تتواصل جهود المجلس الوطني الانتقالي الليبي للسيطرة على سرت وبني وليد. وأهل المدينتين من البدو وبالتالي تستوجب المفاوضات معهم مراعاة هذه الخصوصية.والطبيعة القبلية تقف وراء المقاومة العنيفة التي يقابلها مقاتلو المجلس الوطني الانتقالي هناك.
المواجهات للسيطرة على سرت وبني وليد مستمرة والطبيعة البدوية تؤخر سقوطهما |
طرابلس: واصلت قوات المجلس الوطني الانتقالي الليبي السبت محاولتها السيطرة على سرت وبني وليد، في وقت اعلن الهلال الاحمر الليبي وجود أكثر من خمسين الف نازح خصوصا بسبب المعارك في هاتين المدينتين، وسط انتقادات توجه الى السلطات الجديدة بسبب طريقة تعاملها مع السجناء.
وابلغ قائد ميداني في بني وليد وكالة فرانس برس ان quot;الثوار تقدموا اليوم نحو المدينة مجددا، الا انهم وجدوا امامهم عائلات تستخدمها القوات الموالية لمعمر القذافي دروعا بشرية ما دفعهم الى التراجعquot;.
واضاف ان quot;قوات القذافي تطلق صواريخ غراد في كل صوب وبشكل عشوائي، ونحن نرفض تعريض المدنيين للخطرquot;، مشيرا الى ان quot;قتيلين في صفوف الثوار سقطا الجمعة جراء القصف العنيف على مواقعناquot;.
ورغم مرور ثلاثة اسابيع على بدء المعارك للسيطرة على بني وليد (170 كلم جنوب شرق طرابلس) اثر فشل مفاوضات لتسليمها، لا يزال الثوار يواجهون مقاومة عنيفة من قبل قوات القذافي ادت الى سقوط اكثر من اربعين من مقاتلي المجلس الانتقالي بحسب مصادر طبية.
ويعمل الثوار عند هذه الجبهة على المحافظة على المواقع التي سبق وان سيطروا عليها، فيما يتدربون على شن هجمات جديدة يقولون إنها ستكون حاسمة.
وفي سرت (360 كلم شرق طرابلس)، مسقط رأس القذافي، ذكر مراسل فرانس برس ان حوالى مئة آلية عسكرية تابعة للثوار تحاصر مركزا للمؤتمرات في المدينة سبق وان استضاف قمما رئاسية بينها القمة الافريقية.
ويأتي ذلك بعد يوم من اضطرار مقاتلي النظام الليبي الجديد للانسحاب الى حدود مدينة سرت، حيث منعهم القناصة الموالون للزعيم المخلوع الجمعة من إحراز تقدم رغم مضي اسبوعين على بدء الهجوم.
وتسيطر قوات المجلس الوطني الانتقالي على المرفأ والمطار لكنها لم تتمكن من السيطرة بصورة دائمة على بقية انحاء المدينة.
في هذا الوقت، نفى قادة عسكريون اعتقال موسى ابراهيم المتحدث باسم نظام القذافي، مؤكدين ان من اعتقل هم افراد من عائلته فحسب.
وقال المجلس العسكري لمصراتة (200 كلم شرق طرابلس) التابع للمجلس الوطني الانتقالي ان موسى ابراهيم لم يعتقل وما زال فارا، وان من اعتقل هم افراد من عائلته، نافيا بذلك معلومات أوردها اثنان من قيادييه الخميس واكدا فيها ان المتحدث باسم النظام السابق اعتقل بينما كان يحاول الفرار.
الطبيعة القبلية تؤخّر سقوط سرت وبني وليد
ويواجه مقاتلو المجلس الوطني الانتقالي الليبي مقاومة عنيفة في سرت وبني وليد، تستمد زخمها خصوصا من عامل القبلية الذي يطبع عادات سكان هاتين المدينتين.
ويقول مسؤول ليبي سابق كبير رفض الكشف عن اسمه ان quot;اهل سرت وبني وليد من البدو وعندما تتفاوض معهم يجب ان تراعي هذه الخصوصية، وان تحفظ لهم كرامتهم كرجال امام قبائلهم وعوائلهمquot;.
