تنذر تداعيات الاستفتاء الذي سيجري على استقلال جنوب السودان بمخاطر على الاستقرار السياسي في شمال البلاد وأمن الجنوب واقتصادات منطقة شمال شرق أفريقيا بأكملها،فحسب التقديرات فإناندلاع حرب أهلية جديدة في السودان يمكن أن يكلف جيرانه 34 في المئة من إجمالي ناتجها المحلي خلال عشر سنوات.


ايلاف: قال مسؤولون غربيون إن انفصال جنوب السودان، كما هو متوقع، يمكن أن يؤجج المعارضة ضد الرئيس السوداني عمر حسن البشير في الخرطوم حيث يحمِّله خصومه السياسيون مسؤولية ضياع الجنوب الغني بالنفط داعين إلى إسقاطه.

زد على ذلك ان مبعوثين غربيين بذلوا جهودا كبيرة للحيلولة دون استئناف الحرب بين الشمال المسلم والجنوب ذي الأغلبية المسيحية والارواحية، ولا سيما أن أكثر من مليوني شخص قُتلوا وهُجر مئات الألوف خلال الحرب الأهلية التي استمرت 22 عاما قبل أن تضع أوزارها عام 2005.

في هذه الأثناء تراقب الدول المجاورة تطورات الوضع في السودان باهتمام بالغ وخوف على مصالحها ومواردها. فإن تقريرا أعدته مؤخرا شركة فرونتير ايكونوميكس للاستشارات الاقتصادية قدَّر بأن اندلاع حرب أهلية جديدة في السودان يمكن أن يكلف جيرانه 34 في المئة من إجمالي ناتجها المحلي خلال عشر سنوات.

ولعل أوغندا التي تحاذي السودان من الجنوب هي الأكثر انكشافا لهذه الأخطار. وكانت اوغندا آوت خلال الحرب الأهلية 200 ألف نازح من جنوب السودان، عاد منهم زهاء 160 ألفا.

من جهة أخرى، أعرب مسؤولون غربيون وأفارقة عن ثقتهم بأن عملية الاستفتاء على استقلال الجنوب التي تستمر مدة اسبوع ابتداء من 9 كانون الثاني/يناير، ستجري بسلاسة. وبلغ عدد المسجلين للتصويت نحو 4 ملايين جنوب سوداني بينهم اكثر من 100 ألف في الشمال.

ويشكل الاستفتاء أحد البنود التي تنص عليها اتفاقية السلام الشامل التي وقعت عام 2005 بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكمة في الجنوب من عاصمته الاقليمية جوبا.
في غضون ذلك، يواجه البشير الذي اصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اتهام بحقه لارتكاب جرائم حرب مفترضة في اقليم دارفور غربي البلاد، معارضة متنامية من الشماليين أنفسهم الذين يلقون مسؤولية ضياع الجنوب على عاتقه.

وقال مصدر أميركي كبير لصحيفة واشنطن تايمز طالبا عدم ذكر اسمه إن ادارة الرئيس اوباما وشركاءها الدوليين quot;حريصون كل الحرصquot; على ضمان استقرار الشمال.
كما دعا قائد المعارضة الشمالية الصادق المهدي حكومة البشير إلى كتابة دستور جديد وإجراء انتخابات وإنهاء النزاع في دارفور.ونال تهديده بالعمل على اسقاط الحكومة في حال رفضت تلبية هذه المطالب بحلول 26 كانون الثاني/يناير تأييد جماعات معارضة أخرى في الشمال. وأعربت ادارة اوباما عن قلقها الشديد إزاء هذه التهديدات.

وقال المصدر الاميركي الذي تحدث لصحيفة واشنطن تايمز quot;ان هناك عناصر أشد تطرفا من عمر البشير في المشهد الثقافي والسياسي السوداني. ونحن نخشى من ذلكquot;.

ويشير مراقبون إلى أن قوى متطرفة لا تعمل في الساحة السياسية السودانية فحسب، بل وتنشط اجتماعيا وثقافيا ايضا. ويشعر المسؤولون الغربيون بقلق من النظر إلى انفصال الجنوب على أنه دليل ضعف ليصبح مصدر خطر حقيقي على حكومة الخرطوم. فإن تغيير نظام الحكم بالعنف في الشمال يمكن أن يمهد الطريق لحاكم بديل أشد تطرفًا من البشير، بحسب هؤلاء المسؤولين.

وقال المصدر الاميركي quot;اننا لا نملك فهما جيدا لما سيأتي لاحقا، ولكننا قلقون قلقا بالغا من أن أي نظام حكم بديل قد يكون حتى أشد تطرفا في مواقفهquot;.

وأعرب حكام أقاليم جنوبية في احاديث مع مسؤولين غربيين في السودان عن مخاوفهم من إسقاط البشير في غمرة تداعيات الاستفتاء. وقال مسؤول غربي في جنوب السودان طالبا عدم ذكر اسمه إن هناك قلقا من ان العملية كلها يمكن أن تقوض حكم البشير. quot;فان لديه نزاعا يغلي في دارفور وهناك احتقانات في الشرق وسيتعين عليه ان يواجه تحديات خصومه في الخرطومquot;.

