائهم، وكذلك لحذف الصور في شكل فوري بعدما بادرت منظمات متعدّدة للدفاع عن حقوق الإنسان إلى إبداء خشيتها من احتمال نشر صور الأطفال والمشاهير بعد إخضاعهم لـ quot;تعرية إلكترونيةquot; على شبكة الإنترنت.