من بين تسعة عشر زعيمًا، وعشرات العشرات من المسؤولين الغربيين الذين كانوا في تورنتو، شمال غرب بحيرة اونتاريو الكندية، حيث تلتئم مجموعة العشرين، استأثر رجل واحد بنصيب الأسد من عدسات المصورين وتعليقات الصحافة، إنه عبد الله بن عبد العزيز ملك السعودية السادس، الذي يحكم مملكته النفطية منذ الثاني من أغسطس/آب العام 2005 وتعوم بلاده على فائض مالي لم يسبق له مثيل في تاريخها.

وبينما تتصاعد أبخرة الخسائر المالية من مداخن الشركات في دول أووربا وأميركا، بقت السعودية في مأمن من إعصار الأزمة المالية الأخيرة التي ضربت دولاً وجرفت في طريقها عشرات الآلاف من الوظائف، حيث كانت المملكة الأقل تضررًا، ما مكنها من أن تحافظ على متانة اقتصادها وتسهم في استقرار الإقتصادي العالمي.

في إنتظار عبد الله: باريس وquot;اللوفرquot;... ومن خلفهما أوروبا المتعبة!

ولذلك لم يجد أوباما حرجًا في أن ينحني عند مصافحة ملك السعودية، أويتلذذ ساركوزي بشرب القهوة العربية المرة معه في الرياض قبل أشهر، بينما لم تجد ميركل وكاميرون حرجًا في التسابق على المصافحة الحارة والإبتسام أمام عدسات الصحافة على أمل أن تسهم العلاقة الشخصية في تفعيل تعاون اقتصادي قد يساعد أوروبا المتعبة.

وتضم مجموعة العشرين دول مجموعة الثماني (المانيا وايطاليا وكندا وفرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا واليابان وروسيا) و12 من اكبر اقتصادات العالم (جنوب افريقيا والسعودية والارجنتين واستراليا والبرازيل والصين وكوريا الجنوبية والهند واندونيسيا والمكسيك وتركيا والاتحاد الاوروبي).

وحسب ما تعلمه quot;إيلافquot; من مصادر خليجية مطلعة، فإن الرياض رفضت أكثر من مرة زيادة نسبة مساهمتها في تقليص آثار الأزمة العالمية على الرغم من أن دولاً غربية حاولت وبالحاح مزعج حثها على زيادة تجاوز مبلغ المليار دولار بغية وضع حد لآثار الأزمة المالية التي ضربت أوروبا وترنحت منها الأميركيتين وأجزاء من آسيا وخليج العرب والفرس على حد سواء.

والذين يعرفون صناع القرار في السعودية وطبقة حكمها الأولى متأكدون من أن السعودية لن تدفع أكثر، خصوصًا أن ملكها وأغلب فريقه الإقتصادي الذين يأتي على رأسهم وزير ماليته ابراهيم العساف، لا يؤمنون بعقيدة quot;الدفع المجانيquot;، على حد تعبير مراقبين خليجيين، حيث يركزون على التنمية الإقتصادية داخل بلادهم قبل كل شيء.

وحينما حاولت دول غربية اقناع مسؤولين سعوديين بالاستثمار في الشركات الأوروبية المتعثرة قيل لهم برفق أن المملكة تنفذ خطة طموحة للتنيمة الإقتصادية وتستقطب شركات دولية بمليارات الدولارت، الأمر الذي يصب في مصلحة الإقتصاد العالمي، ناهيك عن برنامج سنوي لأبتعاث الطلبة يضخ مئات الملايين من الدولارات سنويًا في أغلبية الدول الغربية.

وينتظر السعوديون الكثير من المدن الإقتصادية التي بدأت بمشروع مدينة الملك عبد الله الإقتصادية، وهي فكرة تمساح الانتصارات السعودية السياسي الأمير بندر بن سلطان، قبل أن تتطور إلى أن أصبحت ست مدن تندرج تحت مسؤولية الهيئة العامة للاستثمار التي في يمينها وشمالها أموال لا تعد ولا تحصى تثير الشهية والطمع في التنمية والاعمار.

