في أعقاب أحداث العنف التي شهدتها منطقة ماسبيرو في القاهرة، قامت إيلاف باستطلاع آراء متظاهرين وعسكريين، والذين اتهم كلّ منهم الطرف الآخر بالبدء في إطلاق النار ومحاولات الاعتداء.
تظاهرة للأقباط تحولت إلى مواجهة عسكرية مع قوات الأمن |
القاهرة: انتشرت رائحة البارود والغازات المسيلة للدموع في سماء وسط القاهرة، وتحولت منطقة ماسبيرو إلى ما يشبه ساحة الحرب بين قوات الأمن المركزي وقوات الشرطة العسكرية من جهة، والآلاف من الأقباط المحتجّين على هدم أجزاء من كنيسة في قرية المريناب في أسوان أقصى جنوب البلاد من جهة أخرى.
واستخدمت في المناوشات أنواع مختلفة من الأسلحة، تنوعت ما بين الأسلحة النارية الآلية، والطبنجات، والأسلحة البيضاء، واتسعت دائرة المواجهات لتضم مواطنين مسلمين وآخرين مسيحيين، وأسفرت أحدث العنف عن سقوط نحو 320 مصاباً، و37 قتيلاً، وخمسة جنود من قوات الشرطة العسكرية.
15 آلاف محتج قبطي
بدأت الأحداث الدامية نحو الساعة السادسة مساءً بتوقيت القاهرة، أمام مقر الإذاعة والتلفزيون المصري quot;ماسبيروquot;، بعد نحو ساعتين من تنظيم وقفة احتجاجية أمام المبنى المطلّ على النيل. وبدأت المواجهات مع إنضمام نحو عشرة آلاف شخص من الأقباط الآتين من حي شبرا ذي الغالبية المسيحية، ووصل عدد المحتجين إلى 15 ألف شخص.
وهتفوا ضد المجلس العسكري، والمشير حسين طنطاوي، ووقعت مشادات كلامية بين المتظاهرين وقوات الشرطة العسكرية، تطورت إلى إشتباكات بالأسلحة النارية، عندما أغلق المحتجّون الطريق أمام المرور، وحاولت الشرطة العسكرية فتح الطريق بالقوة.
أسلحة الأقباط
ووفقاً لشهود عيان، فإن بعض المحتجين كانوا يحملون أسلحة نارية، بعضها أسلحة آلية، إضافة إلى الأسلحة البيضاء، ومنها سيوف، وسنج، وقال أحد شهود العيان، ويدعي حنفي عسران، لـquot;إيلافquot; إنه شاهد أحد المحتجين وهو يحمل معه طبنجة، وكانت معلقة في جانبه، وذلك قبل اندلاع المواجهات بين الدامية. وأضاف عسران، الذي يعمل في التلفزيون أنه أضطر لدخول التلفزيون من quot;الكراجquot; الخاص بالسيارات، بسبب محاصرة المحتجين الأقباط له من كل الإتجاهات.
إغلاق التلفزيون
مع بدء توافد الأقباط على quot;ماسبيروquot; في الرابعة عصراً، أغلقت قوات الأمن الخاصة بالتلفزيون كل مداخل المبنى، باستثناء المدخل رقم 13 فقط، والمدخل الخاص بمكتب وزير الإعلام، وأضطر العاملون في التلفزيون إلى الدخول عبر الحديقة الخلفية أو quot;الكراجquot;، خشية تعرضهم للأذى، وفي تمام السادسة مساء الأحد أغلق أمن التلفزيون الأبواب كلها، ومنع الدخول أو الخروج حتى الحادية عشر مساءً.
فيما شددت قوات الأمن العسكرية أو الشرطة المدنية من إجراءاتها الأمنية حول المبنى، لاسيما في ظل محاولات إقتحام المحتجين له مرات عدة.
روايات الجنود
من مواجهات ماسبيرو |
وقعت محاولات لإقتحام مبنى الإذاعة والتلفزيون، وسقط ثلاثة قتلى من قوات الشرطة العسكرية، عندما أطلق أحد المحتجين أعيرة نارية بإتجاه تلك القوات، وسقط نحو 89 جريحاً، وغالبية الإصابات بطلقات نارية أو جروح قطعية بأسلحة بيضاء.
