بات التسول ظاهرة أساسية من المظاهر الرمضانية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتحديداً في إمارة الشارقة التي يغلب عليها الطابع الإسلامي، فعلى أبواب المساجد والبنايات والمراكز التجارية والأنفاق، ينتشر المتسولون بطريقة منظمة وبآلية مدروسة ، مستغلين في ذلك روحانيات الشهر الكريم والمستوى الاقتصادي للدولة.

الغريب أن الامر لم يقتصر علي التسول في الاماكن العامة بل أمتد لحد الصعود للبنايات و الطرق علي الأبواب من جانب السيدات والاطفال، لتفاجأ بمشاهد درامية متعددة وقصص مختلفة عن كل مرة ، ما بين رواية فقد الزوج وتربيتها للايتام ،أو إبنتها المريضة التي تتطلب حالتها الصحية إجراء عملية جراحية عاجلة، لكنها لاتقوي علي تكاليفها وانتهاءاً بروايات مأساوية أخرى متعددة تدفعك للتعاطف معها رغم شكوكك فى صدق تلك الروايات، وأمام الإلحاح الشديد فأنت مجبر على تلبية رغبات السائلين عوضا عن نهرهم.

وأمام تلك الظاهرة نظمت الجهات الأمنية بمختلف إمارات الدولة عدد من الحملات المكثفة التى استهدفت تجمعات المتسولين، لدرجة دعت إدارات الجنسية والإقامة بمختلف إمارات الدولة تصدر قرارها بوقف إصدار تأشيرات الزيارة منذ مطلع الشهر الجاري وحتى منتصف الشهر القادم، بعدما تمكنت الجهات الأمنية من ضبط شبكات منظمة خلال الأعوام الماضية تتخذ من التسول والشحاذة مهنة أساسية ذات طابع دولي وتحديداً خلال شهر رمضان تدار من قبل أشخاص محترفين وفقاً لـ العقيد محمد عيد المظلوم مدير إدارة العمليات بشرطة الشارقة الذي أكد أن شرطة الشارقة تمكنت العام الماضي من ضبط شخص متسول وبتفتيشه وجد بحوزته إيصالات تحويل مبالغ نقدية لحسابات مختلفة ببلده تتراح ما بين 500 و 2000 درهم للحوالة الواحدة بشكل شبه يومي لدرجة أن إجمالي المبالغ التي تمكن من تحويلها خلال شهر واحد بلغت 46 ألف درهماً، لم ينتهي الامر عند ذلك الحد، حيث تمكنت شرطة الشارقة من ضبطت 50 متسولاً منهم 30 من الإناث و20 ذكور ينتمون لعدد من الدولة أغلبهم من الجنسيات الأسيوية والبعض الأخر من جنسيات عربية، دخلوا الدولة بفييز زيارة قبل حلول شهر رمضان بأيام ، الي جانب ذلك تم القاء القبض على شخص ينتمي لإحدى الجنسيات الآسيوية يشتبه في انضمامه لشبكة تضم 70 متسولاً آخر تم إدخالهم إلى الدولة عن طريق شخص يقيم بإمارة دبي، جلبهم إلى الدولة بهدف استغلالهم في أعمال التسول، مقابل نسب من العائد تتراوح بين 15% للقادمين حديثا و20% لمن مضي على بقائهم فترة من الوقت.

وتمكنت الحملات الأمنية من اكتشاف أساليب متعددة للمتسولين يستخدمونها بهدف التعاطف معهم، منها الادعاء بأنهم يعانون من أمراض مزمنة ولا يملكون تكاليف العلاج، مؤكدين صحة كلامهم بتقارير ووصفات طبية مزورة ، إلى جانب إدعائهم الإصابة بكسور متفرقة بأجسادهم ومن ثم القيام بوضع جبس طبي وعند ضبطهم يتضح أنهم أصحاء و لا يعانون أي إصابات.

