الأنبا أنطونيوس عزيز مينا مطران الجيزة والفيوم وبني سويف

حذر الأنبا أنطونيوس عزيز مينا مطران الجيزة والفيوم وبني سويف من لهجة الخطاب المتشدد التي تخرج من بعض التيارات الإسلامية، مطالبًا بتغييرها، طالما يريدون العمل في السياسة، وأوضح أنالمجلس العسكري حريص على حماية الثورة، لكن مشكلته أن ليست لديه الخبرة السياسية لقيادة البلاد، مما تسبب في وقوعه في أخطاء.


أبدى الأنبا أنطونيوس عزيز مينا مطران الجيزة والفيوم وبني سويف ترحيبه بصعود التيار الإسلامي في مصر، مطالبًا باحترام اختيارات الشعب، الذي رسم لوحة مشرفة نحو إصراره على حقه في ممارسة الديمقراطية، التي كان يحلم بها.

وحذر في مقابلة مع (إيلاف) في الوقت نفسه من لهجة الخطاب المتشدد، التي تخرج من بعض التيارات الإسلامية، مطالبًا بتغييرها، طالما يريدون العمل في السياسة وتحمّل المسؤولية، وإلا سيكون لصندوق الانتخابات وميدان التحرير رأي آخر. وأبدى تأكيده على سعي المجلس العسكري إلى تسليم السلطة بعد وقوعه في أخطاء سياسية في إدارة الفترة الانتقالية نظرًا إلى عدم خبرته السياسية في إدارة شؤون البلاد، المزيد مما كشفه الأنبا أنطونيوس في الحوار الآتي.

bull; تأتي احتفالات أعياد الميلاد هذا العام بعد ثورة 25 يناير، فهل هناك اختلافات يشعر بها الأقباط عن الأعوام الماضية؟
بالتأكيد هناك اختلاف، بعدما زرعت ثورة 25 يناير المجيدة روحًا جديدة نحو الإحساس بالحرية، ووصول الحقوق إلى أصحابها، لكننا نحتاج الصبر من أجل تحقيق المزيد مما نأمله، حيث من الصعب تحقيق كل شيء في يوم واحد، فالهدم سهل، ولكن البناء هو الأصعب بعد سنوات من الخراب، ونحن أقباط مصر نشعر بالتفاؤل، ويكفي ما حدث من ديمقراطية في الانتخابات.

bull;هل ثورة 25 يناير جاءت في مصلحة الأقباط وسعدوا بقيامها؟
بالتأكيد، وإلا لم يشارك فيها الأقباط مثل المسلمين، فنحن باركنا الثورة منذ البداية، وكان للأقباط دور في اندلاع شرارة الثورة، والدليل صورة المسلمين والأقباط في الميدان، التي عبّرت عن عظمة هذا الشعب ووحدته، ولم نر أحدًا يبحث عن مصلحته الشخصية، فما يضرّ البلاد حاليًا أن كل شخص يبحث عن مصلحته الشخصية، فتحول 80 مليون مصري إلى خبراء في السياسية.

bull;ولكن لماذا حدث من تفكك بين المسلمين والأقباط بعد الصورة الجميلة التي ظهرت في الميدان إبان ثورة 25 يناير؟
السبب أنه بعد الثورة، بدأ كل واحد يبحث عن مصلحته ونصيبه من (الكعكة)، فالأقباط والمسلمون أصبحوا يبحثون عن حقوقهم، ونسوا أنهم مصريون، وهذا خطأ كبير وقعوا فيه، بل أصبحنا الآن نخوّن بعضنا بعضًا، وهذا لا يمنع من وجود جهات داخلية وخارجية من مصلحتها ألا تكون مصر دولة عظمى، ولها كيانها في المنطقة، ونحن نعطي لها الفرصة للدخول بيننا واستغلال توتر العلاقات بين المسلمين والأقباط والنفخ في هذا الملف.

bull;لكن هل ترى أن العلاقات بين المسلمين والأقباط وصلت إلى طريق مسدود؟
من قال هذا؟... فهناك الكثير من عقلاء الوطن، الذينيرفضون كلمة فتنة طائفية، بل لا يعترفون بها من الأساس، ويكفي أن في موقعة ماسبيرو كان المسلمون هم أول من حموا الأقباط ضد البلطجية.

bull;هل هدم الكنائس تسبب في إشعال فتيل الأزمة بعد الثورة؟
ليس هدم الكنائس هو السبب، فهناك تراكمات، ولكن تكرار هدم الكنائس يرجع في الأساس؛ إلى عدم وجود محاسبة لمن ارتكب هذا العمل، وأنا لا أوافق على قيام الجيش بتحمّل بناء الكنائس على نفقته، فنحن نتحمّلها من أموال المسلمين والأقباط، ولكن بدلاً من ذلك، كان عليه محاسبة من فعل هذا الإجرام، فسياسة (الطبطبة) لن تنفع بعد اليوم، ولو تمت محاسبة المسؤول عن أول هدم كنيسة، لما تكرر الفعل نفسه مرة أخرى، ونحن نطالب بتطبيق القانون على الجميع من دون استثناء.

