يبدأ العام الدراسي الجديد في ليبيا من دون النظام السابق للعقيد الليبي معمّر القذافي، وعلى الرعم من أن الكثيرين يعتبرون ذلك أمراً عظيماً، إلا أن البعض يعاني صعوبة في عملية التأقلم، في الوقت الذي يكافح فيه المدرّسون من أجل توحيد الطلاب على مقاعد الدراسة بعيداً عن النزاعات السياسية.


نزاعات الكبار في ليبيا تنتقل إلى الجسم الأكاديمي مع انطلاق العام الدراسي الجديد

لميس فرحات:المقاعد الدراسية في مدرسة فجر الحرية المتوسطة الليبية خالية من الطلاب، فيما يتجول المعلمون في الأروقة من غير هدف.

وتجلس مجموعة صغيرة من الطلاب المراهقين في قاعة المسرح، في محاولة لتدبير خطة تمكنهم من جمع زملائهم وإعادتهم إلى صفوف الدراسة.

يعتبر هؤلاء أن نتائج الثورة هي سبب ابتعاد الطلاب عن مقاعد الدراسة، فبعد أسابيع فقط من تحرير طرابلس، لا يزال حي أبو سالم، معقلاً لدعم الزعيم الليبي المخلوع العقيد معمّر القذافي.

ويقول الطلاب إن أصدقاءهم غير مهتمين بالدراسة هذا العام، لأنهم يرفضون تعلّم تاريخ الانتفاضة أو النشيد الوطني الجديد. ويعتبرون أن الطلاب الذين لم يحضروا صفوفهم المدرسية هم quot;أطفال الموالاةquot;، أي الموالين للقذافي، ومعظمهم من المراهقين، الذين تم تجنيدهم أو تطوعوا للخدمة العسكرية إلى جانب العقيد.

ونقلت صحيفة الـ quot;نيويورك تايمزquot; عن أسامة محمد (15 عامًا) الذي يرأس لجنة الطلاب، قوله إن رفاقه يوزّعون مناشير ولافتات، تقول لطلاب ليبيا: quot;نرجوكم أن تعودوا إلى المدرسة. نريد أن نمضي قدماً في تطوير ليبياquot;.

وفي الوقت الذي تتعثر فيه ليبيا على طريق التغيير، تواجه المدارس الليبية تحديات كبيرة، وخاصة مدرسة فجر الحرية في حي أبو سالم. ففي الأسابيع الأخيرة، فتح المعلمون أبواب المدرسة على أمل كبير، غير أن أملهم اصطدم بالواقع المربك.

يتخبط الأساتذة في المدرسة محاولين إيجاد البديل من المناهج الدراسية العقائدية، التي وضعها القذافي سابقاً، ولا يساعدهم في ذلك سوى ورقة تعليمات صغيرة، أعطيت لهم من قبل مسؤولين في الحكومة المؤقتة.

وتواجه الأحياء الشبيهة لأبي سالم في ليبيا اختبارات قاسية، حيث جروح الحرب الأهلية ما زالت مفتوحة. ففي الأسبوع الماضي، ألقت الانقسامات بثقلها على عدد قليل من الطلاب الذين عادوا إلى المدارس. وأدى هذا الإنقسام إلى مشاكل اجتماعية، يعمل الأساتذة على حلها قبل أن تتفاقم، وتسبب أزمة أكبر في المجتمع الليبي الذي يحاول أن يتعافى.

بغضّ النظر عن ولاءاتهم وانتماءاتهم، يقوم المعلمون بطلاء جدران المدرسة، في حين يعدّ المستشارون أنفسهم للتعامل مع المقاتلين الشبان العائدين من الجبهة، بعدما كانت مهمتهم تقتصر على تسجيل الحضور من الطلاب، بينما يقوم البعض الآخر بابتكار أساليب تغطي الثقوب التي أحدثتها قذائف المدفعية في جدران المدرسة.

بعد الانتهاء من هذه المهمة، توجّه المدرسون إلى الصفوف، حيث بدأت مهمة إزالة النقوش والكتابات عن مقاعد الدراسة، والتي تعبّر عن عهد القذافي، إذ يقول معظمها: quot;الله ومعمّر وليبيا وبسquot;، وهو الشعار الأكثر شعبية بين أنصار العقيد.

