تبدو آفاق السلام في جنوب السودان غير أكيدة حتى بعد ميلاد دولة جديدة في القارة الأفريقية.


من المتوقع أن يسفر الاستفتاء على إستقلال جنوب السودان الذي بدأ يوم الأحد ويستمر مدة أسبوع عن تقسيم أكبر الدول الأفريقية مساحة وميلاد دولة جديدة في القارة ولكن آفاق السلام ليست أكيدة بأي حال من الاحوال.

أعلنت سلطات جنوب السودان حتى قبل صدور نتيجة الاستفتاء عن إطلاق مشروع غرابته بضخامة حجمه. ويهدف المشروع الذي يكلف 6.4 مليار جنيه استرليني الى تحويل العواصم الاقليمية العشر في جنوب السودان التي تتألف غالبيتها من اكواخ طينية الى مدن عامرة على شكل حيوانات وفاكهة.

وستكون جوبا التي من المتوقع ان تصبح عاصمة الدولة رقم 193 في العالم، على شكل كركدن، قرنه الوحيد حديقة عامة واعضاؤه التناسلية مجمع سكني. وستُصمم واو ثاني اكبر مدن الجنوب على شكل زرافة تحت ذيلها منشأة لمعالجة مياه الصرف في حين ان بلدة يامبيو البائسة ستصبح حبة اناناس.

ولكن في منطقة فقيرة ومتخلفة مثل جنوب السودان هناك العديد ممن تساورهم الشكوك في جدوى المشروع. فان جنوب السودان يعادل في مساحته اسبانيا والبرتغال ولكن الطرق المعبدة فيه لا تزيد على 100 كيلومتر. وكثير من سكانه لم يسمعوا يوما بالكهرباء أو الامدادات المنتظمة من الماء الصالح للاستهلاك البشري. اما الصحة والتعليم فانهما في مستوى متدن حتى ان الأمم المتحدة تقول في تقرير لها ان احتمالات ان تموت فتاة في الخامسة عشرة اثناء الانجاب اكبر من احتمالات ان تنهي دراستها.

ولكن في غمرة التقييمات العديدة التي ترى ان دولة جنوب السودان ستكون دولة فاشلة حتى قبل ولادتها يتوجه سكان المنطقة بحماسة الى صناديق الاقتراع لتقرير مصيرهم بعد عقود من سيطرة الخرطوم.

ونقلت صحيفة الديلي تلغراف عن المتمرد السابق وليام نيوك وصفه الاستفتاء بأنه من بشائر الحرية وانه يودع الوحدة ويودع معها الشمال. واضاف: quot;كل حياتي التي استطيع ان اتذكرها كنتُ اقاتل من اجل هذا، من اجل ان اعيش بسلام في دولة تكون دولتي اناquot;.

ولكن كثيرين يشكون في ما إذا كان جنوب السودان قادرا على البقاء بعد الاستقلال الذي من المرجح ان يُعلن نهائيا في تموز/يوليو. وقال احد الموظفين في منظمات الاغاثة العديدة التي توافدت على جنوب السودان في تصريح لصحيفة الديلي تلغراف quot;ان الكثير من الجنوبيين يعتقدون على ما يبدوا انهم سيفتحون اعينهم في اليوم التالي ليجدوا انهم يعيشون في سويسراquot;. واكد هذا الموظف ان الاستفتاء مرحلة اساسية quot;ولكنه ايضا عملية وليس نهاية كل المشاكل التي يعاني منها الجنوبquot;.

قال الباحث المختص بالشؤون الافريقية في المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن روجر مدلتون ان اداء الحركة الشعبية لتحرير السودان التي قادت الحملة العسكرية والسياسية من اجل الاستقلال لم يكن سيئا كما كان يخشى الكثيرون ولكنه لم يكن جيدا كما كان يأمل الكثيرون. وتشير الخبرة التاريحية في القارة الافريقية الى ان المتمردين نادرا ما كانوا يتحولون الى قادة سياسيين ناجحين.

توفرت للحركة موارد مالية تزيد على 4 مليارات جنيه استرليني من حقول النفط الجنوبية فضلا عن مئات الملايين من المساعدات الدولية. وأُنفق الكثير من هذه الايرادات على رواتب الجيش الجنوبي الجديد وشراء الدبابات تحسبا لاندلاع حرب مع الشمال. وتقول جماعات معارضة ان قسما كبيرا من هذه الأموال انتهى في جيوب مسؤولين في الحركة الشعبية لتحرير السودان سرعان ما تحولوا الى نخبة فاسدة أخرى في افريقيا.

ولكن ما أُنفق من موارد على التنمية اتبع نمطاً افريقياً معهوداً. فان مدينة جوبا معقل الحركة الشعبية لتحرير السودان شهدت انبثاق قصور من الاسمنت أُنشئت لقادة الحركة، اكبرها المقر الرسمي لزعيمها سلفا كير.

وتنقل صحيفة quot;ديلي تلغرافquot; عن مصادر في جوبا ان مساعدي كير انفقوا مئات الآلاف في رحلة تسوق الى دبي لتزيين قصره بالثريات وبعرش خشبي لاستقبال شخصيات غربية بينها نجم هوليود جورج كلوني.

ولكن غالبية المدن الجنوبية الأخرى، بما فيها تلك المشمولة بخطة تصميمها على اشكال حيوانية، لم تشهد مثل هذا البذخ. كما ان زعماء القبائل في عمق الجنوب وقفوا تقليديا مع الحركة الشعبية لتحرير السودان يوحدهم العداء المشترك للخرطوم ولكن مراقبين يحذرون من ان عداءهم يمكن ان يتحول صوب جوبا بعد الاستقلال.

وكانت الخصومات في الجنوب تحولت من قبل الى نزاعات عنيفة وخاصة في اوائل التسعينات عندما قُتل الوف في اشتباكات بين قبيلة النوير والدنكا الذين سيطر زعماؤهم على قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان.

وتجلت هذه الاحتقانات بشكل ساطع في اتهام الحركة بقمع المعارضة وان الحكومة الجديدة يمكن ان تصبح مجرد نظام دكتاتوري فاسد اركانه من اللصوص على غرار الانظمة التي ابتلت بها دول افريقية عديدة بعد الاستقلال.