إستغل الصحافيون العراقيون مناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة للتعبير عن طموحاتهم وأبداء هواجسهم من الواقع الذين يعيشونه وسط التحديات الكبيرة التي يواجهونها في عملهم اليومي، إذ أن العديد من العقبات ما زالت تقف دون حصولهم على الأخبار من مصادرها وفي البحث عن ضمانات تمنحهم حرية الوصول الى المعلومة بالاضافة الى تخفيف الأعباء التي يلاقونها وترسيخ مبادئ العمل الإعلامي.

بغداد: على مدى يومين، أقيمت في بغداد إحتفاليتان لمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، الأولى أقامتها نقابة الصحافيين بالتعاون مع منظمات اليونسكو والـUNDP و(ايركس) و(داعم) وعدد من منظمات المجتمع المدني تحت شعار quot;الحريات الصحافية ضمان للعراق الديمقراطي الجديدquot;. والثانية في نادي العلوية، بالتعاون مع عدد من الوكالات والمنظمات الصحافية، وبالرغم من أن المناسبة تمثّل فرصة مهمة للصحافيين العراقين الذين قاسوا المرارات جميعها طوال سنوات طويلة، لاسيما في السنوات الأخيرة حيث اصبح الصحافي في الترتيب الأول للمستهدفين، إلا أن الحضور لم يكن فاعلاً ومؤثرًا، خاصة من قبل الإعلاميين المعروفين والأكاديميين، فيما كان الحضور الأعم للوجوه الشبابية.

في إحتفالية نادي العلوية يوم الاثنين، أقيم ثلاث معارض، الأول للصور الفوتوغرافية نظمته quot;رابطة الصحافيين الشبابquot; شارك فيه عدد من المصورين الصحافيين العراقيين، وقد تميزت الصور بكونها إلتقطت من الشوارع التي إشتعلت فيها نيران الإرهاب عبر التفجيرات، بالإضافة الى قراءات في ملامح الواقع العراقي. فيما كان المعرض الآخر لصور البورتريه والكاريكاتير نظمته quot;الجمعية العراقية لرسامي الكاريكاتيرquot;، اشترك فيه نخبة من أهل الكاريكاتير العراقي، وميزه التفرد بالجرأة والدهشة. أما المعرض الثالث للإعلام الحديث أقامه quot;معهد الإعلام العراقيquot; وعرض مواقع لنشاطات وكالات الأنباء، كما تضمن المكان كشكًا للصحف اليومية والأسبوعية.

فيما كانت هنالك كلمات بهذه المناسبة للممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، وممثل اليونسكو عدنان صديقي، ولنقيب الصحافيين مؤيد اللامي، وبرهان الشاوي رئيس هيئة الإعلام والإتصال، وحامد محمد علي نائب نقيب الصحافيين في كردستان. اكدت معظم الكلمات على ضرورة إحترام حرية الصحافة والإسراع في سن القوانين الخاصة بحماية الصحافيين، كما تضمنت الكلمات الإشارة الى حجم التحدي الكبير الذي يواجهه الصحافيون العراقيون في ساعات عملهم اليومي في إطار بحثهم عن الحقائق وسط الساحة العراقية الملآى بالمشاكل، كما تم إستذكار التضحيات التي قدمتها الأسرة الصحافية العراقية على مدى السنوات الماضية والتي راح ضحيتها المئات من الصحافيين على إختلاف مجالات عملهم الإعلامية، بالإضافة الى أحاديث عن واقع الصحافة العراقية والضغوطات التي تواجه عمل الصحافي، مؤكدة على أهمية إقرار قانون حماية الصحافيين وفسح الحريات وإيجاد الدعم المناسب للإعلام بما يبعده عن الميول والإتجاهات الحزبية الضيقة، وطالب المتحدثون بضرورة رفع القيود عن الصحافيين وسحب جميع الدعاوى والقضايا التي أقيمت ضد الإعلاميين او مؤسساتهم، بما يعزز مبدأ حرية الصحافة وفسح المجال للإعلام كي يأخد دوره في العملية الديمقراطية الجديدة، كما تضمنت الإحتفالية عرض شريط فيديو من إعداد معهد quot;صحافة الحرب والسلامquot; عن حرية الوصول الى المعلومات في العراق.

كما تضمنت الإحتفالية حلقتين نقاشيتين لموضوعين مهمين الأول تحت عنوان: quot;حق الحصول على المعلومات وتأثيره على مناحي الحياة بشكل عامquot; ترأسها مفيد الجزائري رئيس لجنة الثقافة والإعلام في البرلمان السابق، قال في كلمته quot;هذا اليوم.. هو سعيد ومفرح، حرية الصحافة لايكفي انها معلنة في الدستور، بل يجب وضع تشريع قانون يتعلق بالحق في الوصول الى المعلومة حرية الوصول الى المعلومةquot;، مشيرًا الى انه quot;في هذه السنة يجري التركيز على هذا الموضوع وهو تشريع قانون الحق للوصول الى المعلومات للاعلاميين وغير الإعلاميين ويجب أن تكون الأبواب مفتوحة للوصول الى المعلومة وهذا لايمكن ضمانه إلا بصدور قانون في هذا الشأنquot;.

