يرى متابعون أنّ النماذج السياسية الجديدة التي ستعقب ثورات الربيع العربي في كل من تونس ومصر وليبيا ستكون مختلفة عن النموذج الإيراني المتشدّد، الذي أراد الكثير من الإسلاميين سابقًا إتباعه، لكنّ تلك المحاولات فشلت، ويبدو أنّ النموذج التركي هو الأقرب إلى التحقيق.


أنصار حزب النهضة التونسيّ يحتفلون بالفوز في الانتخابات الأخيرة

بيروت: على الرغم من المخاوف التي يعبّر عنها الكثير من المحللين والسياسيين، من تشكيل أنظمة حكم إسلامية متشددة ذات توجه عقائدي في الدول العربية التي شهدت الثورات الشعبية، يبدو أن كل المؤشرات تؤكد أن ذلك لن يحدث، وإلا سيصدم الاسلاميون بالواقع، وسيجدون أنفسهم خارج اللعبة تماماً.

في هذا الإطار، تناولت صحيفة الـ quot;غارديانquot; البريطانية النماذج السياسية الجديدة في كل من تونس ومصر وليبيا، مشيرة إلى أن الكثير من الاسلاميين أرادوا التماهي بالنموذج الايراني، مشيرة إلى أن هذه المحاولات فشلت، وأن النموذج التركي هو الأقرب إلى التحقيق.

حلم الكثير من الإسلاميين المتشددين في بادئ الأمر بتبني النظام الإيراني في دولهم، غير أن الدلائل والمؤشرات، سواء في مصر أو تونس أو ليبيا، تؤكد أن النموذج التركي هو الأقرب للتطبيق في المنطقة، أي التعامل بمنطق السياسات الواقعية، وأن تصبح المبادئ الإسلامية مرشدة للسياسات، ولا يتم فرضها وتطبيقها على المجتمع بشكل عقائدي بحت.

وأشارت الصحيفة إلى أن حزب النهضة التونسي ذا التوجّه الإسلامي وصاحب نصيب الأسد في الانتخابات الأخيرة حرص منذ البداية على أن يظهر بمظهر الوسطية المعتدلة، وحتى جماعة الأخوان المسلمين في مصر تفضّل التعامل بواقعية مع الأمور، وكثيراً ما تطرقت إلى العديد من الملفات الشائكة بانفتاح كبير.

وعلى الرغم من أن المؤشرات تدل على أن الأحزاب الإسلامية صاحبة الكلمة العليا في هذه الدول، إلا أنها لن تضمن الغالبية الكاسحة في الانتخابات العامة، بما يمكنها من فرض برامجها، كما إنها لن تستطيع أن تجرّ المجتمعات إلى أي توجه عقائدي، ولن تتمكن من تسيير الأمور إلا بالاتفاق مع العلمانيين والليبراليين والقوميين وكل التوجهات الموجودة، وبالتالي فلا سبيل أمامهم إلا الإعتدال والوسطية.

الأمر المطمئن أيضاً هو أنه لايمكن لهذه الأحزاب أو المجتمعات أن تستغني عن الغرب وتعزل نفسها، نظراً إلى الروابط الاقتصادية المتمثلة في الاستثمارات والسياحة وغيرها من أوجه التعاون الحتمي.

واعتبرت الـquot;غارديانquot; أنه لا يمكن أن ينسب نجاح الثورات في المنطقة إلى الإسلاميين، حتى إن ظهرت الأحزاب والجماعات الإسلامية كرابح أكبر من هذه التحولات، فلم تكن تلك الأحزاب والجماعات في بادئ الأمر هي المحرك للثورات، ولكنها استفادت منهالاحقاً.

وأشارت الصحيفة إلى أن قادة هذه الجماعات يدركون متطلبات واهتمامات الشعوب ولذلك فهم أكثر واقعية في ما يعلنونه من برامج تتسم بالانفتاحية. لكن هذا لا يعنى أن الإسلام سيكون غائباً عن نظام الحكم أو السياسات التي ستنتهج في المنطقة، فهناك العديد من التغيرات التي ستطرأ على أنماط الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة، وستصبغ هذه الأنماط بصبغة إسلامية، إنما بدون تشدد أو ترسيخ لمبادئ عقائدية أيدولوجية، مثل منع الخمور أو تعديل أنظمة الفائدة المصرفية على الودائع والقروض.

وخلصت الصحيفة إلى أنه يجب النظر إلى فترة ما بعد حكم الإسلاميين على أنها مرحلة تشكيل ملامح سياسات الشرق الأوسط للعقدين المقبلين على الأقل، ويجب ألا يُنظر إليها على أنها مرحلة خطرة، بل على الغرب أن يفتح مجال الحوار من أجل تبني المزيد من التوجهات الديمقراطية واستغلال الفرصة لنقل المنطقة إلى وضع أفضل.