بعد ثلاثة أسابيع على نجاح الثوار الليبيين في الإطاحة بنظام العقيد الفار معمّر القذافي في العاصمة طرابلس، بدأ القادة العسكريون يتجمعونلإيجاد طريقة تعنى بتوحيد صفوف الجماعات المقاتلة المتباينة في العاصمة. وبدأت تهيمن حالة من الخوف والقلق خشية أن يتسبب نفوذ قطر الجديد في تعريض الاستقرار هناك للخطر.


مخاوف من أن يُعرّض نفوذ قطر الجديد الاستقرار الليبي للخطر

أشرف أبوجلالة من القاهرة: أفادت في هذا السياق اليوم صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية بأن القادة في طرابلس كانوا على مقربة من التوصل إلى اتفاق بشأن تأسيس قيادة موحدة، حتى تدخل شخصان قياديان، هما عبد الحكيم بلحاج، مقاتل إسلامي سابق تم احتجازه من قبل لفترة وجيزة من جانب وكالة المخابرات المركزية عام 2004، وهو إذ يتهم الآن قادة الميليشيات المحلية بتهميشه، قال لهم نصاً quot;لن تفعلوا ذلك مطلقاً بدونيquot;، وفقاً لما ذكره أشخاص مطلعون على تفاصيل ذلك الاجتماع، الذي جرى في الـ 11 من أيلول/ سبتمبر الماضي.

ولفت هؤلاء الأشخاص أيضاً إلى أن الشخص الآخر الذي حضر هذا الاجتماع هو قائد أركان الجيش القطري، اللواء حمد بن علي العطية. وأوضحوا أن بلحاج حقق فوزاً تكتيكياً في تلك المناسبة، حيث انتهى الاجتماع من دون أن يتم التوصل إلى اتفاق، ومازالت الجهود الرامية إلى توحيد ميليشيات طرابلس المختلفة مُتوقفة حتى يومنا هذا.

وهنا، أكدت الصحيفة أن وجود قائد عسكري أجنبي في طرابلس (في إشارة إلى اللواء حمد)، الذي وصف أحد الأشخاص المطلعين زيارته بأنها جاءت بمثابة المفاجأة للقيادة المؤقتة في ليبيا، يعد دليلاً على دور قطر البارز في جهود الإطاحة بالقذافي.

ثم مضت الصحيفة لتشير إلى المساعدات النقدية التي زوّدت بها قطر الثوار، والتي قدرت بعشرات الملايين من الدولارات، في صورة مساعدات وتدريبات عسكرية، إضافة إلى أكثر من 20 ألف طن من الأسلحة. وقد حظيت الجهود القطرية التي بذلت في هذا الشأن بدعم الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين وكثير من الليبيين أنفسهم باهتمام.

لكن الآن، ومع بدء المسؤولين الليبيين التحرك صوب تشكيل حكومة جديدة من العدم، بدأت تهيمن حالة من الخوف والقلق على بعض من هؤلاء الأطراف، خشية أن يتسبب نفوذ قطر الجديد في تعريض الاستقرار هناك للخطر.

ونقلت ستريت جورنال في هذا الصدد عن مسؤولين ليبيين ومراقبين غربيين قولهم إن هناك تخوفاً من علاقات قطر الوطيدة بزمرة من الإسلاميين الليبيين، الذين سبق لهم القتال في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، والبقاء لسنوات في السجون أثناء فترة حكم القذافي. ونشرهم بعد ذلك أطروحة لاهوتية تدين الجهاد العنيف. وعبر الدعم الذي يحصلون عليه من قطر، أضحوا لاعبين أساسيين في الشأن السياسي الليبي.

وفي الوقت الذي يواجهون فيه الآن سلطة انتقالية يقودها إلى حد كبير مسؤولو النظام السابق العلمانيون والتكنوقراط المغتربون، فإن منافسيهم السياسيين يتهمون قطر الآن بتوجيه الدعم لمصلحة الإسلاميين.

ولفتت الصحيفة كذلك، وفقاً لأناس مطلعين، إلى أن قطر زوّدت الثوار بـ 18 شحنة أسلحة على الأقل خلال فصلي الربيع والصيف الماضيين، بمباركة وكالات الاستخبارات الغربية.

وأوردت الصحيفة في الإطار عينه عن بعض المسؤولين في طرابلس إدعاءهم بأن الأسلحة القطرية قد تَوَاصَل تدفقها بشكل مباشر للجماعات الإسلامية خلال شهر أيلول/سبتمبر الماضي، بعد سقوط طرابلس، في خطوة أصابت قادة البلاد المؤقتين بحالة من الإحباط.

