الوزيرة الأردنية السابقة سهير العلي مع الملكة رانيا

وجد الأردن الرسمي نفسه أمام مشروع ورطة دبلوماسية نادرة تتعلق بموقع سفيره لدى الولايات المتحدة في أعقاب قرار الحكومة أمس الأول بإعادة السفير الحالي الى مركز وزارة الخارجية الأردنية، دون إعلان خلفه هناك، وسط إحتمالات متعدّدة.

أثار قرار الحكومة الأردنية أمس الأول بشأن إعادة السفير الأردني لدى الولايات المتحدة الأميركية الأمير زيد بن رعد بعد إنتهاء ولايته الدبلوماسية هناك، طبقًا لقواعد السلك الدبلوماسي الأردني نوعا من الإستغراب في الأوساط السياسية والدبلوماسية، على اعتبار أن القرار الحكومي صدر دون تسمية خلف للسفير الأمير، وكون القرار صدر فيما يقوم العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بزيارة شبه رسمية الى الولايات المتحدة الأميركية، يلقي خلالها محاضرات سياسية، ويلتقي فعاليات سياسية وإقتصادية هناك، إذ يفترض أن يرافقه السفير الأردني بصفته الرسمية، إلا أن السفير عادة يبقى غالبًا على رأس عمله بعض الوقت، وهو ما قد يشير الى أن الحكومة الأردنية بقرارها المفاجئ ربما لم ترتكب أي خطأ بروتوكولي.

ويأتي القرار الحكومي الأردني في ظل تشنج صامت للعلاقات الأردنية الأميركية تحت لافتة إعتراض واشنطن على المشروع النووي الأردني، على الرغم من بذل مساعٍ أردنية كبيرة في هذا الإتجاه لتليين التشدد الأميركي، إلا أنه على الرغم من ذلك فإن قضية إعادة السفير الأردني في واشنطن الى مركز الوزارة في عمان، ليس ناتجًا عن تفاعلات التوتر في العلاقات الأردنية الأميركية، بل إجراء دبلوماسي مستحق، كون قواعد وزارة الخارجية الأردنية تحدد ولاية رئيس البعثة الدبلوماسية في الخارج بأربع سنوات قابلة للتجديد، وفقًا لتفاهمات جميع مستويات القرار الأردني الأعلى، إلا أن اللافت في هذه المسألة هو عدم مبادرة الأردن حتى الآن الى إعلان إسم السفير الأردني المقبل في واشنطن، علمًا أن الترشيح والتسريب بشأن موقع كهذا كان يتم عادة قبل أشهر من إنتهاء ولاية السفير.

وحتى الآن يمكن القول عمليا بأن الترشيحات الدبلوماسية الأردنية لهذا الموقع، التي تسمى في العرف الدبلوماسي بخطاب الإستمزاج، وهو الكتاب الذي ترسله حكومة الدولة الراغبة في تعيين سفير لها لدى الدولة النظيرة، تستفسر فيه عن مدى ملاءمة شخصية ما لهذا الموقع، ورد الدولة بالقبول أو الرفض محددة أسباب الإعتراض، لم يأت بنتيجة أردنيا، فأول إستمزاج أرسلته الحكومة الأردنية لنظيرتها الأميركية كان يحمل إسم الوزيرة الأردنية السابقة سهير العلي، وبعد تمحيص أميركي للترشيح الأردني، جاء الرد بالرفض على إعتبار أن المرشحة العلي هي من حملة الجنسية الأميركية، والقوانين الأميركية لا تسمح لمواطن أميركي أن يمثل بلدا آخر لدى الحكومة الأميركية، إذ أظهر الرد الأميركي بأنه لا إعتراض على شخصية العلي، بل للتعارض مع القوانين الأميركية.

الأمير زيد بن رعد

ويتردد أردنيًا بأن عمان أرسلت خطابا ثانيا لإستمزاج تعيين شخصية سياسية أردنية لم يكشف عنها بعد، إلا أن واشنطن رفضت هذا الترشيح، وسط غموض شديد يلف الأسباب التي أبدتها الدبلوماسية الأميركية، وهو الأمر الذي أدخل الأردن في دائرة خيارات ضيقة ومحدودة جدًا بشأن هذا المنصب الحساس، والمهم الذي تعول عليه الحكومة الأردنية بشدة، لإسهاماته في إقناع صناع القرار الأميركي بإلتفاتة للشؤون الأردنية، وتليين المواقف المتشددة في المؤسسة البرلمانية الأميركية تجاه ملف المساعدات المالية والعسكرية للأردن.

وبحسب المعلومات فإن نية الحكومة الأردنية الآن تنصرف نحو إعادة تعيين السفير الأردني السابق في واشنطن كريم قعوار الذي شغل المهمة هناك بين عامي (2002-2006)، وهي نادرة دبلوماسية أردنية فيما يتعلق بمنصب السفير في واشنطن، إلا أن سجلات التقييم الدبلوماسية الأميركية والأردنية لأداء قعوار تشير الى أن هذا الدبلوماسي الذي يمتهن مجال الأعمال والبزنس راهنًا، قد أبدع في عمله، وأنه يحتفظ بعلاقات مؤثرة مع أركان الإدارة الأميركية، والمؤسسة التشريعية، وقادة الرأي والفكر الأميركيين، وبالتالي فهو الخيار الناجح لهذه المهمة.

وتثور أسئلة بشأن المستقبل الدبلوماسي للأمير الشباب زيد بن رعد الذي إنتهت ولايته في واشنطن، إذ يرتفع منسوب التكهنات بشأن إعادة توليته موقع المندوب الأردني الدائم لدى هيئة الأمم المتحدة، وهو الموقع الذي كان يشغله أيضا بين عامي (2000- 2006)، وهو المنصب الذي غادره إثر إخفاقه في الجلوس على كرسي الأمين العام للأمم المتحدة في مواجهة الأمين العام الحالي الكوري الجنوبي بان كي مون، وهو الأمر الذي أعقبه أزمة سياسية بين الأردن وقطر كون الأخيرة كانت ترأس المجموعة العربية في مجلس الأمن، وصوتت لصالح كي مون، معتبرة أن ترشيح الأردن لمواطنها الأمير زيد جاء متأخرا جدا، وبعد أن صرفت قطر وعودًا لدول آسيوية من بينها كوريا الجنوبية بالتصويت لكي مون، في مقابل أن تصوت الدول الآسيوية الداعمة لكي مون مستقبلاً مع القرارات التي تصب في الصالح العربي.

ولا يعرف بعد إن كان إعادة الأردن للأمير زيد الى نيويورك تهدف الى تجديد ملف ترشيحه لذات المنصب في الصيف المقبل، أم لا، وسط إنطباعات بأن الأطراف الدولية الكبرى والمؤثرة تريد التجديد لكي كون في موقعه في ولاية ثانية خمسة سنوات أخرى تنتهي في صيف العام 2016، علمًا أن مدة الولاية الواحدة للأمين حسب قوانين وميثاق هيئة الأمم المتحدة محددة بخمس سنوات، وتجدد مرة واحدة فقط بالتوافق بين أعضاء مجلس الأمن الدولي.