صورة مركبة للرئيس الجزائري عبد العزيز بو تفليقة ووزير الدولة وممثله الشخصي عبد العزيز بلخادم

يقرأ خبراء الانقسام الحاصل في الحزب الحاكم الجزائري على أنه مؤشر على احتدام حمى التموقع ومقدمة لترتيبات سلطة الظلّ تحسباً للانتخابات الرئاسية المزمعة في ربيع 2014، في ظل جدل حول موقف الرئيس بو تفليقة ومدى انحيازه لممثله بلخادم، وسط استفهامات حول إمكانية إضعاف هذه الخلافات لنفوذه.


يربط محللون تحدثوا لـquot;إيلافquot; ما يحدث من انقسام في quot;جبهة التحريرquot; الجزائرية، بترتيبات جارٍ تهيئتها على مستوى قمة السلطة، لتحضير مرحلة ما بعد الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، طالما أنّ أحداث سابقة في بيت جبهة التحرير، أثبتت أنها مقياس ضغط الحياة السياسية المحلية، وأي تغييرات في هرمها تؤشر إلى الشوط التالي.

باتت جبهة التحرير منقسمة على ثلاثة أجنحة، يقود الأول الأمين العام الحالي للحزب عبد العزيز بلخادم وزير الدولة، والممثل الشخصي للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، ويحظى هذا الجناح بدعم كبير من وزراء ونواب وأمناء محافظات، رغم تكاثر القلاقل المُثارة هناك.

وظلّ الحزب الأقدم في الجزائر يتعرّض إلى سلسلة عواصف منذ عقده المؤتمر التاسع في مطلع شهر مارس/آذار 2010، على خلفية طعن الغرماء بما يصنفونها بممارسات غير مشروعة لأقطاب هذا الجناح، الذي يتولى قيادة جبهة التحرير.

يتمثل الجناح الثاني في quot;حركة التقويم والتأصيلquot;، التي ظهرت في خريف العام 2010، ويقودها الوزيران السابقان للسياحة محمد الصغير قارة وصالح قوجيل، ويحظى الاثنان بدعم الوزير الحالي للتكوين الهادي خالدي ووزير العلاقات مع البرلمان عبد العزيز خوذري، ووجوه معروفة، مثل عبد الكريم عبادة، وعبد الرزاق بوحارة، وعبد الرشيد بوكرزازة، والعربي زوبيري، وعبد المجيد شريف وغيرهم.

محمد الصغير قارة قائد جناح التقويم والتأصيل

ويقول قارة إنّ جناحه يضمّ عددًا كبيرًا من المناهضين لخط بلخادم، ويستدل قارة باستيعاب حركة التقويم والتأصيل قياديين سابقين وحاليين في الحزب، فضلاً عن قطاع مهم من القواعد.

ويقول قارة إنّ حركة التقويم والتأصيل نشأت ردًا على عدم تطبيق القانون الأساسي والنظام الداخلي من طرف الأمين العام نفسه، الذي يصفه بـquot;الضعيفquot;، رغم أنّه يُفترض أن يقوم الأخير بالسهر على تطبيق القوانين، على حد تعبير قارة، الذي يعلنها صراحة: quot;لو كان الحزب يتوافر على زعيم قوي، لما حدثت أي مشاكلquot;.

ثمة جناح ثالث ظهر حديثًا، يسمّي نفسه quot;الصحوة الوطنيةquot;، ويقوده الضابط السابق في الجيش جمال سعدي، ولم تتسرب أي معلومات عن أتباع سعدي، وما إذا كان بين هؤلاء وجوه بارزة في الحزب، أم إنّ الأمر يتعلق بفعاليات شبابية أو فريق من متقاعدي الجيش.

ينتقد هذا الجناح تورط القيادة الحالية للحزب في ما يصفها quot;ممارسات فساد ورشوة وسلوكيات غير أخلاقيةquot;، وعليه يبدي جمال سعدي عزم حزبه النيل من جناح بلخادم ودفع الأخير إلى رمي المنشفة، كما يدعو مناضلي الحزب quot;العتيدquot; إلى منح أصواتهم لمصلحة أتباعه في تشريعيات أيار/مايو 2012.

في أحدث تعليقاته عما يجري في تشكيلته على مبعدة سبعة أشهر عن الاقتراع البرلماني، سعى بلخادم إلى إطلاق طابع quot;الريعquot; على تحركات مناوئيه، حيث قال بلهجة واثقة: quot;ليس لدى هؤلاء مشروع فكري، مثلما ليست لديهم بدائل جديةquot;، وشدّد بلخادم على أنّ الأمر لا يعدو في النهاية سوى كونه quot;رد فعلquot; من أشخاص غضبوا لعدم استفادتهم من مناصب قيادية في الحزب، ورفضوا أي حوار، رغم أنّ اللجنة المركزية ndash; أعلى هيئة بين مؤتمرين ndash; شرّعت لهم الأبواب للعودة.

