بانو: ليس ما يخيف المقاتل الطالباني الباكستاني طارق وزير أكثر من الطائرات الأميركية بدون طيار، التي تعد نذير موت محدق، لا تراه العين المجردة، والتي تعتبر الدليل الساطع على سيطرة أميركا على الأجواء.
ففي كل مرة يسمع ازيزًا اشبه بأزيز النحل، يتملكه الخوف، ويتذكر كيف انقضت الصواريخ على عشرين من رفاقه، فلم تبق منهم شيئًا من دون ان يعرفوا من اين جاءت تلك الصواريخ، لتستهدفهم في قلب المناطق القبلية الباكستانية.
ولّت ايام الاتصال بالهاتف والتنقل بحرية، بل بات الطالباني يمضي أيامه متخفيًا من مخبأ إلى مخبأ، يؤدي الصلاة، ويقرأ الصحف، ويتحرك تحت جنح الظلام محاولاً النجاة بنفسه. فقد أتيحت الفرصة هذا الأسبوع لصحافي من فرانس برس للاطلاع على الحياة اليومية لمجموعة من طالبان باكستان، متنقلاً معهم لمدة اربعة ايام بين المخابئ في شمال وزيرستان.
ووجّهت الدعوة إلى صحافي فرانس برس وثلاثة صحافيين آخرين لإجراء مقابلة مع رئيس الفصيل حكيم الله محسود أو مع quot;زعيم طالباني بارز آخرquot;، غير أن المقابلة لم تجر بسبب ما وصفته طالبان بأسباب امنية. وبدلاً من ذلك، امضى الصحافيون طيلة لياليهم في التنقل من مكان الى مكان، حيث يستريحون نهارًا في بيوت من الطوب اللبن فيها مياه جارية ومراحيض، يتناولون الطعام الذي أعد حديثًا والمشروبات الغازية.
لقد كانت عملية لوجيستية معقدة نسبيًا تظهر لأي مدى تمتد جذور طالبان في شمال وزيرستان، حيث قاوم الجيش الباكستاني الضغوط الاميركية للقيام بحملة شاملة على المسلحين هناك.
وبدا واضحًا حماستهم للقتال، وبغضهم للولايات المتحدة والحكومة الباكستانية المتحالفة معها، غير أن لحظات اخرى اقل وطأة كانت تمضي من قبيل الاستدفاء تحت اشعة الشمس في ساحات الديار وقراءة الصحف باللغة الاوردية للإطلاع على الاحداث، والاستماع الى اناشيد الجهاد من اشرطة المسجلات.
خلال السنوات الثلاث الماضية، نفذت الولايات المتحدة 236 ضربة بطائرات بدون طيار في باكستان، اسفرت عن قتل 1767 شخصًا على الاقل، ويعترف مقاتلو طالبان على الارض أن تلك الضربات كبدتهم خسائر كبيرة، وتركت أثرًا هائلاً على حياتهم.
ويقول وزير، وهو قائد في شمال وزيرستان، رفض الكشف عن اسمه الحقيقي، quot;فقدت 20 من إخواني في هجمات الطائرات بدون طيار. انها الخطر الأاكبر الذي يتهددناquot;. ويضيف quot;لقد أدت إلى تقييد حركتنا، وبات يتعين علينا اتخاذ الكثير من الحيطة قبل التنقل من مكان الى اخر، كما نتجنب استخدام الهاتفquot;.
ورغم توقف الضربات الصاروخية منذ السابع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر لم يتم التراخي في الاحتياطات المتخذة. ونقلت مطبوعة ذا لونغ وور (الحرب الطويلة) عن مسؤولين في الاستخبارات الاميركية قولهم إن الهجمات quot;معلقة حاليًاquot; حتى لا تتوتر العلاقات أكثر مع إسلام آباد، بعد الضربة الجوية للحلف الأطلسي، التي قتلت 24 جنديًا باكستانيًا في السادس والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر.
فباكستان ردت على الضربة بوقف إمدادات الحلف الاطلسي عبر أراضيها، وطرد عناصر اميركية من قاعدة شمسي الجوية، التي يتردد انها شهدت انشطة مكثفة تتعلق بعمليات الطائرات بدون طيار، التي تسيرها وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي إيه)، وأن غالبية تلك الطائرات كانت تنطلق من القواعد الاميركية في افغانستان المجاورة.