bull;هل تحولت الفتنة الطائفية إلى ملف سياسي في يد نظام مبارك؟
هذا ما اتضح لنا بعد زوال هذا النظام، فنحن كنا في غفلة عن ذلك، بدليل قيام الأمن بتنظيم حوادث إرهابية، كما حدث في الإسكندرية، وذلك من أجل لهو الناس عن فساد النظام، وبالتالي ضمان استمراره لأطول فترة ممكنة على الكرسي، ولابد من الانتباه إلى ما كان يحدث من قبل، وكان يتوحب على القائمين على السلطة بعد الثورة الكشف عن هذه الحقائق، ومحاسبة من كان يستغل الفتنة الطائفية كملف سياسي لخدمة النظام.

bull;هل الشعب المصري فقد ثقافة الترابط بين الأقباط والمسلمين؟
هذا ما حدث بالفعل، فنحن نعاني أمّية دينية وتربوية، وهذا يرجع إلى التعليم والتربية في المنزل، فالشعب المصري الآن في انحدار ثقافي وتربوي، أدى إلى ما نحن فيه الآن من جهل، والذي تسبب في التطرف ضد الآخر.

bull;هل المؤسسة الدينية مسؤولة عن ذلك؟
لا أعتقد أن المؤسسة الدينية مسؤولة عن ذلك، فالكنيسة والمسجد عملا ما عليهما، ولكنني أرى أن المجتمع تفكك بسبب الأنانية، فالأسرة تفككت، وفقدنا وجود القدوة الحقيقية للشباب، فالعلاقة بين الأقباط والمسلمين كانت في مجدها قبل ثورة (52) بسبب وجود من يحمل ثقافة المواطنة الحقيقية، مثل الشيخ رفاعة الطهطاوي، والإمام محمد عبده، وطه حسين.

bull;هل الثورة حققت أهدافها التي من أجلها قامت؟
أن لا أرى ذلك، فالشباب الذين قاموا بالثورة، قاموا بها، ووقفوا يتفرجون عليها، ولكن من يمسك بالسلطة حاليًا ليس له دخل بالثورة، والقائمون على حكم البلاد حاليًا ليست لديهم روح الثورة، فهم يسبحون في ظل النظام والفكر السابق، وهناك أناس استغلت الثورة وركبتها، والغريب أن المغزى الأساسي لقيام ثورة 25 يناير هو توفير عدالة اجتماعية، وحرية، والقضاء على البطالة، ولم يتحقق منها شيء حتى الآن إلى حد كبير؛ بسبب أن الثورة لم يكن لها صاحب يقودها حتى النهاية.

bull;هل المجلس العسكري حريص على نجاح الثورة؟
بالفعل المجلس العسكري حريص على حماية الثورة، ولكن مشكلته أنه ليست لديه الخبرة السياسية لقيادة البلاد، مما تسبب في وقوعه في أخطاء، ولكن ما يؤخذ عليه أنه لا يعترف بأخطائه،ولايعتذر عنها، وأنا أستبعد طمع المجلس العسكري في السلطة والمماطلة في تسليمها، والحديث عن تورّطه في تدبير أحداث التحرير الأخيرة أمر مستبعد نهائيًا، لأنه من غير المعقول أن يخوّن مصري بلده، فما بالنا بالجيش الذي يشهد له التاريخ بحماية تراب البلد، ولكن هذا لا ينفي تورّط الجيش في أعمال عنف، وسحل للثوار، وتعامله مع الأزمة بشكل خاطئ، رغم اعترافنا بأن الاعتصام، وتعطيل مصالح المواطنين أمر مرفوض.

bull;كيف ترى تحذيرات المجلس العسكري بوجود أياد تخريبية لا تريد الخير لمصر؟
أنا لا أومن بهذه التحذيرات، وأرفض سياسة التخوين، وإذا كان هناك من يلعب في أمن البلاد، فلماذا لم يتم الكشف عنه؟، وهو أمر من السهل تحقيقه، ولكن رغم هذه التحذيرات لم نر أحدًا تم القبض عليه ومحاكمته، فقد قيل هذا الكلام إبان الاعتداء على السفارة الإسرائيلية، وتكرر في أحداث التحرير، والأجهزة الأمنية لديها صور لمن قاموا بإشعال هذه الأحداث، ولكنها تتبع سياسة (الطبطبة) وعدم تطبيق القانون، مما تسبب في عدم احترام البلطجية للقانون.

bull;هل قانون البناء الموحّد سوف يكون سببًا لوأد الفتنة بين المسلمين والأقباط؟
نحن لسنا في حاجة إلى قانون بناء الكنائس، فلابد أن تكون شروط بناء الكنائس مثل غيرها من اشتراطات بناء المدارس، والمحال التجارية، فلتكن بناء الكنائس مفتوحة طالما توافرت لبنائها شروط التراخيص من دون تحديد مسافات وعدد السكان، ومن غير المعقول أن يتم إنفاق ملايين الجنيهات على بناء كنيسة من أجل (50) مسيحي في قرية على سبيل المثال.

