تحسب مختلف الدوائر الارباح والخسارة التي جنتها كل من واشنطن وموسكو منعملية تبادل الجواسيسالتي كانت الاولى من نوعها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، وعلى ما يبدو فأن ما حدث هو عملية سياسية لتحقيق أهداف استخباراتية.

تنطوي صفقة تبـادل الجواسيس بين الولايات المتحدة وروسيا التي تمت مؤخرا، على جملة من الابعاد السياسية والاستخبارتية. وتمس بصور مباشرة العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا في عصر ادارة الرئيس باراك اوباما وجلوس دمتري ميدفيديف في قصر الكرملين، ومحاولة الزعيمان لتأسيس نموذج جديد للعلاقات بين الدولتين quot;الخصمينquot;. ولكن من دون ريب ثمة في من وراء كواليس الحدث السياسي بواشنطن وفي موسكو من لايعجبه هذا التطور، لاسيما من اؤلئك المسكونين بنظرية المؤامرة ومقاييس الحرب البادرة.انها صفقة ذات طابع سياسي لتحقيق اهداف استخبارية.

وتشهد عملية تسوية واحد من كبرى قضايا التجسس الروسية الاميركية منذ نهاية الحرب الباردة بتسرب الدفء للعلاقات بين الدولين الخصمين سابقا ومن اجل الحصول على دعم روسيا في القضايا الهامة والملحة مثل افغانستان ومن البرنامج النووي الايراني قدمت اميركا تنازلات في قضايا توسيع الناتو نحو الشرق ووقعت روسيا واميركا معاهدة سالت 3 القاضية بتقليص الاسلحة النووية الاستراتيجية، لكن مع ذلك فان واشنطن وموسكو تشككان في نوايابعضهما الاخر.ولا يستبعد ان تسريع واشنطن بالعملية جاء ليس بسبب اجواء العلاقات الطيبة كما التي تتشكل بين موسكو وواشنطن، كما تذهب البيانات الرسمية، وانما ايضا من حاجة الاستخبارات الاميركية والروسية للاشخاص الذين تم الافراج عنهم، وانها بصدد الافادة مما في جعبتهم من خبرات واسرار ومعلومات.وما اكثرها.

وتحسب مختلف الدوائر الارباح والخسارة التي جنتها كل من واشنطن وموسكو من العملية التي كانت الاولى من نوعها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق.وقال نائب الرئيس الاميركي جوزيف بايدن ان عملية تبادل المحتجزين بين اميركا وروسيا كانت متكافئة.بينما اعتبرها بعض المحللين الروس بانها كانت برهانا ساطعا على انهيار الاستخبارات الخارجية الروسية التي نظمت في الاونه الاخيرة جملة من العمليات الفاشلة التي نتهت بفضائح على شاكلة الفضيحة الاخرة.ولكن المباحثات التي اسفرت عن العثور عن مخرج من الغضيحة الجاوسية لم تكن ممكنة لو ان القيادات السياسية في كلا البلدين لم تعطي الضوء الاحمر للتعجيل باسدال الستار عليها.ووافقت واشنطن على ترحيل 10 محتجزين روس متهمين بالتجسس بشرط الافراج عن 4 مواطنين يمضون محكومياتهم في السجون الروس تقول موسكو انهم تورطوا بنقل معطيات سرية للولايات المتحدة وحلفاؤها.

اعتبارات

وأعلن مصدر في وزارة الخارجية الروسية ان هيئة الاستخبارات الخارجية في روسيا الاتحادية ووكالة الاستخبارات المركزية في الولايات المتحدة وتطبيقا لتكليف قيادة الدولتين وانطلاقا من اعتبارات إنسانية وتطويرا لطابع الشراكة البناء بين البلدين، قامتا بتنفيذ ووفقا للتشريعات الوطنية في روسيا والولايات المتحدة بإعادة إلى روسيا المواطنين الروس العشرة المتهمين في الولايات المتحدة وبتسليم في ذات الوقت 4 أشخاص محكوم عليهم سابقا في روسيا.

وجاء تنفيذ هذه العملية ، وفقا للدبلوماسية الروسية، في مضمون السياق العام لتحسن العلاقات الروسية - الأميركية وبهدف منحها دينامية جديدة وفقا لروح الاتفاقات المبدئية على مستوى القمة بين موسكو وواشنطن حول الطابع الاستراتيجي للشراكة بين الدولتين. وهذا الاتفاق، ومازال الحديث للدبلوماسية الروسية، يعطي الأساس للأمل في أنه سيتم السير قدما بشكل مطرد على النهج المنسق بين قيادتي روسيا الاتحادية والولايات المتحدة في مجال التطبيق العملي وبان كافة المحاولات التي تهدف إلى إبعاد الجانبين عن هذا النهج لن ترى النجاح.

