موسكو:روعت موسكو في 12 ابريل بنبأ اغتيال القاضي ادوارد تشوفاشوف، ورصدت هيئات التحقيق ودوائر الرأي العام وقوف الجماعات القومية المتطرفة أو ما يطلق عليهم النازيون الجدد،وراء الجريمة البشعة، لان القاضي اصدر أحكاما قاسية بحق مجموعة قومية روسية متطرفة ارتكبت جرائما بشعة. ولم يكن المغدور به الذي عرف بإخلاصه للقانون، الضحية الأولى فقد اغتيل العديد من المحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان على أيدي تلك الجماعات التي تروج للفكر القومي ـ النازي الجديد المتلبس بالفكر الروسي القومي /الوطني والمسيحية الارثذوكسية.
وعقب ذلك وقوع انفجار في احد الأقسام الداخلية بموسكو حيث يقطن عمال من دول أسيا الوسطى،علما أن الاعتداء الذي أسفر عن إصابة 3 أشخاص على هذه المباني ليس حادثة نادرة. إذ أن التحقيقات أكدت تورط القوميين الروس المتطرفين ووقوفهم خلف هذه الجريمة.
وهاجمت مجموعة روسية متطرفة في 20 ابريل/نيسان الحالي، علاء حسام الخالدي، وهو شاب من أب عراقي وأم روسية في محطة quot;بيلايافوquot; في غرب موسكو وانهالت عليه طعنا بالسكاكين لكونه ذي بشرة سمراء، وفي نفس اليوم فارق الحياة مواطن من أسيا الوسطى متأثرا بجرحه وراح ضحية على يد فصيل آخر من المجموعات نفسها، وإضافة إلى لائحة ضحاياها من مختلف القوميات.
ورغم أن القيادة الروسية وأجهزة الأمن وحفظ النظام والبرلمان تدين بحدة هذه الجماعات وتوجهاتها، وسنت القوانين القاسية لملاحقتها وتقديمها للمحاكم وإنزال أقسى العقوبات بعناصرها، إلا انها تترعرع وتتنامى وتمارس جرائمها البشعة في وضح النهار متحدية الجهات أجهزة السلطة وحفظ النظام.
إن الجماعات الناشطة سريا والتي يحظر عليها العمل العلني، التي تتبنى الشعار الروسي القومي المتطرف هي الجماعات التي يطلق عليها quot;النازية الجديدةquot; واصطلح على الأشخاص الهيئات التي تتبنى الشعار القومي الروسي المتطرف وتتحرك بشكل شرعي بأنها تيارات النزعة المتطرفة.
احذروا النازيين
من الصعوبة القول كم يبلغ عدد منظمات النازيين الجدد بروسيا. ولكن 99% منها تتألف من 3 إلى 5 اشخاص او أن يكون احد العناصر عضوا في عدة منظمات في ان واحد. ووفقا لمعطيات وزارة الداخلية فان هناك عدة ألاف من المنضمين للجماعات القومية المتطرفة، وهناك عشرات الآلاف من المواطنين العاديين العاصمة الروسية يتعاطفون بشكل وآخر مع هذه الجماعات.
وتشير مختلف المعطيات إلى أن الجماعات الشبيبة المتطرفة تضم 10 آلاف ناشط. وأحيانا يطلق على هذه المنظمات quot;حليقو الرأسquot; أو القوميين المتشددين أو النازيين الجدد، ولكن تجمعها ميول واحد تتمثل بالنفور من أبناء القوميات والأديان والثقافات الأخرى وإيمانها بتفوق القومية الروسية/السلافية على القوميات الأخرى. وتجتمع هذه الجماعات في منظمات محظورة قانونيا. وهناك من يتحدث عن وجود مركز لتحريك أنشطة هذه الجماعات لأغراض سياسية، ولكن هناك إجماع على عدم ارتباطها بالمؤسسات الرسمية، لاسيما بمؤسسات النسق الأعلى للسلطة.
وهناك توقعات بان الفترة القريبة القادمة ستشهد تصاعد موجة نشاط النازيين الجدد التي ستستمر حتى نهاية مايو المقبل. فهناك عدة تواريخ يحرص النازيون الروس على الاحتفاء بها بطرقهم الخاصة اي قتل الابرياء وهي 9 مايو/ايار الذي يصادف هزيمة المانيا الهتلرية وانهيار الايديولوجية النازية، وفي الاول من مايو/ايار الذي يعتبره النازيون الجدد بانه عيد الشيوعيين ـ اليهود و 26 ابريل/نيسان يوم ميلاد هتلر و في 5 مايو يوم الانتقام.
وتقول جالينا كوجيفنيكوفا خبيرة نزعات التطرف ونائبة مدير مركز quot;سوفاquot; للدفاع عن حقوق الانسان ان على علماء النفس دراسة اغوار نفوس العناصر التي تمارس العنف بدوافع النفور القومي والديني والحقد على ابناء القوميات الاخرى واتخاذ موقف عدائي منهم، وتستدرك: لكنهم عناصر اجتماعية غير مهمشة. فمعظمهم من أبناء الذوات والطبقة المتوسطة.