واضاف المسؤول أن عددًا من حكام الاقاليم الجنوبية ابلغوه quot;ان البشير شخص يستطيعون التعامل معه. وهم قلقون من آخرين يحيطون به، اسلاميين وسواهم يحملون وجهات نظر اشد تطرفا داخل حزب المؤتمر الوطني، دون أن يكون لديهم التزام بالاستقرارquot;.

المجتمع الدولي أيضا يشعر بالقلق من أن الاحساس المفترض بالضعف في الخرطوم، سيدفع النظام الى ضرب المعارضة. وكانت منطقة شمال شرق افريقيا حيث يقع السودان، شهدت اتجاها عاما نحو الاستقرار، وهي موطن عدد من اسرع الاقتصادات نموا في افريقيا.

واليوم يشكل جنوب السودان أكبر مستورد لصادرات اوغندا بشرائه نحو 12 في المئة من اجمالي هذه الصادرات. وقال وزير الإغاثة من الكوارث وشؤون اللاجئين الأوغندي موسى اكويرو ان بلاده لا تريد العودة الى الماضي.

واضاف ان حكومته تدرس ايجاد أماكن معينة لاستقبال اللاجئين في حين أفادت تقارير بأن وزارة الداخلية تراقب الحدود على مدار الساعة وأن الجيش الأوغندي أرسل قوات الى المنطقة. ونفى المتحدث باسم الجيش الاوغندي فيلكس غولايغي أي وجود عسكري مكتفيا بالقول quot;quot;اننا نراقب الوضع عن كثبquot;.

وتولت جارة اوغندا الشرقية كينيا التي هي الأخرى لديها حدود مع جنوب السودان، تدريب كوادر وظيفية و35 ألف معلم مدرسة للجنوب الذي أُنفِقت ميزانيته المحدودة على حفظ الاستقرار أساسا.
وتعزز كينيا واوغندا الى جانب اثيوبيا علاقاتها مع جوبا في الجنوب والخرطوم في الشمال على السواء لقناعتها بأن التعاون مع الحكومتين يساعد في الحد من آثار الحرب على اقتصاداتها وقد يوفر حوافز اقتصادية. فإن اوغندا مثلا اكتشفت حقولا نفطية مؤخراً وهي تريد الاستعانة بخبرات السودان في هذا المجال.

ولكن يقال إن البلدان الثلاثة جميعها تؤيد انفصال الجنوب في قرارة نفسها وأن هذا الموقف مدفوع بالمطالب المتنافسة على مياه نهر النيل. ويرجح محللون أن يتخذ الجنوب المستقل جانب الموقف المشترك في شرق افريقيا ووسطها بأن مصر تنال حصة أكبر مما ينبغي من مياه النهر بموجب اتفاقية ماء النيل.

ولكن مصر تتعطش حتى إلى مزيد من مياه النيل وشكت طيلة سنوات من أن الخرطوم لا تفعل ما يكفي للحفاظ على وحدة السودان. وفي غمرة الضغوط الدولية ، بما في ذلك رسائل من الرئيس اوباما ، سلَّمت مصر بأن استقلال السودان بات هو الاحتمال الأرجح. وحتى الرئيس البشير الذي اعلن من قبل انه لن يقبل بأقل من وحدة الشمال والجنوب، وافق مؤخرا على إقامة علاقات طيبة مع الجنوب إذا صوت لصالح الاستقلال.

وكانت الولايات المتحدة مدت جزرة الى البشير في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي مقترحة ازالة السودان من لائحة الدول الراعية للارهاب ابتداء من تموز/يوليو إذا أُبقيت عملية الاستفتاء على مسارها، ونُفذت بعد الاستقلال جميع الاتفاقيات بشأن ترسيم الحدود وتقاسم عائدات النفط وقضايا الجنسية وغيرها من المسائل الأساسية. ولكن العقوبات ستبقى سارية.
وافادت معلومات رسمية ان الأمم المتحدة وافقت على نشر عدد لا يزيد على 10 آلاف جندي ونحو 750 مراقبا عسكريا و715 شرطيا وquot;فريق مدني ذي حجم مناسبquot; ورصد ميزانية قدرها 938 مليون دولار.

لكن احتمال حدوث قلاقل يبقى تهديدا قائما، ليس بين الشمال والجنوب اللذين لم يتفقا بعد على الحدود المشتركة فحسب، وانما داخل الجنوب نفسه بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وحركات التمرد المتنازعة مع الحزب الحاكم.

كما يمكن ان تندلع نزاعات بين القبائل، إذ إن قبيلة الدنكا التي تشكل اكبر الجماعات الاثنية تواجه مواقف معادية من بعض القبائل الأصغر التي يبلغ عددها نحو 40 قبيلة في المنطقة، مع العلم أن بعض هذه القبائل تحترب في ما بينها.