ترى تقديرات عديدة أن التدخل العسكري الأميركي في ليبيا في ظل الجدل القانوني مع الكونغرس سيكون له عواقب في مواجهة الأزمات الإنسانية في المستقبل، كما هو الحال في سوريا حيث إن الصين وروسيا تعرقلان جهود مجلس الأمن في فرض عقوبات قاسية.


اوباما قرر المضيّ في العملية العسكرية رغم معارضة مستشاريه العسكريين الكبار

يدور جدل كبير في أروقة الإدارة الأميركية حول مدى قانونية التدخل العسكري الأميركي في الثورة الليبية، وفي ظل اعتبار البعض أن القرار بالتدخل كان خاطئاً، ويرجّح أن يمتنع مجلس الأمن من اتخاذ قرارات مشابهة، وهو نبأ سيئ بالنسبة إلى السوريين الذين يطالبون بحمايتهم من بطش نظام الرئيس بشار الاسد.

مع انتهاء الثورة الليبية بمقتل العقيد معمر القذافي، ينظر الكثيرون إلى أسلوب باراك أوباما في التعاطي مع الثورة الليبية على أنه نجاح في السياسة الخارجية لواشنطن، ويعكس جرأة سياسية غير مسبوقة للرئيس الأميركي. لكن هذا الرأي لا يلقى تأييداً واسعاً حيث يراه البعض تخطياً لصلاحيات الرئيس من دون موافقة الكونغرس.

في هذا السياق، اشارت صحيفة الـ quot;فورين بوليسيquot; إلى أن سكرتيرة الرئيس الأميركي للدفاع والمستشارين العسكريين الرئيسين في إدارته كانوا ضد العملية العسكرية الأميركية على ليبيا، في حين اعتبر العدد الأغلب من الجمهوريين أن دور الجيش الأميركي يجب أن يكون أكثر قوة، إسوة بالتدخل العسكري في العراق.

لكن أوباما قرر عدم الأخذ بكلا الرأيين، واختار بدلاً من ذلك ان تبذل أميركا جهداً مدروساً بعناية عبر دعم الحلفاء الرئيسيين للتمكن من دعم الانتفاضة الشعبية للإطاحة بالديكتاتور الليبي.

في النهاية، لم يكلف التدخل العسكري الإدارة الأميركية خسارة في أرواح الأميركيين، بل أدّى إلى تكلفة مادية بلغت نحو 2 مليار دولار. وبالمقارنة مع التكاليف والنتائج المشكوك فيها في كل من العراق وأفغانستان، يبدو أن الحملة العسكرية الأميركية على ليبيا تبدو فكرة عبقرية!

وأشارت صحيفة الـ quot;فورين بوليسيquot; إلى أن قرار التدخل الأميركي في ليبيا يجب أن يكون مقرراً على مستويين شرعيين منفصلين.

المستوى الأول داخلي، وينطوي على التفاعل الدستوري بين السلطة التنفيذية والكونغرس في مجال قوى الحرب. ويمكن تقسيم الفكر القانوني الأميركي حول أدوار لُعبت من قبل الكونغرس والرئيس إلى ثلاثة آراء.

الرأي الأول، الذي تؤيده أكثرية المحافظين وعلماء الدستور، يشير إلى أن الرئيس لديه السلطة للرد على هجوم على بلده أو اتخاذ خطوات عاجلة للدفاع عن البلاد، ولكن هذا يتم بموافقة الكونغرس على استخدام الولايات المتحدة للأسلحة في الأعمال العدائية في الخارج على أساس أكثر استدامة.

الرأي الثاني، الذي يؤيده الليبراليون، يقترح أن الثورة في ليبيا كانت صراعاً قصير الأجل ولا تتطلب موافقة أو استشارة الكونغرس، لأن الرئيس يمكنه أن يتصرف بشكل أحادي عندما تتعلق المسألة بالاهتمامات الوطنية التي لا تصل إلى مستوى الحرب بالمعنى الوارد في الدستور.

أما الرأي الثالث، فيشير إلى سوء الفهم للنظام الدستوري وأن الرئيس لديه دائماً سلطة للتصرف من جانب واحد.

مضى الرئيس الأميركي باراك أوباما قدما في الغارات الجوية على ليبيا من دون مصادقة الكونغرس عليها. وعلى الرغم من الآراء المناهضة لهذه الحملة من قبل وزارة العدل وقانونيين في وزارة الدفاع (البنتاغون)، استند أوباما إلى آراء بعض كبار القانونيين في الإدارة الأميركية الذين يعتبرون أن المشاركة الأميركية في العمليات الجوية ضد نظام القذافي لا تشكل أعمالاً عدائية ولا تستلزم بالتالي قراراً من الكونغرس.

على الأرجح أن أوباما كان يستطيع أن يؤمن موافقة الكونغرس على العمليات العسكرية الاميركية في ليبيا، غير أنه اختار ألا يفعل. وبدلاً من ذلك، اعتمد على مذكرة وضعها القائم بأعمال مكتب المستشار القانوني في وزارة العدل كارولين كراس.

فشل الكونغرس في الدفاع عن امتيازاته إما عن طريق الموافقة على الحملة أو رفضها بصراحة، فتحولت هذه المسألة إلى جدال آخر حول صلاحيات اتخاذ القرارات التنفيذية في الأعمال الحربية، وكانت دليلا على ضعف سلطة الكونغرس في التعامل مع الصراعات الخارجية.

واشارت الـ quot;فورين بوليسيquot; إلى أن إحدى القضايا الجدلية في مسألة التدخل الأميركي في ليبيا، هي ما إذا كان إطلاق الصواريخ من الطائرات بدون طيار يعد من الأعمال العدائية، مشيرة إلى أن الرئيس الأميركي يمكنه تجاهل نصيحة مكتب المستشار القانوني، غير أنه نادراً ما يفعل ذلك.

وذكرت الصحيفة أن قانون الكونغرس 1973 يحظر على الجيش الانخراط في أعمال عسكرية تمتد أكثر من 60 يوماً من دون تصريح الكونغرس، بالإضافة إلى تمديد لفترة 30 يوما، مضيفة أن الرئيس الأميركي تلقى المشورة القانونية واستند إلى قرار سلطات الحرب وأن القانون منذ صدوره عام 1973 يعد مادة خصبة للجدال.

التدخل العسكري الأميركي في ليبيا في ظل الجدل القانوني مع الكونغرس سيكون له عواقب في مواجهة الأزمات الإنسانية في المستقبل، كما هو الحال في سوريا حيث إن الصين وروسيا تعرقلان جهود مجلس الأمن في فرض عقوبات قاسية، وترفضان اي تدخل خارجي من أجل عدم تكرار ما حدث في ليبيا.

بدأت عمليات الناتو في ليبيا كدليل على ضرورة استخدام القوة العسكرية لحماية المدنيين، لكن الامور تطورت بسرعة لتتحول إلى تدخل في تغيير النظام. ورجحت الصحيفة أن ما حدث يرجح أن مجلس الأمن لن يتخذ قراراً بتبني عملية عسكرية أخرى لحماية المدنيين في وقت قريب، وهذا هو النبأ السيئ للشعب السوري في دمشق وحماة.