وتضررت أميركا من الأزمة المالية إلى حد إعلان تسعة بنوك إفلاسها وتسريح عشرات الآلاف من الموظفين، بينما بريطانيا تكافح كي تحافظ على ما تبقى من هيبة الباوند ومستوى المعيشة، فيما بدأت اليونان فعليًا في خطة تقشف قد تفضي في نهاية الأمر إلى بيع بعض جزرها، أو تأجيرها على أمد بعيد.

أما ألمانيا فهي مثل لاعب السيرك الذي يهتز منذ أشهر وقد لا يتمكن من الصمود في ظل تباطؤ نمو لافت قد يضر بحكومة ميركل في المستقبل القريب، بينما يجاهد الآخرون في محاولاة التداوي من الأزمة من خلال خطة زمنية لا تقل عن العامين.

وتعهد قادة دول مجموعة العشرين خلال اجتماعاتهم الاحد في تورونتو خفض العجز في ميزانياتهم لكن كلاً بحسب اساليبه لكي لا يؤثر ذلك على النهوض الاقتصادي الخجول.

وسعيًا لعدم اثارة استياء اي من الاعضاء، لم يذكر البيان اي بلد بالاسم عند قيام اجماع على وجوب ان يتحرك في اتجاه معين. وفي هذا الاطار، اكتفت مجموعة العشرين بالدعوة الى quot;زيادة المرونة في اسعار صرف العملات في بعض الدول الناشئةquot;.

ولم يذكر هذا البند الصين تحديدًا، في حين يعلم الجميع انها المعنية، إذ إنها الدولة الوحيدة في مجموعة العشرين التي لا تسمح بتقلب سعر عملتها بحرية، اذا ما استثنينا السعودية التي لا تطرح سياستها بشأن سعر عملتها اي مشكلة مع اي بلد اخر.

الأصابع المحترقة بنيران الأزمة
لم تقتصر الأزمة المالية على الولايات المتحدة بل امتدت إلى معظم دول العالم ومنها جارتها كندا التي تأثرت فيها صناعة الطائرات بشكل كبير حيث سبق وأن أعلنت شركة بومبارديير الكندية ثالث أكبر شركة صناعة طيران عالمية ، إنها ألغت 1350 وظيفة أي 4.5% من قوتها العاملة لتواجه مشكلة انخفاض الطلبات على طائرات رجال الأعمال.

وحسب تقرير لمنظمة العمل الدولية فقد طالت الأزمة المالية القطاعات الاقتصادية الكندية الأخرى وأدت إلى تسريح 129 ألف عامل ما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة إلى 2.7% مسجلة تراجعًا شهريًا لم تشهده البلاد منذ الثمانينات وذلك وفقًا للمعهد الرسمي للإحصاءات في كندا.

وفي فرنسا، ارتفع العجز التجاري إلى مستوى قياسي ليبلغ 55.7 مليار يورو (71.35 مليار دولار) في العام الماضي. وعزت السلطات العجز الكبير إلى ارتفاع أسعار النفط لمستويات عالية في النصف الأول من العام وبفعل تداعيات الأزمة الاقتصادية على كبار الشركاء التجاريين من مختلف دول العالم، الأمر الذي أدى إلى تراجع الصادرات الفرنسية.

أما اليابان التي تعتبر من كبرى الاقتصاديات الآسيوية، فقد عزز تزايد معدلات البطالة وتراجع إنفاق العائلات واحتمالات سيئة للإنتاج الصناعي مخاوف المستثمرين من الانكماش الاقتصادي، حيث أطلقت quot;هيتاشيquot; أكبر صانع للالكترونيات في اليابان تحذيرًا من أنها ستواجه اكبر خسارة سنوية لشركة صناعية يابانية، بينما أعلنت صانعة رقائق ذاكرة الحاسوب إن.آي.سي كورب عن تسريح 20 ألف عامل وهو أكبر تسريح للعمال في آسيا منذ بدء الأزمة المالية.

أما في الصين التي يشهد اقتصادها اكبر نسبة نمو عالمية فقد أعلن مسؤول رفيع قبل أسبوع أن نحو 20 مليون عامل مهاجر من المناطق الريفية فقدوا وظائفهم بسبب التباطؤ الاقتصادي الناجم عن تأثيرات الأزمة المالية العالمية.

ومن الاقتصاديات الناشئة في أميركا اللاتينية نالت البرازيل التي تعد القوة الاقتصادية الكبرى في القارة حصتها من تأثيرات الأزمة المالية.