كما يؤكد المسؤولون الباكستانيون ايضًا ان هناك توقفًا مؤقتًا في الهجمات بتلك الطائرات، غير أن شهود العيان يتحدثون عن طلعات استطلاعية لا تتوقف. ولا يختلف مقاتلو طالبان في ملبسهم عن اي رجل في المناطق القبلية، وهم يحملون الكلاشنيكوف أينما ذهبوا، فضلاً عن المسدسات تحت المآزر التي يأتزرون بها، واحيانًا يحملون القنابل اليدوية. ولباسهم يتمثل في قميص تقليدي فضفاض يصل إلى الركبة، وصديريات وسراويل واسعة، يخفون في طياتها السلاح.
ومعظم مقاتلي طالبان تتراوح اعمارهم بين الثانية والعشرين والثانية والأربعين، وجميعهم ملتحون، وينادون بعضهم البعض بأمير صاحب، كعلامة على الاحترام، على الأقل في وجود الصحافيين. ومع حلول الظلام، يأخذون في التحرك، ويتنقلون بين السبل المهجورة بعيدًا عن أعين المخبرين، يختارون مسيرهم بحرص بالغ في الظلام، ولا يستخدمون بطاريات الإضاءة الصغيرة إلا في حالات الضرورة وللحظات فقط.
لجأ المسلحون إلى دار من الطوب اللبن (الطين) على مستوى الأرض، حيث يتوافر شيء من الدفء بسبب الأغطية الصوفية والسجاجيد الأفغانية. ولا تشاهد النساء أو الاطفال قط. ويحضر المسلحون طعامهم بأنفسهم، يجمعون الحطب من الجبال، ويحتسون الشاي الأخضر، ويقدمون مشروبات غازية من ماركات معروفة أحيانًا لمن يرافقهم.
كما يتناولون الحلوى المحلية، وكميات من لحوم البقر والضأن والدجاج مع الأرز والبطاطا والخضر. كما تتوافر لديهم الفاكهة المجففة والمكسرات.
وما إن قرأ احد الطالبانيين نبأ ما تردد من إعلان إيران إسقاطها طائرة بدون طيار ار كيو-170 سنتينل، التي تشبه في شكلها الوطواط، حتى قفز فرحًا قائلاً quot;أترى! إيران أجبرتها على الهبوط!، لما لا تفعل حكومتنا ذلك؟، لأنهم يحصلون على الدولارات، باعوا باكستان للأميركيين!quot;، حسبما رد آخر. ومنبع كرههم للحكومة الباكستانية يعود إلى العلاقة، المتأزمة بين الحين والآخر، بين إسلام آباد وواشنطن.
وقد انتهجت باكستان لهجة أكثر تشددًا تجاه واشنطن مع التوتر المتفاقم بين البلدين منذ الغارة الاميركية، التي قتلت اسامة بن لادن في عمق باكستان في ايار/مايو، ما ربط بعض المحللين بينه وبين تراجع في هجمات المسلحين. وقال وزير مبتسما quot;كلما توترت باكستان مع أميركا، هدأ الوضع هناquot;، في اشارة الى هدوء ضربات الطائرات من دون طيار.
وقال عدد من المقاتلين لفرانس برس إن التشدد والتسلح سمة في الأسرة، فقد قال حبيب الرحمن محسود إنه نجا من ضربتين بالطائرات بدون طيار، وقال إن والده وعمه قتلا في الحرب ضد السوفيات في منتصف الثمانينات في افغانستان. وفرّت أسرته بكاملها من هجوم عسكري باكستاني في 2009.
وقال quot;نعم الطائرات بدون طيار هي التهديد الرئيس لنا، ولكن باكستان تقدم كل المعلومات للأميركيين ايضاquot;. وأوضح مجيب الرحمن، 25 عامًا، وهو مسلح آخر من طالبان، أنه فقد أخاه الاكبر في ضربة بطائرة بدون طيار في منطقة مير علي بوزيرستان في 2010.
وقال عبد السلام، الذي يأتي من منطقة قرب ميران شاه عاصمة شمال وزيرستان، أن أخاه وأخته وأباه قتلوا في ضربة بطائرة بدون طيار في 2009. وقال انه اراد ان يذهب الى افغانستان، ويقاتل الاميركيين، الذين قتلوا اسرته. واضاف quot;الجهاد فرض عليّ في المقام الاول، بعده يأتي الثأر لأسرتيquot;.
التعليقات