بدوره، يسجل محمد بوعزارة القيادي في جبهة التحرير(جناح بلخادم)، إنّ ما يحدث قد يثير لدى البعض أنواعاً من الريبة والشك، لكنّه ينظر لها بمنظار آخر، جازمًا أنّ من تمردوا quot;واهمونquot; إن اعتقدوا أنهم سيزعزعون الحزب على أهبة المواعيد الانتخابية المقبلة، ويُرجع بوعزارة ما يقع إلى نزعة الانتقام لدى البعض لعدم حصولهم على حقائب ومناصب، فضلاً عن انتماء قطاع آخر إلى مجموعة ما بعد 2012.

القيادي الجبهوي محمد بوعزارة

وإذ يفضل الابتعاد عن أي تشخيص، يشير بوعزارة إلى شخصيتين تعملان مع هذا الفريق وذاك، مجرّدًا الجناحين الغريمين من غطاء quot;التصحيحquot;، موقنًا أنّ الأخير تمّ مرة واحدة قبل سبع سنوات، وجرى من خلاله تصحيح مسار الحزب وعقد مؤتمر جامع في كانون الثاني (يناير) 2005 سعى آنذاك إلى إشراك كل ألوان الطيف الجبهوي.

يكشف بوعزارة أنّه شخصيًا انتقد تركيبة المكتب السياسي، لكنه لم يخف قناعته بكون بلخادم quot;شخصية جامعةquot;، مشيرًا إلى أنّ من شقوا عصا الطاعة، أعطيت لهم الفرصة، لكنهم لم يغتنموها، رغم أنّ هؤلاء مكّنهم بلخادم من تبوء أعلى المراتب، وهمفي منظوره quot;أفشل الاشخاصquot; ومرفوضون من ولاياتهم، ويضيف محدثنا: quot;عرفناهم على امتداد تاريخهم بفكر المؤامرة، يبعثون ببيادقهم للتشويشquot;.

عن تأثير الانقسام الحالي على مطامح الحزب للفوز بتشريعيات ومحليات 2012، يستبعد بوعزارة وقوع أي انعكاسات سلبية، مبرزًا: quot;الأكيد أننا سنتعرّض لضربات دعائية مغرضة، لكن لن نخاف على الإطلاق من الشعب، لأنّ مواطنينا أدركوا حقيقة من أرادوا إرسال الجبهة الى المتحفquot;، ويتوقع بوعزارة أنّ ناشطي الجناحين الآخرين تربطهم مصالح آنية، وبمجرد وضع قوائم التشريعيات سيتفرقون واحدًا واحدًا.

يتصور بوعزارة أنّ الجبهويين مدعوون إلى رصّ صفوفهم وتبني خطاب مستقبلي عالي المستوى بعيدًا عن السفاسف، بمنأى عن مزاعم حركة التقويم، ولن يكون من سمّوا أنفسهم quot;التقويميينquot;، بحسب بوعزارة، سوى حلقة مستنسخة من النعجة quot;دوليquot; سيكون مآلهم الموت البطيء، على حد تعبيره، بينما يتوقع مناوئون أنّ الجبهة لو حافظت على وضعها تحت إمرة بلخادم، فلن تنال سوى 30 مقعدًا كحد أقصىفي التشريعيات.

على طرف نقيض، يرفض محمد الصغير قارة متزعم quot;التقويم والتأصيلquot; أن يُفهم خروجه عن خط بلخادم، بكونه يندرج ضمن خانة quot;صراع مواقعquot; أو على أنّه quot;صراع أجيالquot;، ويشدّد قارة علىأنّ القضية في جوهرها قانونية نظامية.

يُرجع قارة جذور الأزمة القائمة إلى عدم تجديد هيئات الحزب بناءً على معايير نضالية ديمقراطية شفافة، بل قامت ndash; بحسبه - على المحسوبية والمحاباة، وحول هذه النقطة، يتهّم قارة غريمه بلخادم بإقصاء كوادر لها تاريخ طويل من النضال في الحزب، وإقحام (غرباء) حضروا كـ(مدعوين) وخرجوا من المؤتمر بصفة قياديين، وهو ما يعتبره quot;خرقًا خطرًاquot; للقانون الداخلي، ويذهب إلى حد تصنيفه في خانة التلاعب، وهو ما يفرض محاسبة الأمين العام ومحيطه.

