أعطت الزيارة الأخيرة لمحمود عباس إلى باريس وقبلها إلى استراسبورغ انطباعًا إيجابيًا لدى المهتمين بشؤون الشرق الأوسط حول الإرادة الأوروبية، والفرنسية على الخصوص، في تقديم الدعم الممكن للمطلب الفلسطيني في الاعتراف بالدولة الفلسطينية.


متظاهرون فلسطينيون يطالبون باعتراف أممي بدولة فلسطينية مستقلة

باريس: تعتبر زيارة محمود عباس إلى باريس الأخيرة استمرارًا للتعاون الفلسطيني الفرنسي، الذي تأكد بوضوح بارز مع الدعم المقدم من سيد الإليزيه إلى الرئيس الفلسطيني، بموجب مبادرته الأممية التي طالب فيها بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وكان أبو مازن حلّ ضيفًا على مجلس الجمعية الأوروبية كذلك لمناشدتها بتقديم الدعم اللازم للسلطة الفلسطينية في معركتها الدبلوماسية ضد الحكومة الإسرائيلية بغرض، كما يقول ملاحظون، جرّ الإسرائيليين إلى طاولة المفاوضات وفقًا لشروط التزم بها الكيان العبري نفسه، لاسيما تلك المرتبطة بالمستوطنات.

وقال عباس في مستهل كلمته للمجلس quot;أتحدث إليكم اليوم، ناقلاً رسالة شعبنا الفلسطيني، إلى ممثلي شعب قارة، تجمعنا وإياها جيرة دائمة، وعلاقات تاريخية متصلة ومتنوعة ومتشابكة، وتطلعات لمستقبل مزدهر، لنبني فوق مياه المتوسط، جسوراً تؤسس لتعاون وشراكة في مجالات مختلفةquot;.

ويعتقد مراقبون أن الزعيم الفلسطيني يراهن على دور الأوروبيين في إعادة الحياة إلى عملية السلام في الشرق الأوسط، وذلك بتقوية أشكال إشراكهم في الإطلاع على الأوضاع العامة، التي تشهدها الأراضي الفلسطينية، وبتقريبهم أكثر من النوايا الإسرائيلية.

في هذا المضمار استعرض أبو مازن، ضمن كلمته أمام مجلس الجمعية الأوروبية، مناورات الحكومة الإسرائيلية في كبح أي محاولة لإرساء سلام حقيقي وعادل في المنطقة. ويرى عباس أن الطرف الإسرائيلي انخرط في سياسة quot;التحلل من الالتزامات، والتنكر للاتفاقات، ورفض الرعاية الدوليةquot;، ما أدى، بحسبه، إلى quot;إفقاد عملية السلام زخمها وهزّ قناعة الشعوب بجدواهاquot;.

الأكثر من ذلك أن هذه السياسة تحولت في السنوات الأخيرة، يقول الرئيس الفلسطيني، quot;إلى مرحلة محاولة التدمير الكامل للسلطة الوطنية الفلسطينية ومؤسساتها، وتنفيذ حملات التدمير المنهجي للبنية التحتية التي ساهمت دولكم في تشييدهاquot;، ويقصد بذلك البلدان الأوروبية.

محمود عباس... رجل السلام
ينظر إلى محمود عباس أوروبيًا ودوليًا على أنه رجل السلام بامتياز، ولم يدع إلى العنف في أي يوم من حياته، وليس هناك أي قيادي فلسطيني آخر، بمقدور المجتمع الدولي التعاون معه اليوم، أفضل من أبي مازن، على الأقل في الظرف الحالي.

هذه الميزة التي يتمتع بها الرئيس الفلسطيني تحرج الطرف الإسرئيلي، باعتبار أن المبررات، التي عادة ما يسوقها وسط المجتمع الدولي كشروط، للاستمرار في التفاوض من أجل السلام، لم تعد مقنعة بالمرة في نظر عدد من المراقبين الأوروبيين. ويؤكد محمود عباس ذلك للأوروبيين، وهو يقول quot;إن السياسة الإسرائيلية التي لم تتجاوب مع يدنا الممدودة للتفاوض، ولإعطاء السلام فرصة، زادت من الإحباط لدى شعبنا، وفاقمت الوضع الاقتصادي المترديquot;.

ويزيد قائلاً حول هذه السياسة عينهها إنها quot;جعلت التنقل بين مدينة وأخرى رحلة طويلة شاقة، محفوفة بالمخاطر، بسبب الحواجز المنتشرة في مختلف أرجاء الضفة الغربية، حيث يمارس القهر والإذلال، بحق مواطنين يريدون ممارسة حياة عادية لا أكثر أو أقل، يريدون الوصول إلى أعمالهم، أو اصطحاب أطفالهم إلى المدارس أو الذهاب إلى حقولهم، أو إلى المستشفيات والجامعات والمساجد والكنائسquot;.

رغم هذا الوضع، حمل الرئيس الفلسطيني إلى الأوروبيين صورًا عن الدينامية الديمقراطية التي تشهدها الساحة الفلسطينية في ظل ظروف استعمارية صعبة، مغتنمًا فرصة الدعم الذي يقدم أوروبيًا لكل حركات الربيع العربي، لوضع العنصر الفلسطيني ضمن هذه المعادلة، وعدم تركه على هامش التاريخ يصارع وحده الاحتلال.

دعم أوروبي ولكن...
يقرّ المحلل السياسي أنطوان نوفل في تصريح لـquot;إيلافquot; بأهمية الدور الأوروبي في المعادلة الدولية، معتبرًا المجموعة الأوروبية quot;طرفًا أساسيًا فيهاquot;، ودعمها المطالب الفلسطينية، وخاصة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، يمكن أن يشكل quot;قيمة مضافةquot; برأي محدثنا.

يستحضر نوفل، وهو يتحدث عن أشكال الدعم الممكنة أوروبيًا للقضية الفلسطينية، الوزن الأميركي في أي حل قد يظهر في الأفق، معترفا أن أوروبا quot;لا يمكن لها أن تزعج الولايات المتحدة، إلا أنها قد تمارس عليها نوعًا من الضغطquot;.

انطلاقًا من هذا الواقع، يمكن أن يحصل توافق أوروبي أميركي حتى تحظى فلسطين بوضع متقدم نحو الاعتراف النهائي بالدولة الفلسطينية، كما إن البعثات الفلسطينية في البلدان الأوروبية بإمكانا أن تترقى، بحسب محدثنا، إلى بعثات الدولة الفلسطينية.

والتقارب الكبير الذي لوحظ أخيرًا في علاقة باريس بالمسؤولين الفلسطينيين، ينسجم مع الدور الذي ظلت فرنسا تلعبه في هذه القضية، حيث تعتبر، يقول أنطوان نوفل، quot;في طليعة الدول التي تدعم القضية الفلسطينيةquot;، إلا أنه لم يغفل عن ما أسماها quot;بالعوائقquot; التي تنقص من قوة هذا الدعم حتى يصل إلى أقصى مداه.