الدوحة: في إحدى أيام شهر أكتوبر من العام الماضي زار سعودي، وثيق الصلة والإتصال، مبنى قناة الجزيرة القطرية بعد نحو عامين من إتمام عملية المصالحة بين الرياض والدوحة، الأمر الذي وضع حدًّا لست سنوات من الجفاء سببتها quot;التغطية المعاديةquot; التي كانت تنتهجها هذه القناة ذات الشعبية الكبيرة لكل ما يتعلق بالمملكة، حسب ما يقوله مسؤولون سعوديون في الرياض.

ولاحظ الزائر، الذي يعلم ما لا نعلم، أنه حين طلب رؤية كشف أسماء الضيوف في دليل التلفونات الخاص بالقناة، وهو الذي يوفر ضيوفًا للقناة في أي برنامج يتعلق موضوعه بالمملكة، وجد أن كل أسماء قادة المعارضة السعودية، الذين كانوا ضيوفًا مستمرين على القناة فيما مضى، كان حولهم تنبيه بـ quot;عدم الإتصال بهم دون التنسيق مع مدير القناةquot;.

وكان ذلك يعني أن السبب الرئيس في توتر العلاقات بين هاتين الدولتين اللتين تربطهما الحدود والصلات القبلية والوهابية الدينية والسياسية في آن واحد، قد ولى إلى غير رجعة، فضلاً عن أن ذلك كان الدليل الأبرز على عدم صحة الإدعاءات التي كان المسؤولون في الدوحة يروجونها بأن القناة تعمل في إستقلال عن توجيهاتهم.

وكانت الحكومة السعودية قد استدعت سفيرها في قطر حمد الطعيمي للتشاور بتاريخ 29 أيلول (سبتمبر) 2002 الذي يتزامن مع الذكرى العاشرة لحادثة اشتباكات الخفوس على الحدود الدولية للبلدين 29 أيلول (سبتمبر) من العام 1992، وذلك بسبب برنامج تلفزيوني أنتقد المشاركون فيه العائلة المالكة ومؤسس البلاد الراحل الملك عبد العزيز آل سعود.

وتشكل برامج قناة quot;الجزيرةquot; وتوجهات قطر السياسية منذ تولي الامير حمد بن خليفة ال ثاني مقاليد الحكم في قطر مصدر توتر في العلاقات بين الرياض والدوحة قبل أن تسهم جولة مفاوضات شاقة أستمرت نحو عام في إصلاح العلاقات بين البلدين بعد إتفاق لفترة تهدئة تم تجاوزها بنجاح.

وعينت الرياض سفيرًا جديدًا هو أحمد القحطاني، الدبلوماسي المعروف في أوساط وزارة الخارجية، الذي جاء من مهمة أصعب كسفير لبلاده في سوريا التي كانت إلى وقت قريب على رأس محور الشر بالنسبة إلى السعوديين.

ويقول مسؤول سابق الجزيرة، رفض الكشف عن هويته كونه يتحدث عن امور خاصة، إن القناة ليست سوى quot;عصى في يد الحكومة في قطر وتحديدًا وزارة الخارجية التي تسهم اتصالاتها أحيانًا في تغيير دفة الحوار في البرنامج قبل دقائق من بثهquot;.

وأُسست في نوفمبر 1996 قناة الجزيرة بمشاركة 20 من محرري إذاعة الـ quot;BBCquot; وجميعهم من أصل عربي. وقناة الـquot; BBC quot; السابقة كانت تقوم على أساس الخدمة المدفوعة حيث كان التشفير يحجبها عن العامة، أما الجزيرة فحالها أفضل، فهي تبثُ عبر القمر الصناعي أي ان حيِّزها أوسع تصل الى أقطار كثيرة.

وعلى مدار أكثر من عشرة أعوام حركت (الجزيرة) المياه الراكدة في العالم العربي وفتحت العديد من الملفات المسكوت عنها في أكثر من وطن عربي.

ومنذ عودة المياه إلى مجاريها بين الجارتين لم تعد quot;الجزيرةquot; تستضيف المنتقدين لسياسة المملكة لدرجة أنها لم تعد تختلف عن القناة السعودية الأولى، التي كان السعوديون يلقبونها بـ quot;غصب 1quot; قبل أن تداهمهم ثورة الصحون اللاقطة، إلا في أن مذيعاتها أكثر جمالاً وخصوصًا حينما يتعلق الأمر بالنشرة الجوية، وأخبار الأسهم.

وعلى الرغم من أن quot;الجزيرةquot; تحصل على حرية مطلقة في تناول الشؤون المحلية لأي دولة هي على خلاف مع دولة المقر، إلا أن ذلك لا يطبق على الأخبار التي تتناول الشأن المحلي داخل الدولة نفسها، بل أن ذلك تسبب في quot;خنق الإعلامي القطريquot; حسب ما قاله أحد الكتاب القطريين الذي لم يحبذ فكرة ذكر أسمه.

ويضيف القطري المتشائم من إعلام بلاده المحلي: quot;نريد أن يمنحونا حرية مثل حرية قناة الجزيرة... لا نريد أكثرquot;.

أمير قطر

ويقود أمير قطر، المحبوب شعبيًا، حملة تنموية لتطوير بلاده إقتصاديًا، إلا أن الإعلام المحلي لم يتطور بما يليق بإمارة يصفها اقتصاديون بأنها quot;مستقبل الخليج العربيquot;.

وبعد هدوء الحال على الجبهة مع السعودية تتفرغ quot;الجزيرةquot; حاليًا لعملية قصقصة أجنحة قناة quot;بي.بي.سيquot; العربية التي كانت السبب الرئيس في ولادة الجزيرة، وذلك مخافة أن تتسبب في سحب ما تبقى من متابعي قناتها في الشرق الأوسط.

وتسببت quot;مصرنةquot; قناة (بي. بي.سي العربية) وquot;لبننةquot; قناة (الحرة) في أن تنام الجزيرة قريرة العين سنينًا طوال لولا أن منافستها مع قناة (العربية) تزعجها من حين إلى آخر.