ترتيبات مرحلة ما بعد بوتفليقة

يرى متابعون أنّ انقسام الحزب الحاكم في الجزائر، مقدمة لترتيبات سلطة الظلّ تحسبًا للمرحلة المقبلة في الجزائر، ووسط هذا الطرح، يثور الجدل حول موقف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة اعتبارًا لكونه الرئيس الشرفي لهذا الحزب، ومدى انحيازه لممثله الشخصي بلخادم، في ظلّ استفهامات حول إمكانية إضعاف هذه الخلافات لنفوذه.

بيد أنّ القيادي الموالي لبلخادم عبد الحميد سي عفيف مقتنع بأنّ بوتفليقة يدعم بلخادم، ولا يزال الأخير يتمتع بثقة الرئيس، مسقطًا القراءة القائلة بتخلي بوتفليقة عن رجل ثقته، أو ما يتردد عن قيام متنفذين بإدخال الجبهة في دوامة مشاكل، لتعبيد الطريق أمام الحزب الغريم quot;التجمع الديمقراطيquot; لزعيمه quot;أحمد أويحيىquot; الراغب في خلافة بوتفليقة.

وخلافًا لما يراه البعض من كون هذا الانقسام حالة فريدة وغير مسبوقة، يشير الخبير السياسي أنيس نواري إلى أنّ الأمر ليس كذلك في جبهة التحرير، التي حفلت ولا تزال بتيارات عديدة على منوال quot;الحمارشةquot; وquot;المهامرةquot; وغيرها.

ويوعز نواري أنّ المعركة، التي تدور بين الجبهويين، تتعلق بحرص شديد على التموقع وفك مراكز نفوذ تحسبًا للمرحلة المقبلة، ويرى أنّ ما يحدث لـquot;جبهة التحريرquot; هو محض طبخة على نار هادئة لمرحلة ما بعد quot;بوتفليقةquot;.

وعن تداعيات هذا الخلاف على قوة حزب الغالبية والنظام الحاكم، يُلفت نواري إلى أنّ الحزب الحاكم في الجزائر تعوّد على حدوث رجّات عشيةكل المواعيد الحاسمة، وآخرها ما حصل في صيف 2003، حيث انقسم الحزب إلى فصيلين، بعد الصدام الذي حصل بين الرئيس بوتفليقة ورئيس حكومته آنذاك علي بن فليس، إثر ترشح الأخير لرئاسيات 2004.

يذهب كمال عمارني، الخبير في شؤون جبهة التحرير، إلى أنّ الأخيرة بطبيعتها معرّضة إلى هذه الهزات لأنّها حزب/جهاز، فهي حزب السلطة، ما جعلها عرضة لزوابع وتحولات منذ ثورة التحرير (1954 ndash; 1962)، وما حصل في سنوات 1957، 1962، 1965، 1979، 1988، 1992، 1997، 2003 و2011، يؤكد هذا الطابع/النسق.

الخبير السياسي عابد شارف

يجزم عمارني بكون رغبة الجبهويين في التموقع هي اللحن القائد عشية كل موعد سياسي مهم، ويعزو عمارني صمت الرئيس بوتفليقة بـquot;رغبته في عدم اتخاذ موقفquot;، مثلما يقرأ ترخيص السلطات لجناح quot;التقويم والتأصيلquot; بعقد اجتماع قبل عشرة أيام بكون ذلك quot;إنذارquot; من بوتفليقة لبلخادم، احتكامًا لانزعاج حاكم البلاد من معلومات تفيد نية بلخادم للترشح إلى رئاسيات 2014.

من جهته، يشير عابد شارف الخبير في الشأن السياسي الجزائري، إلى أنّ ما يجري في جبهة التحرير راجع إلى انعدام التسيير الديمقراطي من لدن القادة والكوادر، ومحاولة هؤلاء التقرب من السلطة الحقيقية عبر الوجود في قيادة الحزب، ما يفتح الباب للوصول إلى السلطة.

ويوضح شارف أنّه من الواضح استعداد الجزائر في الوقت الحالي لانتخابات رئاسية، مسجلاً أنّ الانتخابات البرلمانية ستكون مرحلة ثانوية لقادة الدرجة الثانية، في حين سيتبارز مسؤولو الخط الأول على الرئاسيات، ومن يمكنه الترشح أو لعب أدوار مفصلية في ذاك الاقتراع، وهذا (الاقتتات) هو الذي يحرك المشهد الجبهوي.

ورفض كل من كريم طابو السكرتير الأول للقوى الاشتراكية (حزب أمازيغي معارض) وجمال بن عبد السلام رئيس الحزب المعارض الناشئ حديثًا (الجزائر الجديدة)، الخوض في انشقاقات جبهة التحرير بمبرر quot;عدم جواز الحديث عن الشؤون الداخلية للأحزاب، حتى ولو تعلق الأمر بتشكيلة الغالبيةquot;.