bull;لماذا تبتعد الكنيسة عن ممارسة الدور السياسي الملموس؟
الكنيسة على المستوى السلطة الكنائسية ليس من أهدافها العمل السياسي، ولو انشغلت بهذا الأمر فسوف تضرّ بالعمل الديني، ولكن من يقوم بالدور السياسي هم الأقباط، والشباب، وأنا أعيب على الكنسية دخولها في بعض الأحيان العمل السياسي والسماح للأقباط بالتظاهر أمامها، ومطالبة التدخل في بعض القضايا السياسية التي تعرّض لها الأقباط، وكان يفترض عليها رفض ذلك، ومطالبة المتظاهرين باللجوء إلى الوزير المسؤول، وللمرة الأولى أجد شباب الأقباط يسلكون الطريق الصحيح في طلب حقهم عندما تجمعوا أمام محافظة الجيزة إبان حادث كنيسة العمرانية، ولكننا تعودنا كلما يحدث شيء أن نذهب إلى الكنيسة، ونطالب بتدخّل البابا وشيخ الأزهر، رغم أنهما ليس لهم دخل في ذلك، وقد يكون تداخلهما من واجب التعاطف، وليسا مجبرين من قبل النظام كما كان يقال.

bull;هل هناك مخاوف حقيقية لدى أقباط مصر من صعود التيار الإسلامي؟
لا، وأهلاً وسهلاً باختيارات الشعب، وصندوق الانتخابات، طالما نريد الديمقراطية، بشرط ألا تكون الانتخابات مزوّرة، ومن يقول عكس ذلك فهو يضحك على نفسه، فهناك البعضالذي قال: نحن انتخبنا الإسلاميين، من أجل ميولهم الدينية، فهذا تفكيرخاطئ، والديمقراطية ليست صندوق الانتخابات فقط، ونحن في سنة أولى ديمقراطية، وعندما تزال رموز المرشحين في نطاق التصويت، نكون قد وصلنا إلى مراحل متقدمة جدا من ممارسة الديمقراطية الحقيقية، ولابد من إعطاء الفرصة للإسلاميين، فسوف يخطئون لو فصلوا تيارًا معينًا بالمجتمع عنهم، فلا بد من السعيإلى عمل يتوافق مع كل فئات المجتمع المصري، وأنا شخصيًا سعدت لمبادرة حزب الحرية والعدالة بزيارة الكنيسة للتهنئة بأعياد الميلاد.

bull;هل وصول الإسلاميين إلى السلطة سوف يغير من توجههم الفكري والسياسي نحو المجتمع؟
بالتأكيد الوصول إلى السلطة يحتم على المسؤول تغيير فكره بما يتواكب مع منصبه، ومصلحة البلاد، ومن هنا سوف نرى من الإسلاميين تغييرًا كبيرًا بعد وصولهم إلى البرلمان والحكم، وإلا سيكون أمامنا النزول إلى ميدان التحرير، ولن يستطيع أحد بعد اليوم كتم الأفواه وسلب الحريات، فالتيار الإسلامي ليس أمامه سوى توصيل رسائل مطمئنة إلى الشارع، وإلا سيكون لصندوق الانتخابات رأي آخر، وليس أمامنا سوى النزول إلى ميدان التحرير.

bull;بما تفسر (الزوبعة) التي تنتاب المسيحيين من صعود التيار الإسلامي؟
هم لديهم تخوف فقط من الخطاب الديني المتشدد من جانب البعض، وقد يكون بسبب أن ممارسة الديمقراطية أمر جديد علينا، وفي إطار سياسية التخوين التي تنتاب بعضنا البعض؛ نشأت هذه (الزوبعة) إلى جانب أن الخطاب الإسلامي حتى الآن غير مشجع ومطمئن. فطوال الوقت يتحدث عن الحجاب، وشرب الخمر، وليس المسيحيون هم الذين يخافون، بل إن التيار الإسلامي المعتدل لديه تخوف أيضًا، وأنا أخاف من أن يأتي يوم يصل فيه الخطاب الديني المتشدد من قبل الإسلاميين إلى تحريم التنفس في مكان يجمع المسلمين والأقباط.

bull;ولكن هناك خطاب متشدد آخر من قبل رجال الدين المسيحيين الذينيسيئون إلى الإسلام والمسلمين؟
الخطأ الأكبر سكوت الكنيسة على الرد على من أساء إلى الإسلام من الأقباط، والأمر نفسه بالنسبة إلى الأزهر، فقد ترك رجال دين وأناس تسبّ في المسيحية من دون رد، وأنا أقول لمن يتصدى للخطاب الديني من المسلمين والأقباط أن يتعلموا أولاً ويتثقفوا في أمور دينهم قبل إثارة الفتن.

bull;هل ترى أن مؤسسة quot;بيت العيلةquot; نجحت في تأدية المهام الموكلة إليها حتى الآن في ردع الفتنة الطائفية؟
ليس بالشكل المطلوب، ولكن هناك اجتهادًا على الطريق، ويكفي فقط مجرد الاجتماع على مستوى الكبار؛ ليكون رسالة إلى المتشددين للتقارب والود، فالنوايا طيبة لعمل الخير من أجل مصر.