تلعب الطائفية الدور الاساسي في تعيين الدبلوماسيين والسفراء في السفارات اللبنانية في الخارج.

بيروت: ان كنت دبلوماسيا من الطائفة الشيعية لن تحلم بالحصول على منصب سفير في واشنطن، وان كنت مارونيا، لن تصبح، مهما بلغ علمك وكفاؤتك، سفيرا في لندن، وحتى لو كنت سياسيا بارعا وتنتمي الى المذهب الكاثوليكي الاقلوي فالحقائب الوزارية المهمة لن تكون من نصيبك.
بهذه الكلمات يلخص سفير سابق نظام التحاصص الطائفي المعقد في بلد يعترف بوجود 18 طائفة متفاوتة الاحجام والنفوذ.

ويقول السفير الذي خدم في السلك الدبلوماسي لمدة اربعين عاما quot;المحاصصة اليوم اقوى من الماضي وتتخذ صورة بشعةquot;.
ويوضح ان quot;هناك سفارات معينة ووزارات معروفة ب+السيادية+ (الخارجية، الداخلية، المال، الدفاع) باتت محسوبة لطوائف معينة او افرقاء سياسيين محددين ولا يمكن لاحد ان يغير هذا الواقعquot;.

ولا توجد نصوص تفرض توزيع المناصب طائفيا في المؤسسات عامة، الا ان التحاصص بات ممارسة اقوى من القانون.
ويقول الباحث محمد شمس الدين لوكالة فرانس برس quot;ما كرس الطائفية هو غياب قانون موحد للاحوال الشخصية، مقابل نص دستوري اعترف بوجود الطوائفquot;.

وترعى السلطات الدينية الاحوال الشخصية في لبنان، بمعنى ان كل من يريد انجاز معاملات زواج او طلاق او ارث يلجأ الى مرجعيته المذهبية. وبالتالي يشعر معظم اللبنانيين ان الطائفة هي مرجعهم الاساسي لا الدولة.
في 1990 وبعد حرب اهلية مدمرة كانت العصبية الطائفية عنصرا اساسيا فيها، حصل تعديل دستوري قضى بالمناصفة بين المسلمين والمسيحيين في مجلس النواب مع اعتماد quot;الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة، (...) باستثناء وظائف الفئة الاولىquot; التي quot;تكون مناصفة بين المسلمين والمسيحيين دون تخصيص اي وظيفة لاي طائفةquot;.
غير ان الواقع بقي بعيدا عن النص في بلد يعتمد منذ استقلاله، وبناء على عرف معروف بالميثاق الوطني، توزيعا طائفيا للمناصب الرئيسية في الدولة (رئاسة الجمهورية للموارنة، ورئاسة البرلمان للشيعة، ورئاسة الحكومة للسنة).

وبالتالي، بقي مثلا منصبا قائد الجيش وحاكم المصرف المركزي من نصيب الموارنة، كما كان الامر قبل التعديل الدستوري. وتكرست المديرية العامة للامن الداخلي للسنة والمديرية العامة للامن العام للشيعة.
وبموجب العرف الذي يعتبر المس به من المحرمات، يفترض ان يكون رئيس الجامعة اللبنانية شيعيا، والنائب الاول لحاكم مصرف لبنان شيعيا والنائب الثاني درزيا والنائب الثالث سنيا والنائب الرابع ارمنيا.

ولم يعد التوزيع الطائفي يقتصر على الفئة الاولى، بل امتد الى الفئات الثانية وما دون.
وجاء في دراسة لمركز quot;الدولية للمعلوماتquot; للابحاث صدرت في نهاية 2009 ان ما quot;يطبق منذ اقرار التعديل الدستوري وحتى اليوم هو خرقquot; للدستور.

ويقول الباحث شمس الدين من quot;الدولية للمعلوماتquot; لفرانس برس ان quot;المسالة الطائفية هي احد اسباب فشل الاصلاح الاداري وهي التي تؤخر التعيينات في الدولةquot;.
وهناك اكثر من خمسين مركزا شاغرا في وظائف الفئة الاولى (40%)، بعضها مهم جدا وقد مضى اشهر وسنوات على شغوره، مثل منصب مدير عام النفط (منذ 1999)، من دون احتساب النقص الكبير في السلك القضائي.

وتؤجل الحكومات المتعاقبة البت في 15 مركز سفير في الخارج بينها مثلا السفير اللبناني في البرازيل حيث يقيم ملايين من اللبنانيين والمتحدرين من اصل لبناني.
ومنذ تسلم الحكومة الحالية برئاسة سعد الحريري مهامها في كانون الاول/ديسمبر، يعد المسؤولون بمن فيهم رئيس الجمهورية ميشال سليمان بانجاز التعيينات الدبلوماسية والادارية والقضائية.

واقرت الحكومة منذ نيسان/ابريل quot;آلية تعييناتquot; تهدف الى quot;احترام الكفاءة وافساح المجال امام اللبنانيين لتبوء المراكز القيادية من دون ان يكون الولاء للمرجعيات السياسية والروحيةquot;، بحسب ما اعلن في حينه. غير ان التعيينات لم تأت بعد.
ويرى شمس الدين ان تجذر الممارسة الطائفية سببه quot;ان ذيول الحرب لم تنتهquot;، وان quot;المسؤولون يحاولون تقاسم السلطة ليحموا مصالحهمquot;.

وسط كل هذا، ترتفع مطالب بالغاء الطائفية السياسية، وابرزها على لسان رئيس البرلمان نبيه بري، زعيم حركة امل الشيعية، من دون ان تلقى صدى.
ويقول الاب طوني خضره، مدير الاتحاد الكاثوليكي العالمي-فرع لبنان، الناشط من اجل تشجيع المسيحيين الذين يتناقص عددهم (35%) على الترشح الى الوظيفة العامة، quot;في ظل عدم اعتماد معايير الكفاءة والشفافية، انا مع الطائفية للمحافظة على التوازن والتنوع اللبنانيquot;.

ويضيف quot;منذ عقود، موضوع الغاء الطائفية السياسية مطروح، ولكن يطرحه دائما الفريق الذي يشعر بانه قوي ويريد ان يبلع الآخرينquot;.