وروى أحد الجنود لـquot;إيلافquot; تفاصيل الأحداث، قائلاً: quot;إن المواجهات وقعت في نحو السادسة والنصف عندما بدأ المتظاهرون في رشق قوات الشرطة العسكرية بالحجارة والزجاجات الحارقة، وإشعال النيران في المدرعات التي ترابط أمام مبنى ماسبيرو منذ جمعة الغضب 28 يناير لحمايته، وتم الاعتداء على الجنودquot;.
مشيراً إلى أن قوات الأمن حاولت منع المتظاهرين من ارتكاب تلك الأعمال الإجرامية، ولكنهم ردوا بإطلاق الأعيرة النارية باتجاه الجنود، الذين لم يتوقعوا أن يكون المتظاهرون مسلحين. وأضاف الجندي، الذي رفض ذكر اسمه، حتى لا يتعرض للمحاكمة العسكرية، إن زميله سقط جريحاً نتيجة لإطلاق الرصاص عليه من جانب المحتجين.
وتابع والدموع تغرق عينيه: quot;زميلي قتل غدراً، ولم يعتدِ على أحد من المتظاهرين أبداً، كانوا يحضرون كل تظاهرة، ولم نعتد عليهم كما يشاع، بل كنا نتحمل شتائم بذيئة منهم، ونصبر. ولم يخف الجندي أنه حاول الثأر لزميله، على حد قوله، ولكنه قال quot;للأسف عندما حاولت استخدام السلاح الذي كان بحوزتي، وجدت أن الطلقات المحشوة فيه quot;فيشنكquot;. كانت الطلقات quot;فيشينكquot;.
الجرحى والقتلى
نقل الجنود بعضاً من قتلاهم وجرحاهم إلى المركز الطبي في التلفزيون في البداية، ولكنه غير مجهز بشكل جيد، مما استدعى نقل الغالبية إلى المستشفيات العسكرية، فيما نُقل الجرحى الباقون إلى مستشفى الهلال الأحمر والمستشفى القبطي، والمستشفيات الواقعة في وسط القاهرة.
وقدم جندي آخر، ولكنه من قوات الأمن المركزي، رواية مشابهة، وقال لـquot;إيلافquot; quot;إن المتظاهرين الأقباط هم من بدأوا بإحراق سيارات الشرطة والمدرعات التابعة للجيش، ورشق الجنود بالزجاجات الحارقة والحجارة، ومحاولة الاعتداء عليهم بالسيوف والسنجquot;.
وأضاف الجندي، الذي كان يجلس على درج سيارة شرطة كبيرة من حاملات الجنود، وكان مصاباً بجرح في الرأس، قائلاً: quot;كان هناك شيء غريب، لم نعهده من قبل في تظاهرات الأقباط أمام ماسبيرو، كانوا دائماً سلميين، ولا يحملون أسلحة بيضاء أو ناريةquot;.
وأستطرد الجندي قائلاً بلكنة ريفية واضحة: quot;أنا ضربوني بطوبة في رأسي، وحاول أحد المحتجين طعني بمطواة قرن غزال، لماذا كل هذا؟ لا أعرف، منهم لله إللي عاوزين يولعوا مصر نار ويخربوهاquot;.
البلطجية وليسوا الأقباط
على الجانب الآخر، ينفي الأقباط حملهم السلاح أثناء التظاهر، وقال أحد المحتجين، ويدعى رامي حنا لـquot;إيلافquot;: quot;تلك الأسلحة التي يتحدثون عنها، غير موجودة في خياليهم المريض، لم يكن معنا أسلحة على الإطلاق، كانت تظاهراتنا سلمية، ولم نشعل النيران في سيارات الشرطة أو مدرعات الجيش، إنها أفعال بلطجية الشرطة العسكرية، الذين أحضروهم من منطقة بولاق أبو العلا القريبة من ماسبيرو، إن البلطجية أندسوا بيننا، وكانوا يحملون السلاح وحاولوا إحراق السيارات وإقتحام التلفزيون من أجل خلق أزمة بيننا وبين قوات الجيش والشرطةquot;.