وتقع سرت على بعد حوالي 500 كلم شرق طرابلس، فيما تقع بني وليد على بعد 170 كلم جنوب شرق العاصمة.
ويضيف المسؤول السابق الذي انشق عن العقيد الهارب معمر القذافي ان quot;الاستفزاز الذي خلقه الثوار ولغة الغرور والتعالي في المفاوضات مع اهل سرت وبني وليد، أخّرت سيطرة المقاتلين على المدينتينquot;.
وتسكن سرت قبيلة القذاذفة التي ينتمي اليها معمر القذافي، فيما تنحدر بعض امهات القذاذفة من قبيلة ورفلة التي لطالما تمتعت بنفوذ كبير اثناء حكم القذافي في بني وليد خصوصا وفي ليبيا عموما.
وكانت قوات المجلس الوطني الانتقالي بدأت في 15 ايلول/سبتمبر محاولتها للسيطرة على مدينة سرت التي يسكنها حوالى 80 الف نسمة، الا انها لا تزال تواجه مقاومة عنيفة وخصوصا من القناصة الموالين للزعيم المخلوع.
وفي بني وليد التي تسكنها حوالى 120 الف نسمة، يواجه مقاتلو المجلس الانتقالي ايضا منذ انطلاق المعارك في المدينة قبل ثلاثة اسابيع مقاومة شرسة ولم يتقدموا منذ ايام في انتظار تلقي الأمر بشن هجوم جديد.
ويذكر ان سكان بني وليد قاموا في 1993 بمحاولة انقلابية ضد القذافي، رد عليها العقيد الهارب quot;بوحشيةquot; بحسب ما يقول السكان الذين يروون انه جرى هدم بيوت المشاركين في محاولة الانقلاب فوق رؤوس سكانها من الاطفال والنساء والعائلات.
وقرر مقاتلو المجلس الوطني الانتقالي مهاجمة سرت وبني وليد اثر فشل مفاوضات لتسليم المدينتين جرت بين ممثلين عن الثوار ووجهاء من المنطقتين.
ويقول المسؤول السابق انه quot;عندما طلب منهم (سكان بني وليد وسرت) نزع الاسلحة (...) تخوفوا من ان تتم تصفيتهم او الانتقام منهم (...) علما انهم قبلوا بان يرفعوا علم الاستقلال، ولكن للاسف كان التفاوض مخزيا بالنسبة اليهمquot;.
ويوضح ان quot;المنتصر لا يتحدث بهذه اللهجة، هم تعاملوا مع سرت وبني وليد وكأنه فتح مكة وهذا عار عليهم (...) ونتيجة ذلك اصبح كل طرف يسعى لكسر انف الآخرquot;.
ويشير الى ان quot;اهل سرت التي نزح عنها الآلاف مواطنون فقراء لا يشكلون خطرا على المجلس الانتقالي لكي تقطع عنهم الماء والكهرباء والدواءquot;.
وتروي نجاة علي وهي ام لطفلين خرجت من سرت الخميس ان الوضع في المدينة quot;مرعب ومأسوي حيث لا مياه نظيفة ولا كهرباء ولا اتصالاتquot;.
وتوضح ان quot;النيران تصب على السكان من الطرفين في موازاة قصف المدينة من قبل الناتو، واكثر المتضررين كانوا من الاطفال فيما ان الكتائب (الموالية للقذافي) تطلق علينا النار عندما نحاول ان نغادر وتتهمنا باننا جرذان لاننا نتركهم لوحدهمquot;.
وتؤكد نجاة علي ان quot;الامر فظيع وسرت لن تسقط الا بعد ان تتدمر المدينة بالكاملquot;.
ويقول مسؤول التفاوض عن جانب الثوار في بني وليد عبد الله كنشيل ان الوضع في هذه المدينة التي لا يزال يسكنها حوالى 50 الف نسمة quot;سيئ جداquot;، وهو ما يؤكده الخارجون منها، نظرا لفقدان المواد والخدمات الاساسية كالماء والكهرباء.