ونقلت الصحيفة عن وزير النفط والمالية في الحكومة الانتقالية، علي الترهوني، قوله: quot;أكرر ندائي لأي دولة، لو سمحتم لا تعطوا أي أموال أو أسلحة لأي فصيل ليبي من دون الحصول على موافقة المجلس الوطني الانتقاليquot;.

فيما نفى المسؤولون الدبلوماسيون والعسكريون القطريون أن يكونوا لعبوا دوراً في محاباة فريق على حساب آخر أو في تسليح جهة على حساب جهة أخرى. وبخصوص اجتماع الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر الماضي، قال بلحاج إنه كان يرافق فحسب اللواء العطية لتوفير الأمن، وإنه لم يكن حاضراً أثناء المناقشات التي جرت خلف الأبواب المغلقة.

هذا ولم تجب وزارة الدفاع القطرية عن أي اتصالات من أجل الإدلاء بتعليقات خاصة في هذا الشأن. وتعذر على الصحيفة الوصول إلى اللواء العطية من أجل محاورته في هذا الخصوص.

بالاتساق مع ذلك، سبق لأمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أن بدد مخاوف بعض الليبيين من أن قطر تبحث عن نفوذ بخصوص احتياطات الغاز الليبية، التي تعتبر رابع أكبر احتياطات في القارة السمراء.

وبدلاً من ذلك، قال أناس على دراية بطريقة تفكير القيادة القطرية إن واحداً من أبرز أهداف قطر هو دعم الانتفاضات الشعبية في المنطقة. وأبرزت الصحيفة في السياق نفسه تصريحات سبق أن أدلى بها السفير الأميركي لدى ليبيا، غين كريتز، والتي قال فيها quot;لقد لعبت قطر دوراً مؤثراً في المساعدة على إنجاح تلك الانتفاضة الليبيةquot;.

وتابعت الصحيفة بقولها إن مقداراً كبيراً من المساعدات التي مُنِحَت للثوار في ليبيا قد تم توجيهها من جانب رجل دين ليبي بارز يدعى علي الصلابي. وبعدها، سردت الصحيفة خلفية الصلابي الدينية، وحقيقة علاقاته بجماعة الإخوان المسلمين، ومن ثم مغادرته البلاد، وعودته إليها بعد رفع العقوبات الدولية عن نظام القذافي عام 2003.

ثم مضت الصحيفة تشير إلى أن قطر كانت الدولة العربية الأولى التي تعترف بالمجلس الوطني الانتقالي. ومع تصاعد حدة العنف أثناء الانتفاضة في ليبيا، قال دبلوماسيون غربيون إنه سرعان ما أصبح من الواضح أنه بدون جهود أرضية مسلحة من جانب الثوار، لن تعمل هجمات الناتو إلا على خلق حالة من الجمود.

وبينما اعتقدت الحكومات الأميركية والأوروبية أنه سيكون من الخطر تسليح حركة تمرد بشكل مباشر في مواجهة زعيم قائم، تطوعت قطر للقيام بذلك الدور، وفقاً لما ذكره أناس مطلعون على الموقف، بعدما أكدوا أن الدوحة بدأت في إرسال الأسلحة إلى فصائل الثوار في ليبيا بدءًا من نيسان/ أبريل الماضي، بموافقة كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والإمارات. كما ساهم طاقم مكوّن من حوالى 60 قطرياً في تأسيس مراكز قيادة للثوار في بنغازي، ومدينة زينتان الجبلية، ثم في طرابلس لاحقاً.

وفي الفترة ما بين نيسان/ أبريل وسقوط طرابلس، غادرت 18 طائرة شحن على الأقل من قطر إلى ليبيا، وهي ممتلئة ببنادق هجومية وقاذفات صاروخية وأسلحة صغيرة أخرى، وكذلك أزياء رسمية عسكرية موحدة ومركبات.

ونجحت قطر في نقل جزء كبير من مساعداتها عبر علي الصلابي، وفقاً لما ذكره مسؤولون على اتصال بالمجلس الوطني الانتقالي، الذين أكدوا بدورهم كذلك أن شبكة المساعدة الخاصة به، والتي يعمل فيها مساعدوه، قد سمحت لميليشيات تابعة بالحصول على نصيب الأسد من البنادق والمال.

وأضاف هؤلاء الأشخاص أن الصلابي ساعد في تنظيم أكثر من عشر شحنات أسلحة آتية من قطر، منها عشر شحنات من خلال بنغازي، بينما مرت ثلاث شحنات أخرى على الأقل عبر الجبال الغربية، حيث تواجد هناك بلحاج بوصفه واحداً من أبرز قادة الثوار الذين يتدربون على يد استشاريين قطريين وغربيين. وقد تعذر على الصحيفة الوصول إلى الصلابي بغية التعليق على تلك المسألة.