وجدير بالذكر أن مصدرا رفيع المستوى في إدارة الكرملين كان قد ذكر لوسائل الإعلام أن عملية عودة مواطني روسيا المعتقلين في الولايات المتحدة أو الذين نقلوا إليها، إلىروسيا تمت بشكل سريع وعلى مستوى تكنولوجي عال وبدون تعقيد. وبات ذلك ممكنا بفضل الطابع الجديد الذي أخذت تتسم به العلاقات بين الدولتين والمستوى العالي للتفاهم المتبادل بين رئيسي الدولتين الذي لم يتمكن أحد هزه.

رسالة تذكير

ولكن مع كل كلمات المجاملة لا تخفي واشنطن ان اقدامها على عملية المبادلة لايعني بانها ستغفر لروسيا كل ما ستسول به نفسها في تعريض المصالح الاميركية للخطر ولحاق الاضرار بها، وضمن هذا السياق وجهت واشنطن رسالة الى موسكو اوضحت فيها ان الولايات المتحدة مهتمة بتحسين العلاقات مع روسيا ولكن ليس على حساب خيانه مبادئها والتضحية باصدقائها، أو على الخصوص التنازل عن دعم جورجيا.ولاتريد واشنطن ان تفهم موسكو ان صفقة الجواسيس تعني ان واشنطن ستغمص عيونها على كل التصرفات الروسية.وقال مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون اوربا واوراسيا فيليب غوردون الذى زار مؤخرا العاصمة الجورجية ان quot;اعادة تفعيل العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا ومساندة واشنطن لجورجيا تعتبر من الامور التى تصب فى مجرى واحدquot;. وتعترف اميركا بوجود خلافات مع روسيا حول جورجيا. وطالبت مرارا بسحب القوات الروسية من جمهوريتي ابخازيا واسيتيا الجنوبية اللتين اعلنتا استقلالهما عن جورجيا بدعم روسي.

الجاسوسية في عصر العولمة

يلوح ان ظاهرة العولمة امتدت الى كافة المرافق الحياة، ولم تنسحب فقط على العلاقات الدولية والعائلية وتترك تاثيرها على الاذواق والماكل وطرق الراحة والاستجمام وتثير القلق من انها ستمسح الهويات والعادات والهويات الوطنية وتصفي الحدود، بل انعكست ايضا على نشاط حساس مثل تجسس الدول على بعضها الاخر.وتجلى هذه باسلوب العملية التجسيسة الروسية على اميركا التيوسرعة تبادل المتورطين بالتجسس.

فالجاسوسية الحديثة طورت اساليبها في ضوء الثورة المعلوماتية ولم تعد تراهن فقط على quot; العميل الكلاسيكيquot; الذي تعده في مدارس خاصة وتدسه في المؤسسات الحساسة لنقل المعلومات التي تخصها، بل انها راحت تستخدم ناس من مختلف الشرائح والكفاءات والاعمال،وباتت تعتمد على مصادر المعلومات المفتوحة وما اكثرها فمنها يمكن استقاء معلومات كانت في الماضي تبذل من اجلها الاموال وتكلف رجال اشداء للحصول عليها. كما ان اهتمام الجاسوسية تعدى ايضا الاهتمامات السابقة وراح يهتم بانشطة قد تبدو غير هامة بالنسبة للانسان العادي،وغيرت الجاسوسية ايضا اساليب نقل المعلومات فاستحدثت المعدات والاساليب التي لم تخطر للبال قبل بضعة سنوات.

والابواب غدت مشرعة اليوم امام الجواسيس وعملاء المخابرات،فالدول سهلت المرور عبر حدودها ، والحصول على المواطنة في قطاع كبير من الدول لم يعد مشكلة،وتجنيد المخبرين من المقيمين والمهاجرين الذين اكتسحوا العالم، لجمع معلومات تبدو برئية، عملية سهلة. والاكثر من ذلك ان الدول باتت تتساهل مع الانشطة الجاسوسية ولت تثير الصخب حولها بل وان البعض تنظر لها على انها نشاط طبيعي لا مفر منه، مارسه الانسان منذ ان اقام اول كيان مدني له، ولم يعد الجاسوس يُرسل من دون قيد او شرط الى المقصلة.وباتت الفضيحة التجسسية واصداءها مرهونة بالمنافع السياسية التي يمكن ان تجنيها.

وجعلت انعكاسات العولمة والثورات التكنلوجية والمعلوماتية التي صاحبتها الدول مفتوحة اكثر امام بعضها امام البعض الاخر واصبح من الصعب بمكان اخفاء اسرار الدولة المتعلقة باجمالية الامن القومي. وهذا ماقد سيدفع لاعادة النظر في مفهوم اسرار الدولة والامن الوطني وفي مفاهيم هامة اخرى.