وأضاف: quot;ونجحوا في ذلك، ووقعت الإشتباكات بين الجانبين، وأطلقت القوات الرصاص على المحتجين، بل دهسوا بعضاً منا بالمدرعات. وأضاف حنا: quot;كان المشهد أشبه ما يكون بجمعة الغضب 28 يناير، التي استخدمت فيها الشرطة الأسلحة النارية ضد المتظاهرين، ودهستهم بالسيارات المدرعة، و كان الجميع مصريين مسلمين مسيحيين، وقتها لم تفرّق بينهم القوات الأمنية، ولكن في تظاهرات الأقباط كانوا وحدهم في مواجهة قوات الشرطة العسكرية والأمن المركزيquot;.
دهس المتظاهرين بالمدرعات
وقالت نرمين كيرلس لـquot;إيلافquot; وكانت تبكي بشدة: quot;إنني رأيت المدرعات، وهي تدهس المتظاهرين السلميين، لم يكن معهم أسلحة، إنهم فلول الحزب الوطني والمندسون، هم من بدأوا بإطلاق النار على الشرطة العسكرية، وأدت إلى قتل ثلاثة جنودquot;.
وتابعت: quot;إن المنطقة التي يقع فيها التلفزيون معروفة بأنها معقل أحد رموز الحزب الوطني المنحلّ، وله أتباع بالآلاف من البلطجية، الذين كان يستخدمهم في ترويع الأهالي أثناء الإنتخابات، وهؤلاء هم من هاجموا الأقباط أثناء تظاهراتهم السلمية، وقتلوا الكثير منهم في حماية قوات الشرطة، التي وقفت موقف المتفرج، بل أطلقت عليهم القنابل المسلية للدموعquot;.
ولفتت كيرلس إلى أن هناك أشخاصًا كانوا يعتلون البنايات المطلة على الكورنيش، ويطلقون النار عشوائياً على المتظاهرين وقوات الأمن والجيش، معتبرة أن هذا دليل على أن هناك مجموعات حاولت استغلال التظاهرات من أجل إحداث فتنة طائفية في مصر.
مؤامرة لمصلحو استمرار العسكر
وذهب أحد المحتجين، ويدعى جرجس، إلى ما هو أبعد من ذلك، وقال لـquot;إيلافquot;: quot;إن ما حدث مؤامرة مدبّرة، لتمكين المجلس العسكري من الاستمرار في الحكم، وعدم إصدار قانون العزل السياسي بحق أعضاء الحزب الوطني المنحلّ ورموز نظام حكم الرئيس السابق حسني مباركquot;.
وأضاف جرجس إن الدعوة إلى التظاهرات كانت سلمية، ولكن المسيرة التي انطلقت من ميدان الدوران في شبرا تعرّضت لإطلاق النار، وهي في طريقها إلى ماسبيرو، ولكن المتظاهرين تفرّقوا من أجل تفويت الفرصة على البلطجية لإعاقتهم أو نصب فخ لهم وتصفيتهم.
وعندما وصلت المسيرة إلى ماسبيرو وقع إطلاق نار وحرق لسيارات الشرطة ومدرعات قوات الشرطة العسكرية، مما يدل على وجود مؤامرة ضد الأقباط، بل ضد مصر والثورة.
مواجهات شوارع
وفي أعقاب الموجهات بين المحتجين وقوات الأمن، تفرّق المحتجون بعيداً عن مقر ماسبيرو، وإنتقلت المواجهات إلى ميدان عبد المنعم رياض القريب من ماسبيرو، ثم انتقلت إلى ميدان التحرير، ثم إلى شارع وميدان رمسيس، ثم إلى ميدان غمرة، وأسفرت عن مقتل العشرات، ودار ما يشبه حرب الشوارع بين الشرطة والمحتجين الأقباط وبعض المسلمين، فيما بدت شوارع وسط القاهرة خالية من المارة منذ الساعة الثامنة.
تجولت quot;إيلافquot; في شوارع منطقة بولاق أبو العلا خلف منطقة ماسبيرو، وبدا واضحاً أن هناك حالة إستنفار من قبل أهالي المنطقة، حيث وقف بعض الشباب في الشوارع، حاملين العصي والأسلحة البيضاء، فيما أغلقت المحال التجارية، ووقفوا أمامها حاملين الأسلحة والعصي أيضاً، خشية اقتحامها في ظل إنتشار حالة من الفوضى. فيما انتشرت رائحة الغازات المسلية للدموع في المنطقة المحيطة بماسبيرو.
التعليقات