ومن الشارقة إلى دبي حيث تمكنت الإدارة العامة لشرطة دبي من تنظيم أكثر من 40 دورة أمنية من بينها دوريات لأفراد أمن نسائية على مدار الأربع والعشرين ساعة في كافة أنحاء الإمارة لضبط المتسولين، وفقا للمقدم محمد راشد عبدالله المهيري مدير إدارة الأمن السياحي في شرطة دبي الذي أكد أن الدورات و الحملات التي تم تنظيمها قبل شهر رمضان أسفرت عن ضبط العشرات من المتسولين بلغت نسبة الاطفال منهم ما يقرب من 25 % ، لذلك حرصت شرطة دبي على التنسيق مع قنصليات دول رعايا هؤلاء الأطفال لإخلاء سبيلهم لدواعي إنسانية بضمان قنصلياتهم، في الوقت نفسه شكلت الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية بشرطة دبي فريقاً متخصصاً للتصدي للمتسولين والتعامل معهم وفقاً للقانون، مشيراً إلى أن جميع المضبوطين لا يمتون للدولة بصلة وأغلبهم من الجنسيات الأسيوية ،حصلوا على تأشيرات زيارة بهدف التسول خلال شهر رمضان تحديداً.

وناشد المهيري المواطنين والمقيمين بعدم المبالغة في التعاطف الذي يبدونه مع المتسولين الذين يستغلون تعاطف الناس للحصول على المال بسهولة دون اللجوء إلى المؤسسات والهيئات الخيرية وصندوق الزكاة لمساعدتهم في سد إحتياجاتهم وفق الشروط التي تطبق في هذا الصدد ، مضيفاً أن التسول ظاهرة مسيئة تشكل مصدراً للإزعاج وتشوه المظهر الحضاري للدولة، وتفتح الباب أمام جميع صور التحايل للحصول على المال بغير وجه حق.

quot;ايلافquot; حرصت علي رصد تلك الظاهرة عن قرب من خلال التعرف على عدد من المتسولين للإطلاع على الاسباب التي دفعتهم لإحتراف تلك العادة، لذلك حاولنا تبادل أطراف الحديث مع رجل عجوز افترش جانب من النفق الرئيسي بشارع الوحدة في الشارقة المؤدي إلى مركز quot;سيتي سنترquot; التجاري وبسؤاله عن سبب تسوله أرتبك واعتقد للوهلة الاولى أننا من أفراد التحريات ليؤكد أنه رجل عجوز حضر منذ عدة أعوام إلى الدولة بهدف الحصول علي فرصة عمل لكنه لم يجد إلى أن آل به الحال إلى ما هو علية خاصة وأنه أصبح كهلاً لا يقوي علي العمل وبسؤاله عن الأسباب التي تمنعة من التقدم للمؤسسات الخيرية المنتشرة في الدولة لتقديم المساعدة له ، أكد أنه خضر إلى الدولة بتأشيرة زيارة منذ أعوام وهو من ضمن الفئات المخالفة ويخشى أن يتم ترحيله لبلده التي لا يرغب في الذهاب إليها بعدما فقد أبنه الوحيد وزوجته في حادث اليم ، مبرراً تسوله بقوله quot; انني لا ابتز أحد ولا أُكره أحد علي مساعدتي فأنا رجل مسالم لا أبتغي سوى قوت يومي.

وفي نهاية النفق جلست سيدة منقبة تحتضن طفلا رضيعاً تبدو عليه علامات الإعياء والمرض، صرخاته تنذر بآلامه ونظراته تطلب من يغيثه البلاء ، حاولنا الحديث الى السيدة التي أكتفت بأحتضان الطفل ووضع منديل من القماش أمامها ليقوم المارة بإعطائها بعضاً من نقودهم، غير أنها رفضت بشده الحديث معنا وتابعت عملها بشكل يظهر إحترافها لتلك المهنة، ومن داخل إحدى المقاهي المطلة علي بحيرة خالد بالشارقة و في وقت متأخر من الليل تفاجأ الموجودين بطفل رث الثياب ذو لهجة أسيوية يدخل المقهى بكل هدوء و يطلب المساعدة ولو بدرهم واحد، وحاول العاملين بالمقهى إخراجه لولا اننا طلبنا منه تركه وحينما أقترب منا سألناه عن ظروفة والدوافع التي أدت به للتسول رغم صغر سنه ، ليؤكد أنه تلميذ بالمرحلة الإبتدائية بإحدى مدارس الشارقة ويحب دراسته جداً ويكره ذلك العمل ، غير أنه مجبر علي القيام به تلبية لرغبة والده الذي يعمل بإحدى الشركات الخاصة عاملا للنظافة ويخشى عدم إطاعته حتى لا يتعرض للأذي.