إعتبر محلّلون سياسيون اردنيون أنّ التعديل الوزاري الأول الذي أجري على حكومة الرئيس سمير الرفاعي بعد ثمانية شهور من تشيكلها خطوة جيدة لازالة الالغام التي غرسها وزراء وافتعلوا منها ازمات مع قطاعات تشكل قوى مجتمعية مؤثرة كانت سترمى بظلالها على الانتخابات النيابية.

والقطاعات التي شهدت ازمات خلال الاسابيع الاولى من عمر الحكومة وتفاقمت بسبب الوزراء تمثلت في قطاعات حيوية لعل اهمها التعليم والقضاء، وعمال المياومة في الزراعة، الى جانب الصحافيين عبر حجب المعلومات عنهم او اعطائهم معلومات منقوصة.

ولكن توقيت التعديل حل كصاعقة على الوزراء ومفاجأة لكل الاوساط الشعبية والاعلامية خصوصا ان رئيس الوزراء اكد في تصريحات صحفية سابقة انه لا تعديل على حكومته.

ثمة عوامل واسباب اجبرت الرئيس على خيار التعديل وفق مراقب فالمخاوف لدى اركان البيت الحكومي ومؤسسات الدولة المختلفة تمثلت باتجاه القطاعات المتضررة المعلمين، القضاة، المحامين، العمال، الى جانب المتقاعدين العسكريين، والاحزاب خصوصًا جبهة العمل الاسلامي مقاطعة الانتخابات النيابية المقررة في التاسع من تشرين الثاني. وامام خيار المقاطعة جاءت النصائح للحكومة من داخلها وخارجها بضرورة التخلص من وزارء الازمات: التربية، العدل، الزراعة، والاعلام.

يقول المحلل السياسي فايز الفايز لـquot;ايلاف quot; ان التعديل خطوة انقاذ للحكومة قبل اسقاطها من قبل الشارع ونتيجة متوقعة امام الضغط الشعبي الذي طالب بأقالة وزراء التربية والزراعة والعدل.

وفي تفاصيل الازمات التي افتعلها الوزراء وبات خروجهم مطلب شعبي،يقول الفايز quot;مثلا لا يكفي وزير الزراعة الاردني ( سعيد المصري ) قضايا الفساد وهدر المال العام في ظل ظروف مالية صعبة تعاني منها موازنة الدولة الاردنية، يتعسف بعمال المياومة ويفصل الكثير منهم، وكذلك يتوج اعماله بالسماح بدخول المنتوجات الاسرائيلية الى الاسواق المحلية.

فيما يتعامل وزير التربية التعليم الدكتور ابراهيم بدران مع المعلمين باستخاف ويوجه لهم الاهانات ويفصل الكثير منهم ويمارس سياسية الترهيب والقمع ومنعهم من المطالبة بحقوقهم.

ووزير الاعلام وحجبه المعلومات عن الصحفيين والتضييق عليهم عبر مدونات السلوك.

كما وأن وزيرة السياحة مها الخطيب بحسب ما يقول الفايز quot;شهد القطاع السياحي في عهدها تراجعًا ملحوظًا وتدميرًا للاماكن الاثرية وضربًا للسياحة الداخلية وجذب الاستثمارات السياحية الى الاردن، كاشفًا انها خلال وجودها في الوزارة لم يجتمع المجلس الاعلى للسياحية رغم تشكيله منذ سنوات.

ويتابع الفايز ومن ابطال الازمات كذلك وزير العدل الذي تجاوز صلاحيته وتطاول على القضاء وحاول جر القضاء الى مظلة الحكومة والسيطرة عليه، والاستغناء عن اهم قضاة في محكمة التميز مشهود لهم بالنزاهة والحيادية.
ويعتقد الفايز ان خروج وزير الاعلام والاتصال كان خطوة جيدة خصوصًا ان الاعلام في عهده شهد تراجعًا مهنيًا خصوصًا في الاعلام الرسمي، اضافة الى حجب المعلومات عن الصحافيين.

وفي هذا الإطار طرح رئيس تحرير صحفية العرب اليوم الاردنية طاهر العداون في مقالته تساؤلات متعدّدة، بعد التعديل قائلاً quot;هل ستتراجع الحكومة عن القرارات التي صدرت عنها في ظل الاحتجاجات الاجتماعية. مثل مسألة احالة عشرات المعلمين على الاستيداع من بينهم اعضاء في اللجان للمطالبة باقامة نقابة للمعلمين. وكذلك هل ستعيد الحكومة النظر في فصل عمال المياومة في الزراعة الذين صدر بحق الناطق باسمهم علي السنيد قبل يومين حكما بالسجن من quot;أمن الدولةquot; مع وقف التنفيذ بانتظار تمييز الحكمquot;. مضيفًا quot;وهل ستعيد الحكومة النظر في quot;آلياتquot; تطبيق المدونة في العلاقة مع الاعلام, التي لم تؤد الغرض منها، بل اضرت بالاعلام والحكومة ووضعتهما في حالة سوء فهم دائمةquot;.

وانهى قراءته لثمار التعديل واساليب الوزراء الجدد انه لا يعتقد ان الحكومة ستتراجع عن قراراتها السابقة بالجملة. وكما لا يتوقع ان تلغي القانون الموقت الخاص باستقلال القضاء واصدار آخر بديل عنه. معتبرًا انه كان واضحًا خلال الأشهر الماضية ان المسؤولية الجماعية لمجلس الوزراء ساندت ووقفت الى جانب هذه القرارات والقوانين والاجراءات التي اثارت احتجاجات بين فئات وقطاعات في الدولة.

لكنه يعتقد ان الحكومة قد تجد في التعديل فرصة ذهبية لمراجعة علاقاتها مع القطاعات المختلفة: quot;الاعلام، المعلمين، القضاة والمحامين، عمال الزراعةquot; واستبدال المواجهة، واحياناً اسلوب العصى والجزرة، بعملية انفتاح واسعة quot;باتجاهينquot; بين الحكومة ووزرائها وبين القطاعات الشعبية، من اجل احتواء الغضب المتراكم ووقف مسلسل التصعيد في الاحتجاجات، وارساء قاعدة للحوار ليس فقط من اجل خلق الوئام الاجتماعي عشية الانتخابات انما من اجل التراجع عن الاخطاء ان وجدت.

اما الامر اللافت في التعديل هو وزارة الشؤون البرلمانية التي ستصبح وفق الرؤية المحددة لها برئاسة نائب سابق هو الوزير المخضرم توفيق كريشان يمتلك قواعد اللعبة البرلمانية والحكومية حيث ان العلاقة ستكون بين مجلس النواب والحكومة عبر تلك الوزارة كحلقة وصل بين السلطتين للتعاون والتنسيق.

وثمة مرحلة جديدة تنتظر الحكومة بانضمام وزراء جدد يحملون ارث ازمات مطلوب منهم تصحيح اخطاء وتصويب اوضاع قائمة، وانتهاج اساليب ادارية من شأنها امتصاص غضب الشارع واشاعة الاستقرار في الداخل الاردني ، لتنجز الحكومة ملف الانتخابات دون عراقيل وفي اجواء داخلية مستقرة.