بعيداً عن الأحياء الموالية للقذافي، أشارت الـ quot;غارديانquot; إلى أن التعديل كان أسهل في أجزاء أخرى من المدينة، مثل تاجوراء، المدينة المعارضة للقذافي. فقد عاد الطلاب إلى مدارسهم في تلك المناطق بأعداد أكبر، في حين بقيت المدارس في الأحياء الموالية، كأبي سالم، خالية من الطلاب، لأن معظم الأهالي يخافون على أولادهم، ويخافون عليهم من مغادرة المنزل، حتى لا يتعرضوا للثأر بسبب موالاتهم للعقيد.

إضافة إلى ذلك، تركز المدارس في طرابلس على مراجعة الدروس حتى شهر كانون الثاني/يناير، بانتظار المدارس التي أغلقت سابقاً لفتح أبوابها ومعاودة إعطاء الدروس من أجل البدء بتدريس المناهج الجديدة. أما في مدرسة الثأر الثانوية، والتي سمّيت تكريماً لنجاح العقيد القذافي في طرد الإيطاليين عام 1970، عاد نحو 100 طالب وطالبة يوم السبت، ليجدوا مدرستهم مدمّرة، وفقاً لما قاله مدير المدرسة محمد ملك.

واشار ملك إلى أن الصفوف الدراسية مليئة بشظايا الزجاج المتناثر من النوافذ المحطمة بسبب قصف الناتو، كما إن الأعلام الخضراء التي ترمز إلى نظام القذافي لا تزال معلقة على الجدران. quot;اننا نحاول القيام بوظائفنا، وكأن الامور طبيعيةquot;، يقول ملك، مشيراً إلى أن المعلمين يحاولون إعداد المناهج الدراسية الجديدة، التي من شأنها أن تتضمن تعليمات بشأن وضع دستور جديد، وأحداث سقوط الحكومة السابقة والدروس التي تهدف إلى quot;رفع معنويات الطلابquot;. quot;نحن بحاجة إلى زرع حب الوطن في نفوسهم وروح المصالحة ونسيان الماضيquot;، يضيف ملك.

لكن الطالب محمود نجم (17 عاماً) يخالف المدير رأيه، قائلاً إن أحداً من الطلاب لم يحضر الصفوف، باستثناء عدد قليل منهم. وأعتبر نجم أن معظم الصبية من زملائه يريدون القذافي، quot;فنحن في حي فقير، حيث الحكومة القديمة كانت تشتري ولاء الناس بالسيارات والهدايا النقديةquot;.

وقالت سعاد عبدالله، مدرسة الرياضيات: quot;لا يمكننا تجاهل 42 عاماً، واعتبارها كأنها لم تكن. علينا أن نعلّم الأطفال ما حدث في ليبيا حتى يقدّروا ثورة 17 شباط / فبرايرquot;. أما الوضع الاكثر تعقيداً، فتتجلى صوره في مدرسة السيدة زينب، على الرغم من أن أعلام الثورة تنتشر في باحات المدرسة وترتفع على جدران صفوفها.

في هذا الإطار، قالت كريمة رمضان، إحدى المعلمات أن المشهد يخفي وراءه واقعاً معقداً للغاية، فالطلاب رفضوا غناء النشيد الوطني الجديد، وقام أحدهم بتمزيق العلم الرسمي الجديد للمدرسة، كما إن معلمة أخرى قامت بصفع رمضان خلال جدل سياسي، عبّرت فيه الأخيرة عن معارضتها للحكومة السابقة. وأضافت رمضان: quot;إنهم فقراء جداً، وما زالوا موالين للقذافي. لا أستطيع أن افهم لماذاquot;.

وقالت زهرة الطايف، مستشارة في مدرسة فجر الحرية إن مهمة صعبة ملقاة على عاتق المعلمين هذا العام، وهي محو سنوات من الجهود التي مارستها الحكومة السابقة لزرع الانقسامات بين القبائل والمناطق. واعتبرت أنه: quot;لا ينبغي على أحد أن يقول أنا من هذه المنطقة أو تلك، نحن ليبيون الآنquot;، مضيفة quot;أدعو الله أن تفوز الجهة المحقة، مع أنني لا أعرف من هي هذه الجهةquot;.