القاضي دانيال بلمار

يبدو أن القرار الظنيفي قضية اغتيال الرئيس السابق رفيق الحريري سيصدر خلال أسابيعوسطتطورات داخليةلافتة وذات معان كاعتراض الجنوبيين لمناورة اليونيفيل واختراق شبكة الاتصالات الخلوية إضافة إلى ما يشاع عن أن رئيس الوزراء سعد الحريريلن يتدخل في موضوع المحكمة إنما سيدعو إلى التمسك بالوحدة الوطنية التي ضحى والده في سبيلها.

تتلبد في سماء لبنان غيوم سوداء كثيفة، يراها الجميع لكنهم يحاذرون التحديق فيها على أمل أن تكون نذراً كاذبة، أو لعلّ الظروف تنجي هذه البلاد مرة أخرى من الإحتمالات المخيفة والمتجمعة، فيمر الصيف وما بعده بسلام. الأخطار هذه تتقلب اشكالها وتتغير، لكنها تتمحور دوماً على موضوع واحد، حتى ليصح القول خصوصا في هذه المرحلة: quot;فتش عن المحكمة الدوليةquot;( لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري ورفاقه).

ومن المعلومات التي يسكت عنها السياسيون والإعلام في هذا الشأن، فيلفها الصمت المطبق، ما أكدته لـ quot;إيلافquot; مصادر ذات ثقة عالية، وفحواه أن مكتب المدعي العام في المحكمة الدولية القاضي الكندي دانيال بلمار في بيروت ختم تحقيقاته في القضية قبل أيام، وأرسل كل الملفات والمعلومات التي جمعها بعد إعادة التدقيق فيها وتنسيقها، إلى مقر المحكمة في لاهاي، ما يؤشر إلى أن القرار الظني اكتملت عناصره، وقد يصدر خلال أسابيع.

لكن الأكثر مدعاة للإهتمام أن الفريق المساعد لبلمار في بيروت استمع بسرية مطلقة إلى إفادات ما يزيد على ستين شخصا، كثيرون منهم أدلوا بإفاداتهم للمرة الثانية أو الثالثة، وبين هؤلاء المستجوبين شخصيات أقل ما توصف به إنها من quot;علية القومquot;، وبعضهم ما زال إلى اليوم يهدد ويتوعد بلمار والمحكمة بالويل والثبور إذا ما وجها الإتهام في هذا الإتجاه أو ذاك، كما أن بين المستجوبين 17 منتمياً إلى quot;حزب اللهquot;. علما أن ضجة كانت ثارت عندما طلب مساعدو بلمار قبل أشهر سماع 11 منهم، ما يدل على تجاوب الحزب مع المحكمة.

وفي المعلومات المتكتم عنها أن غالبية العاملين في مكتب بلمار نالوا إجازات بعد اكتمال التحقيق، فغادروا لبنان، ورافق ذلك رفع مستوى الحماية الأمنية لمقر الباقين وأماكن سكنهم، ما يؤشر إلى خشية من تداعيات أمنية لما يمكن أن تحمله الأسابيع المقبلة.

تزامن هذا التطور مع إطلاق مواقف وإثارة قضايا بشكل شبه يومي في وجه فريقين في لبنان. أولهما حكومة الرئيس سعد الحريري التي تواجه عمليات quot;ربط نزاعquot; متعددة معها تمهيدا لإسقاطها عند أول إشارة إذا دعت الحاجة. وثانيهما القوة الدولية (quot;اليونيفيلquot;) التي تلقت قيادتها ما يشبه الإنذار بأنها ستضطر في المستقبل القريب أو المتوسط إلى اتخاذ قرار من اثنين: إما تجميع قواتها في نقاط محددة وعدم التحرك والإنتشار في الجنوب اللبناني، أو الرحيل.

