زيارة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى باريس ليست حدثًا منتظرًا في فرنسا المتعبة فحسب؛ بل في عموم أوروبا، إذ يتسقّط السياسيون في برلين ولندن ومدريد آخر الأخبار عما إذا كانت هذه الزيارة ستفضي إلى مبادرات اقتصادية تنقذ القارة العجوز من أزمتها الخانقة التي سحبتها من حبال أحذيتها غير المربوطة بإحكام في اليونان أم أنها ستكون مجرد زيارة بروتوكولية عابرة.
تقطع الأنباء الواردة من الديوان الملكي ووزارة المالية على وجه الخصوص أن الرياض لن تقدم شيئًا هذه المرة، على الأقل ليس في باريس، بل قد يكون أمرًا محتملاً في تورنتو لدعم الإقتصاد العالمي خلال قمة العشرين، وهو تجمع ما يمكن أن يسمى بمجلس إدارة العالم.
ومن بين زحام الأخبار والتوقعات تبرز صورة رجل واحد يعيش زحامًا مضاعفًا وهو السفير السعودي في باريس محمد آل الشيخ الذي يقيم الاستقبالات ويجري المقابلات وينهي اللمسات الأخيرة على برنامج الملك السعودي استعدادا للزيارة المنتظرة يوم الثاني عشر من شهر تموز/يوليو المقبل لمدة ثلاثة أيام قد يحضر خلالها حاكم اكبر بلد في الجزيرة العربية احتفالات الثورة الفرنسية.
وحسب مصادر رفيعة المستوى فإن الزيارة لن تكون مجرد حضور احتفالي فقط بل ستتوج بإفتتاح تاريخي في اللوفر لمعرض الفنون الإسلامية لأول مرة في تاريخ السعودية حيث ستعرض الرياض كنوزها الأثرية وأكثر من 300 قطعة، تكشف ما قيل قديمًا بأن العصر الجاهلي لم يكن جاهليا بالمعنى الذي ذهب إليه المؤرخون من كتبة التاريخ الإسلامي على حساب تاريخ الجزيرة نفسها.
وليس سرّ أن علاقات الرياض ndash; باريس ليست في أسوأ أحوالها، ولا يعني ذلك أنها في أحسن أحوالها في المدى المنظور، بل باردة برود ثلوج روسيا التي أسقطت نابليون، مهزوم فرنسا الكبير، في وقت مضى، يتخللها دفء موقت في فترات معينة ما يلبث أن يعود إلى سابق عهده نتيجة سياسات ساركوزي الملتوية والانتهازية على حد تعبير محللين.
وخلال زيارته الأخيرة حاول الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إقناع الساسة في الرياض مافشل فيه في أبو ظبي من بناء برنامج سلمي للطاقة النووية تبلغ قميته أضعاف أضعاف قيمته الحقيقية، لكن تم رده بهدوء، حيث قال السعوديون أنهم يفضلون التفكير أكثر في العرض الفرنسي الذي وصفه مصدر وثيق الصلة بأنه quot;أكثر مما يمكن أن يتوقعه بشرquot;.
ومعروف أن الرياض وباريس لا يبحثان عن أرنبين مختلفين في حشائش الشرق الأوسط الملتهب، بل هما يبحثان عن طريق رئيسي واحد تتبعه طرق متشعبة؛ فهما من جهة متفقان على ضرورة وضع حد للنفوذ الإيراني في المنطقة، وعلى دعم الإستقرار في لبنان، وإيجاد جهة غير منحازة للشروع في أي مبادرة تخص قضية الشرق الأوسط من جهة أخرى.
ومن المقرر أن تستمر الزيارة ثلاثة أيام تجري خلالها مباحثات عن العلاقات بين البلدين واخر التطورات في الملف النووي الإيراني والوضع اللبناني بشكل خاص، حيث أن لكلا البلدين تصورات مختلفة لما يجب أن يكون عليه الوضع في بيروت وضواحيها التي تشكل دولة تسمى لبنان.
ولم يستبعد ان تكون هنالك جلسة شاي مع الرئيس جاك شيراك، صديق السعودية الكبير، وموضع ثقة الملك عبد الله.
ويقول خبير في شؤون العلاقات السعودية - الفرنسية عن العلاقة الشخصية بين شيراك والسعوديين: quot;لو طلب السعوديون من شيراك القفز لسأل فورًا: كم الإرتفاع؟.. إن ثقته بالمملكة كبيرة وكانت تبادله الشعور نفسه. الفرق بين شيراك وساركوزي أن الأول يهمه مصلحة فرنسا والإستقرار العالمي، بينما الأخير لا يهتم إلا بمصلحة رفاقه من رجال الأعمال الذين يصطحبه معهم دومًا في الطائرة الرئاسيةquot;.
التعليقات