القاهرة: يبدو أن الحرب التي تعيشها ليبيا منذ عدة أشهر بين الثوار والقوات الموالية للعقيد المتوراي عن الأنظار معمر القذافي لم تقف ضحاياها عند البشر فحسب، بل امتدت كذلك لتطال الحيوانات، وتحديداً الإبل، التي تعيش وضعية خاصة في هذا الصراع المميت.

فقد أبرزت في هذا السياق اليوم صحيفة quot;وول ستريت جورنالquot; الأميركية حقيقة محاصرة الإبل في الاشتباكات المسلحة التي شهدتها بلدة زوارة الساحلية التي تقع على مقرب من حدود ليبيا مع تونس. وهي الاشتباكات التي رأت الصحيفة أنها جاءت لتشكل الموقف الجديد الذي بدأت تتبناه الحكومة تجاه الأقليات في ليبيا.

وقد سقط جراء تلك المواجهات التي وقعت هناك الأسبوع الماضي بين قبائل عربية وأقلية البربر 10 أشخاص على الأقل وجُرِح عدة أشخاص آخرين، وذلك حسبما نقلته الصحيفة عن سكان، في أعقاب سلسلة من عمليات الاختطاف المتبادلة بين الجانبين.

وقد سقط عدد آخر من الضحايا جرّاء اشتباكات مماثلة بين العرب والبربر في المنطقة، بما في ذلك الاشتباك الذي أسفر عن مقتل 6 أشخاص الشهر الماضي بالقرب من منطقة يطلق عليها بدر في جبال نفوسة. وقد حوصرت الإبل بتلك البلدة في المزيج المتفجر الذي يجمع بين العداوات العرقية القديمة والنزاعات على الأراضي.

وتابعت الصحيفة بنقلها عن سكان محليين قولهم إن تلك الإبل تخص العرب- وهم أكثرية عرقية في ليبيا ndash; ويعيشون في مستوطنات تأخذ شكل الهلال خارج زوارة. وتضم القبائل العربية المحلية أتباع ومناصري القذافي الذين يقفون في وجه المقاتلين المواليين للمجلس الوطني الانتقالي، الذي أطاح بالقذافي في آب/ أغسطس الماضي.

هذا ويتحفظ البربر الآن على الإبل، ويعتبرون أنفسهم السكان الأصليين لليبيا وشمال إفريقيا. وأكدت الصحيفة من جهتها أن الطريقة التي تحصل من خلالها البربر على حيوانات جيرانهم من العرب ndash; ومطالبهم بإعادتها لأصحابها ndash; تعكس نضال تلك الجماعة الكبير والشائك من أجل تحسين وضعيتهم في ليبيا بمرحلة ما بعد القذافي.

وأشارت إحدى الجماعات الدولية المعنية بحقوق الأقليات إلى أن البربر هم أكبر أقلية عرقية في ليبيا، ويشكلون نسبة تتراوح ما بين 4 إلى 10 % من سكان البلاد الذي يبلغ عددهم 6.3 مليون نسمة. وهم مسلمون شأنهم شأن الأكثرية العربية. لكنهم يقولون إنهم يتعرضون لاضطهاد على مدار قرون من جانب المواطنين العرب.

وكان البربر من أوائل الذين دعموا الانتفاضة الشعبية ضد نظام العقيد القذافي في شباط/ فبراير الماضي. وقد أبدا كثيرون منهم اعتراضهم على بيان المبادئ الذي أصدره المجلس الوطني الانتقالي في آب/ أغسطس الماضي والذي تحدث عن أن الدولة الليبية الجديدة سوف تضمن quot;الحقوق اللغوية والثقافيةquot; لجميع عناصر المجتمع الليبي، دون تحديد تلك الجماعات بالاسم، وتأكيده كذلك أن العربية هي لغة البلاد الرسمية. وتحدث البعض منهم كذلك عن استبعاده من شغل مناصب هامة في الحكومة الانتقالية.

وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة عن نوري الشيروي، عضو المجلس من بلدة يفرن، التي يقطن بها كثير من البربر في جبال نفوسة التي تعرف أيضاً بالجبال الغربية، قوله quot; كنا نتعرض للاضطهاد والإرهاب والقتل في حكم القذافي إذا تحدثنا لغتنا. وقد تمردنا عليه لكي يتم الاعتراف بنا ndash; لا لنتعرض للاضطهاد مرة أخرىquot;. وأكد عضو المجلس الوطني الانتقالي، حسن الصغير، أن الدستور سيُحَدَّد ويُنَاقَش في نهاية المطاف من قبل الشعب الليبي. وأوضح أن القتال قرب زوارة غير مرتبط بالعداءات القبلية أو العرقية، لكنه مرتبط بالمعارك التي تدور مع القوات الموالية للقذافي.

بعدها، مضت الصحيفة تتحدث عن بدايات أعمال القتال بين العرب والبربر، بعد بدء الانتفاضة منتصف شباط/ فبراير الماضي، ونقلت عن سكان بربر قولهم إنه جيرانهم من العرب كانوا ينتقمون منهم طوال الربيع والصيف الماضي عن طريق إطلاق إبلهم في المزارع التابعة لهم، حيث قامت بتدمير البساتين وكروم العنب وأشجار اللوز.

وبعد سقوط طرابلس في آب/ أغسطس الماضي، أشار البربر إلى قيام القوات الموالية للقذافي التي كانت تتمركز في مطار زوارة بالهروب، بعد أن قاموا أولاً بتدمير أجزاء من المدرج. وبعدها، بسط المقاتلون البربر سيطرتهم بطول الطريق الساحلي المؤدي لتونس، حيث استمروا في تزويد نقاط التفتيش بالجند. كما قاموا بإلقاء القبض على المشتبه في ولائهم للقذافي وسرقوا ممتلكاتهم، وفقاً لروايات شهود عيان.

كما تحفظوا على حوالي 130 جمل، حيث يتم بيع الواحد منها بحوالي ألفين دولار، في وقت تعتبر فيه الإبل مصدراً هاماً للحم واللبن، وتمثل كذلك رمزاً ثقافياً بارزاً. وأكد البربر أنه ليس بمقدورهم أن يثقوا في جيرانهم العرب، متهمين إياهم بأنهم يتظاهرون بدعم المجلس الوطني الانتقالي، وهم في الحقيقة مازالوا مواليين للقذافي.