في هذا الوقت يزداد الضغط على رئيس الحكومة سعد الحريري لانتزاع موقف منه يعلن من خلاله إنه لم يعد يريد المحكمة الدولية، وإنه بين خيار دمار لبنان وتقويض وحدة أبنائه، وخيار المضي في طلب العدالة وكشف الحقيقة، ينحاز إلى السلم الأهلي والوحدة الوطنية، وإن المحكمة خرجت عن الأهداف المرسومة لها ولذلك يجب أن تتوقف. وذلك علما أن مسار المحكمة خرج عن سلطة لبنان بعدما أنشئت بموجب قرار صدر عن مجلس الأمن الدولي ولا تلغى تالياً إلا بقرار يصدر عن المجلس نفسه. إلا أن حكومة لبنان تستطيع أن توقف مساهمتها في تمويل المحكمة هذه بما يقارب نصف موازنتها السنوية. والأهم أن موقفا كهذا من ابن الضحية، وهو quot;صاحب الدمquot; لا يقدر بثمن، ويعطي مناهضي المحكمة دفعاً قوياً للمضي في التشكيك فيها وتصويرها أداة في يد إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية.

هذا هو المطلوب من الرئيس سعد الحريري لكن الرجل ليس في هذا الوارد على ما يبدو، وعلى ما أكد قريبون منه لـquot;إيلافquot;، بل سيواصل القول إنه لا يتدخل في موضوع المحكمة، وتكرار موقفه هذا يعني أنه سيكون عرضة أكثر فأكثر قريبا لموجة كبيرة من الضغوط المرئية والخفية في المرحلة المقبلة. تكفي هنا إشارة إلى تأكيد الوزير السابق وئام وهاب وصحيفة quot;الأخبارquot; القريبين من الحزب إن كل من يؤيد المحكمة سيندم، والحكومة اللبنانية ستندم إذا واصلت هذا التأييد، وquot;7 أيار/ مايوquot;يمكن أن يتكرر.

وكان الحريري، بحسب معلومات متطابقة، طرح الموضوع للمناقشة في لقائه الأخير مع الأمين العام لـ quot;حزب اللهquot; السيد حسن نصرالله، من زاوية ضرورة التحسب والتحوط لكل الإحتمالات في حال صدور قرار ظني يشير إلى مسؤولية أو تورط ما لعناصر أو مسؤولين في الحزب، موضحا أنه سيبادر فورا إلى الإعلان أن الإتهام الظني لا يعني اتهام الحزب ككل بل أفراد فيه، وقد تكون التهمة غير صحيحة على قاعدة إن quot;المتهم بريء حتى تثبت إدانتهquot;، كما سيدعو إلى الهدوء وquot;التمسك بالوحدة الوطنية التي ضحى الرئيس الراحل رفيق الحريري بالغالي والنفيس في سبيلهاquot; وعدم الركون إلى غريزة الإنتقام.

لكن الحريري سمع جواباً مختصره أن اتهام ولو عنصر في quot; حزب اللهquot; يعني اتهام الحزب، فكيف إذا طال الإتهام قادة؟ وفي دمشق سمع الحريري جوابا مشابها عندما أثير في أحد لقاءاته هناك موضوع المحكمة: quot;إن اتهاما ولو لعريف سوري يعني اتهاما لسوريةquot;.

ولا يضيع المعنيون والمهتمون إلى أبعد الحدود بالمحكمة دقيقة لنسج خيوط الدفاع ردا على القرار الظني المتوقع، وفي السياق كانت التسريبات عن قدرة إسرائيل على اختراق نظام الإتصالات الهاتفية الخلوية في لبنان عبر أحد عملائها، وبالتالي قدرتها على أن تسجل في بيانات حصول اتصالات بين هاتفين لا يكونان حصلا فعلا، وهذه نظرية أقل ما يقال فيها إنها موجهة إلى بلمار الذي يتردد أنه يستند في قراره الظني إلى سجلات الإتصالات الهاتفية التي جرت في موقع الجريمة، قبلها وبعدها. لكنها نظرية موجهة بقدر أكبر إلى الجمهور العادي الذي سيكون محتاجا إلى تعليل لما جرى، وهذا التعليل أصبح جاهزا: quot;العدو الإسرائيلي قتل رفيق الحريري، والمحكمة الدولية أداة في يده... بالطبع !quot;.