هدوء حذر يعد إلى العاصمة بغداد تدريجيًا

في وقت حصل فيه العراق أخيراً على حكومة جديدة بعد أشهر من الجمود، أضرّت عملية توزيع المناصب الساخرة بصورة السياسة هناك. فسكّان بغداد لم يعد لديهم ثقة في زملائهم من المواطنين، وانسحبوا للعيش في شكل من أشكال الحياة الخاصة، كما بدؤوا يصلّون من أجل عدم اندلاع حرب أهلية في ما هو آتٍ من سنوات.


ربما عادت الأوضاع إلى طبيعتها نوعاً ما في العراق، لكنها مازالت مقلقة بنسبة قليلة عندما تريد الإقامة في فندق، وحين تُسأل عن كلمة سر شخصية، عند الدخول في مفاوضات مع العصابات التي تزاول نشاط الاختطاف. واستناداً إلى ما نقلته مجلة دير شبيغل الألمانية في هذا السياق عن وزارة السياحة العراقية، فإن 73 سائحاً قد زاروا بغداد عام 2009 ndash; وليس من ضمنهم بالطبع الحجاج الوافدين من إيران.

ولفتت المجلة إلى أن العدد كان أقل من ذلك في العام 2008، حيث بلغ عدد السياح وقتها سبع سائحين فقط، على ما يبدو. ونقلت المجلة في هذا الشأن عن موظف استقبال في أحد الفنادق، يقال إن اسمه تيكس دالاس، وهو عضو سابق في قوات النخبة البريطانية quot;ساسquot;، قوله quot;من الأفضل ألا تقضي أكثر من 30 دقيقة في مكان واحد. والأمنيون يتحدثون هنا عن أن الأجانب دائماً ما يكونوا مستهدفين. وأعتقد أن بغداد ستحتاج بعض الوقت كي تفلح في الانتقال من الإرهاب إلى السياحةquot;.

ورغم أن الانتخابات قد أجريت في السابع من آذار/ مارس عام 2010، إلا أن الحكومة الجديدة لم تتشكل إلا بعد مرور أكثر من تسعة أشهر، تحت قيادة رئيس الوزراء الشيعي السابق، نوري المالكي. وقد أنهت رسمياً قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة عملياتها القتالية منذ أربعة أشهر. ومنذ ذلك الحين، يتزايد القلق العراقي بصورة يومية تقريباً بشأن العواقب التي قد تنجم من ترك البلاد بمفردها.

في غضون ذلك، أكدت المجلة على أن أشهر الجمود الطويلة التي شهدتها البلاد كانت متعرجة، وأن ما جرى في الأسابيع التي أعقبت أول اجتماع للبرلمان كان أي شيء آخر بخلاف البحث النموذجي عن توازن سياسي. وقد تمكّن المالكي الآن من تكوين جبهة غالبية بمساعدة الأكراد ورجل الدين الشيعي، مقتدى الصدر، الذي عاد إلى العراق يوم الأربعاء الماضي بعد غياب ثلاث سنوات قضاها في إيران.

وتضم حكومة المالكي الضخمة وزراء لا يقل عددهم عن 42 وزيراً، رغم أن 29 فقط هم من أدّوا اليمين حتى الآن. ولم يعط البيان الحكومي حتى أي أمل يذكر ببداية جديدة. كما ضمّت الحكومة الجديدة أعضاء من الأقلية السنّية العرقية، في الوقت الذي صوّت فيه معظم السُّنة للقائمة العلمانية، التي يقودها رئيس الوزراء السابق أياد علاوي. ويوجد الآن عدد من الوزراء السنّة في العراق، وكذلك مجلس أمن جديد سيترأسه علاوي.

ورأت المجلة أن الجمود الطويل الذي طال عملية تشكيل البرلمان الجديد قد تسبب في تدمير صورة السياسة في العراق الجديد بصورة تامة. وأوضحت أن بغداد لا تزال مدينة تعيش في حالة طوارئ. فالبقايا المحروقة للسيارات المحطمة مازالت متناثرة على جانبي الطرق، وكل 50 متراً، تجد حراس مكتظين بالأسلحة يجلسون على كراسي مكتبية قديمة، أو في الدبابات، أو متحصنين في داخل ملاجئ مؤقتة.

مع استمرار الخروج من الأحياء المسيحية بلا هوادة، تتراكم على الأرصفة صناديق من الورق المقوى التي كانت تحتوي على ثلاجات ومراوح تبريد وغلايات وأجهزة تلفاز مسطحة. كما لا يترك أحد سيارته بدون رقابة، في الوقت الذي تتزايد فيه المخاوف من تلك القنابل التي يطلق عليها القنابل اللاصقة. فقد أخذت القاعدة على عاتقها مهمة توصيل العبوات الناسفة المغناطيسية بالسيارات المتوقفة، على أن تقوم بتفجيرها عن بعد في وقت لاحق، عندما تتوقف السيارة عند نقطة تفتيش، وهي العمليات التي توفر على التنظيم الإرهابي معضلة تجنيد انتحاريين، على حد قول المجلة.

ولكل ما سبق، أضحى الخطر أكثر سرية وكذلك أكثر غدراً عن ذي قبل. وهو ما جعل الناس تعود مرة أخرى إلى عادة إرسال رسائل نصية إلى ذويهم في المنازل كل ساعة، يقولون فيها quot;كل شيء على ما يرام. أتناول ثمة شيء الآن، وسأعود لاحقاًquot;.

هذا ولا تزال مدينة بغداد محاطة بحلقة من الجدران المضادة للقنابل، التي يبلغ ارتفاعها خمسة أمتار. وتعتبر كل منطقة بمثابة الحصن، حيث توجد نقاط التفتيش لحراسة المداخل والمخارج. وتفرض الجدران قواعدها الخاصة على المدينة، فأي شخص يقترب من إحدى الوزارات، أو من مبنى حكومي، أو من ثكنة عسكرية، يتم التعامل معه بأقصى درجات الريبة، ويبقى على مبعدة، كما لو كانوا هم أنفسهم شديدي الانفجار.

وختمت دير شبيغل حديثها بالقول إن الانسحاب الأميركي من بغداد ربما كان أقل فوضوية بكثير، في ظل وجود كوكبة سياسية مختلفة تماماً. ومع ذلك، سبق لرجال في العاصمة العراقية أن خاطروا بحياتهم من أجل قوات الاحتلال. ولا تزال حياتهم معرضة للخطر، لأنهم الآن مستهدفون من خلال الهجمات الانتقامية. وأخيراً، أجمع كثيرون على أن الولايات المتحدة تركت فجوة لن يتمكن العراقيون من سدّها.