وتبث اذاعتان محليتان في بني وليد وسرت رسائل متواصلة تحرض على استمرار مقاتلة quot;الاوباش الآتين من مناطق اخرىquot; وquot;ثوار الناتوquot;، مشددة على ضرورة الوقوف في وجه quot;الاهانة التي تتعرض لها قبائلناquot;.
وفي موازاة عامل القبلية الذي يصعب على الثوار السيطرة على المدينتين، فان وجود نجلي القذافي سيف الاسلام في بني وليد والمعتصم في سرت، بحسب ما اكد المتحدث باسم وزارة الدفاع في المجلس الانتقالي احمد باني، يمنح المقاتلين الموالين للقذافي زخما اضافيا للصمود في وجه الثوار.
كما ان المقاتلين على الجبهتين يؤكدون ان العديد من القوات الموالية للقذافي جاءت الى سرت وبني وليد من مناطق اخرى بعدما اعتبرت هاتين المنطقتين بمثابة آخر معقل لهما وتحصنت فيهما.
ويقول احد القادة الميدانيين في سرت ويدعى عبد الهادي محمد ان quot;تأخر تحرير المدينتين يعود الى انسحاب كل الكتائب (التابعة للقذافي) من المناطق المحررة الى سرت وبني وليدquot;.
ويتحدث عن quot;وجود لانصار القذافي وللمرتزقة هناك، ولا ننسى ان قبيلة القذافي موالية جدا له وتقاتل باستماتة معهquot;.
وتابع quot;نحن كثوار لا نستطيع ان نضرب المدينة بالاسلحة الثقيلة لان هناك مدنيين تستخدمهم الكتائب دروعا بشريةquot;.
ويقول المسؤول الليبي السابق ان quot;لغة الثورة والقيم هي التي يجب ان تنتصر لا لغة السلاحquot;.
ويوضح ان quot;هؤلاء بدو لن يقبلوا بالاهانة، وعندما يتولى التفاوض رجل رشيد ستقبل هاتان المدينتان بالتسليمquot;.
المدنيون في سرت منحوا فرصة يومين لمغادرتها
واعلن رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل السبت ان مقاتلي المجلس منحوا سكان مدينة سرت quot;فرصة يومينquot; لمغادرتها.
وقال عبد الجليل في مؤتمر صحافي في بنغازي نقل على الهواء مباشرة quot;اعطيت فرصة ليومين من قبل الثوار لخروج المدنيين من سرتquot;، مشيرا الى ان هذه المهلة quot;بدات الجمعةquot;.
واضاف ان هذا الامر quot;ربما سيعطي الفرصة لاكبر عدد من السكان لمغادرتهاquot;.
ورغم اعلان عبد الجليل عن هذه quot;الفرصةquot;، الا ان المعارك تواصلت اليوم في سرت (360 كلم شرق طرابلس) بين الثوار والقوات الموالية للعقيد الليبي الهارب معمر القذافي.
وتغادر عائلات المدينة بوتيرة شبه يومية منذ بدء الهجوم للسيطرة على مسقط راس القذافي قبل حوالى اسبوعين.
ويقول الخارجون من سرت ان الاوضاع الانسانية فيها تشهد تدهورا كبيرا، وان هناك نقصا كبيرا في الكهرباء ومياه الشرب.
وكان عبد الحميد المدني امين عام الهلال الاحمر الليبي اكد لوكالة فرانس برس الجمعة وجود اكثر من خمسين الف نازح ليبي بسبب الاوضاع التي شهدتها البلاد منذ الثورة على نظام معمر القذافي وخصوصا بسبب المعارك في مدينتي سرت وبني وليد.
واوضح انه حتى الاربعاء بلغ عدد النازحين من سرت التي تسكنها حوالى 80 الف نسمة نحو 18 الف نازح ومن بني وليد 25 الف نازح مشيرا الى quot;ان هذا العدد ارتفع بالتاكيد منذ الاربعاءquot;.