وأشار الى ان quot;العراق الآن يتمتع بحرية صحافية كبيرة لم يحصل عليها أي بلد في منطقتنا، لكن تلك الحرية تتعرض دائما للتضييق حيث يمكن لأي موظف صغير أن يمنع الصحافي من الحصول على المعلومات، كما يمكن لحمايات المسؤولين الحكوميين أن يعتدوا على الصحافيين بصورة قد تصل الى الإعتداء الجسدي أحيانًا، كما ان التضييق الذي يحد من حرية الصحافي يأخذ أشكالا عدة منها الرقابة غير المعلنة وغير الرسمية كالرقابة الدينية والرقابة الإرهابية ورقابة التقاليد الإجتماعية أحيانا، وهذه تؤسس لرقابة داخلية وتنال من حرية الصحافة العراقية وتجعلها حرية مثلومة وعرجاءquot;.

اما موضوع الحلقة الثانية فكان تحت عنوان quot;القوانين اللازمة لتهيئة بيئة اعلامية سليمةquot; ترأسها القاضي سالم روضان الموسوي.

الإحتفالية التي اقيمت يوم الأحد في فندق المنصور فقد شهدت الأروقة المؤدية الى قاعة الإحتفالية إنتشار العشرات من صور الإعلاميين الذين راحوا ضحية الغدر والإرهاب، وتضمنت الإحتفالية القاء كلمات عديدة، منها لنقيب الصحافيين العراقيين مؤيد اللامي الذي دعا السياسيين العراقيين الذين أقاموا دعاوى قضائية بحق المؤسسات الإعلامية والصحافيين الى التخلي عنها، مطالبًا بحل هذه المشاكل بعيدًا عن المحاكم، كما طالب بإقرار مشروع قانون حماية الصحافيين الذي تقدمت به نقابة الصحافيين، مشيرا الى quot;ان عمل الصحافيين العراقيين على مدى 7 سنوات ترسخت فيه مفاهيم الديمقراطية ولم يتبنوا خطابًا حادًا إلا في حالة الدفاع عن النفسquot;.

كما تضمنت الإحتفالية كلمة متلفزة لممثل الأمين العام للأمم المتحدة أد ميلكرد، عرضت على شاشة صغيرة، قال فيها ان quot;هذه الإحتفالية هي لحظة مهمة في العراق، لصحافيين يعملون من أجل مجتمع افضل، لأن الإعلام هو صوت الشعب لمراقبة السلطةquot;، مشيرا الى ان quot;إصدار قانون حق الحصول على المعلومة هو رسالة قوية الى كل أعداء الحرية والمعلومة.

وألقى كلمة الأمين العام للإتحاد الدولي للصحافيين ايدن وايت، التي عبر فيها عن إعتزازه والصحافيين في العالم بالتضحيات التي تقدمها الأسرة الصحافية العراقية من أجل ترسيخ مبادئ حرية الصحافة وإستقلاليتها، مطالبًا القوات الأميركية بفتح تحقيق شامل عن الجرائم التي إرتكبتها قواتها في العراق وقتلها لعشرين صحفيًا وكشف هذه الجرائم للرأي العام، داعيًا الحكومة العراقية الى كشف ملابسات إغتيال أكثر من 300 من الصحافيين والعاملين في القطاع الإعلامي خلال السنوات السبع الماضية وتقديم الجهات المنفذة والداعمة لهذه العمليات الاجرامية للعدالة.

وقال الامين العام للإتحاد الدولي للصحافيين في رسالته quot;يجب ان نسأل الحكومة العراقية لماذا على الرغم من كل الوعود إختار العراق ان لا يرد على رسائل وتساؤلات منظمة اليونسكو المتعلقة بمقتل الصحافيين؟ ولماذا لم تقم ولو بفتح تحقيق واحد في حوادث الإجرام التي استهدفت الصحافيين ما بين عامي 2006 و2009؟quot;، مشيرا الى ان مقتل هذا العدد الكبير من الصحافيين العراقيين خلال السنوات القليلة الماضية يجعلنا نتضامن مع عوائلهم التي تنتظر إحقاق الحق وتقديم القتلة لينالوا جزاءهم، مؤكدا على أهمية وجود بيئة قانونية تحمي الصحافيين من سلطة بعض الذين يستغلون مناصبهم الرسمية للتجاوز على حرية الصحافة والصحافيين وحقهم في التقصي والبحث والوصول الى المعلومة وحقهم في حماية مصادرهم وحياة عائلاتهم.

وتحدث في الإحتفالية برهان شاوي المدير التنفيذي لهيئة الاعلام والاتصالات حيث أكد ان العراق ما زال يقدم الصحافيين من أجل حرية الكلمة، إلا أن بعض الجهات تريد إتخاذ هذه الحرية لإشاعة العنف وتحقيق عدد من الرغبات السياسية، quot;فنحن أحوج ما نكون الى التكاتف وتصحيح الفوضى، وهذا الأمر لا يتحقق بدون ثقافة قانونية اخلاقية للمهنةquot;.

وتحدث حامد محمد نائب نقيب نقابة كردستان قائلا quot;لا يحق للدولة إستغلال مفاهيم الأمن القومي لكم أفواه الصحافيين، وان اي مواطن له حق الحصول على المعلومة فضلا عن الصحافي الذي هو أداة ربط بين الدولة والشعب العراقي متمنيًا ان تترسخ مفاهيم الديمقراطية والحرية التي هي الرئة التي يتنفس من خلالها الصحافي.

وأعرب العديد من الصحافيين العراقيين عن أملهم أن تكون الإحتفاليتان فرصة لتذكير الجميع بأهمية العمل الإعلامي كونه رسالة شريفة والمسؤولية الكبيرة لهذه المهنة الإنسانية التي تمثل الوجه الأكثر اشراقا للبلدان.