وتشير إلى أنه ليس كل شخص يسول لنفسه ممارسة ارتكاب الجريمة بدافع الحقد القومي او الديني،ولكن النازيين الجدد لا يخرجون من العدم. ووفقا لرأيها فان هذه الجماعات تجد لها سندا اجتماعيا بشيوع ميول النفور من الآخر (كسينا فوبيا) المنتشرة لدى الروس. وعلى حد معطياتها فان 55% من الروس يدعمون شعار quot;روسيا للروسquot;، وهؤلاء الناس كما تقول يرومون إدخال هذا الشعار لحيز الوجود. وقالت إن النازيين الجدد هم استجابة لتوجهات سائدة في المجتمع الروسي.
وقالت ان وزارة الداخلية تكهنت بان روسيا ستشهد في زمن الازمة الاقتصادية اتساع جرائم العمالة الوافدة، ولكن هذا لم يقع، بينما رد النازيون الجدد باسلوبهم الخاص: الاعتداء بالقنابل على مباني اقامة العمال الاجانب والهجوم بالسكاكيين على ذي البشرة السمراء، وقتل القضاة والمدافعين عن حقوق الانسان الذي يصدرون الاحكام العادلة بمرتكبي الجرائم بدوافع عنصرية والحقد القومي.
جغرافية التطرف
وشهدت روسيا في السنوات الخيرة تضاعف الجرائم ذات الصبغة العنصرية والمتطرفة. وذلك وفق معطيات لجنة التحقيقات التابعة للنيابة العامة الروسية. وتقول المعطيات نفسها إن هذه الجرائم تتصاعد بوتائر سريعة مع كل عام.
وحسب مركز quot; سوفاquot; للدفاع عن حقوق الإنسان، فان وراء تلك المعطيات لا تكمن إحصائيات تنامي الجريمة: وإنما حقيقة أن أجهزة الأمن باتت في اغلب الأحيان تسجلها، والاعتراف بأنها جرائم ذات دوافع عنصرية ونازية جديدة على عكس ما كانت تبديه من عدم اكتراث مقصود بها.
ويفسر نائب مدير لجنة التحقيقات التابعة للنيابة العامة فاسيلي بيسكاريوف سعة نطاق مظاهر التطرف بكون روسيا دولة متعددة القوميات والأديان. وعلى حد قوله فان تفاقم الوضع أكثر يعود إلى غياب التنسيق بين هيئات وزارة الداخلية ولجان شئون المراهقين مع الادارات المحلية والمؤسسات التربوية.
وتلاحظ جالينا كوجيفنيكوفا وجود مؤشرات على تفعيل التحقيق بالجرائم ذات الصبغة العنصرية وتحسين نوعيتها. وراحت الجهات المختصة تقدم للمحاكم عناصر النازيين الجدد،وانخفضت الاحكام مع وقف التنفيذ الصادرة بحقهم.
وأشير في التقرير الذي صدر بعنوان quot;القوميون المتطرفون في روسيا والتصدي لهم في عام 2009quot; إلى دور أجهزة الامن التي قامت quot;بتصفية الجماعات الأكثر عدوانية وتطرفا في موسكو العاصمة وضواحيهاquot;. ولكن التقرير يعترف بان مؤشرات الدعوة للنفور من الآخر( كسينوفوبيا) تكاد لا تتوقف. ويقول التقرير أن الجهات المختصة مازالت تركز الاهتمام الرئيسي على الجرائم الطفيفة والممارسات غير ذات الشأن، التي لا تلعب دورا في تصفية نزعات النفور من الآخر حسب الهوية، والأنشطة الداعمة لها، كنشر افكارها في الانترنت وتوزيع الكتيبات والنشريات.
وقال فاسيلي بسكاريوف في حديثة لصحيفة روسيسكايا غازيتا، شبه الرسمية،أن جغرافية التطرف تتسع. وان انشطة عناصر التجمعات المتطرفة تظهر أكثر في مناطق موسكو وبطرسيورغ وسفيردلوف واوليانوف ويارسلافل. اي المدن الكبرى ذات الكثافة السكانية. وحسب توصيف بيسكاريوف فان المتورطين بالاعتداءات بدافع الحقد القومي quot; مراهقون يمثلون حركات الشباب المتطرفة غير النظامية quot; حليقي الرؤوسquot;. وتتميز هذه الجماعات بالصلات المنتظمة بين عناصرها ، والتحرك الموحد عند تنفيذ العملية المخطط لها.
وكما يشير مركز quot;سوفاquot; فان الجماعات المتطرفة راحت تصعد من أنشطتها المناوئة للدولة. وإنهم يضعون من بين أهدافهم quot;إرباك عمل اجهزة الدولة، ونزع ثقة السكان بها، وشل منظمات المجتمع المدني، الناشطة في مجال مكافحة العنصرية والنفور من الآخر ( كسينيا فوبيا). ويلفت أيضا إلى استبدال جماعات النازية الجديدة شعاراتهم من الدعوة التقليدية السافرة للعنصرية إلى ترديد شعارات قريبة من الدعاية الوطنية الرسمية، بهدف خلط الأوراق وتظليل على الرأي العام وإغواء رجل الشارع.