واضاف المدني quot;حتى الاربعاء بلغ عدد الواصلين من سرت الى مصراتة 6172 فردا (...) ومن سرت الى مناطق الهيشة والوشكة ووادي زمزم والقداحية (الواقعة بين سرت ومصراتة) 11650quot; وهم يقيمون في مدارس واماكن اخرى وquot;تهتم بهم منظمات انسانية بينها بالخصوص فرع الهلال الاحمر الليبي بمصراتةquot;.
كما وصل الجمعة من سرت الى بنغازي 400 نازح وتم ايواؤهم في مخيم مجهز، بحسب المصدر ذاته.
وقال امين عام الهلال الاحمر الليبي quot;نحن نستعد لمرحلة ما بعد انتهاء المعارك في سرت وبني وليد حيث سنكون ازاء اعداد كبيرة من الاهالي المحتاجين الى مساعدة داخل المدينتينquot;.
أكثر من خمسين ألف نازح
وفي ظل استمرار المعارك في سرت وبني وليد، اعلن المسؤول عن الهلال الاحمر الليبي عبد الحميد المدني مساء الجمعة لفرانس برس وجود اكثر من خمسين الف نازح ليبي بسبب الاوضاع التي شهدتها البلاد منذ الثورة على نظام القذافي وخصوصا بسبب المعارك في هاتين المدينتين.
وقال quot;الاعداد كبيرة لكن الوضع تحت السيطرة اجمالا بفضل تكاتف جهود الهلال الاحمر الليبي والصليب الاحمر الدولي والعديد من المنظمات الدولية والاهلية الاخرىquot;.
وتعرضت السلطات الليبية الجديدة الى انتقاد من قبل منظمة هيومن رايتس ووتش التي دعت المجلس الوطني الانتقالي الليبي الى منع الجماعات المسلحة من ممارسة quot;الاعتقال التعسفيquot; وquot;تعذيب السجناءquot;.
وقالت المنظمة إنها قامت بزيارات الى عشرين مركز اعتقال في طرابلس وتحدثت مع 53 موقوفا.
واوضحت في بيان ان quot;الموقوفين تحدثوا عن سوء معاملة في ستة مراكز اعتقال يشمل الضرب واستخدام الكهرباء، وكشف بعضهم عن آثار تعذيب تدعم ادعاءاتهم، علما ان احدا منهم لم يمثل امام قاضquot;.
وتابعت هيومن رايتس ووتش ان quot;على المجلس الانتقالي، بمساعدة الداعمين الدوليين له، ان يؤسس بسرعة نظاما قضائيا للنظر في قضايا الموقوفينquot;.
وذكرت المنظمة ان آلاف الاشخاص جرى توقيفهم من دون مراجعة قانونية منذ سقوط نظام معمر القذافي نهاية آب/اغسطس، مشيرة الى ان معظم الذين جرى توقيفهم هم من اصحاب البشرة السمراء الذين اتهموا بالقتال الى جانب قوات القذافي.
وفي طرابلس، عثرت السلطات الليبية الجديدة في منطقة الاصابعة على بعد حوالى 120 كلم جنوب غرب العاصمة، على مقبرة جماعية فيها 11 جثة تعود الى مقاتلين للمجلس الوطني الانتقالي، بحسب ما افاد قائد ميداني لوكالة فرانس برس السبت.
وقال ميلود ابو دية قائد ثوار يفرن quot;عثرنا الجمعة على مقبرة جماعية في منطقة الاصابعة في جبل نفوسة تضم 11 جثة جرى رميها في بئرينquot;.
واضاف انه quot;جرى العثور ايضا على جثة اخرى في مكب للنفايات في المنطقة نفسهاquot;.
وتابع ان quot;الجثث تعود الى مجموعة من الثوار فقدوا وتم أسرهم اثناء حصار مدينة يفرن، قبل ان يجري إعدامهم على ايدي كتائب القذافيquot;.
وذكر انه quot;سيشيع اليوم جثمان احد القتلى بعد ان شيعت الجمعة جثامين 11 مقاتلا من الثوارquot;.
ويعتبر سكان الاصابعة من الموالين لمعمر القذافي، الزعيم الليبي الهارب.
التعليقات