بعد نجاح الثورة التونسية في خلع الرئيس زين العابدين بن علي، يبدو أن المعضلة الحالية هي في إيجاد الحلول لبعض الأجهزة الأمنية التابعة للنظام والتي إعتادت الممارسات القمعية ولم تتخل عنها مع رحيل رأس النظام.


تونس: تحدث ضابط شرطة تونسيّ عن المناخ الخانق المحكوم بخوف مرضيّ من الآخرين داخل جهاز الأمن حيث يتعرض الضباط فيه إلى سوء المعاملة والإذلال كي يخضعوا لرؤسائهم كلياً قبل خروجهم وممارسة الأمر نفسه على الجمهور.

خلال تظاهرات الاحتجاج التي أسقطت الرئيس زين العابدين بن علي، أُمِر ضابط الشرطة نجيب (32 سنة)، أن يرتدي خوذة ويمسك درعاً وعصا ويقف أمام أبناء شعبه. وقد نفذ ما طلب منه لكن قلبه لم يطاوعه على رفع العصا ضدهم.

وفي مقابلة مع مراسل صحيفة لوس انجلس تايمز قال نجيب بصوت هامس إن quot;الدكتاتور قد ذهب لكن الديكتاتورية لا تزال قائمة هناquot;.

في تونس والبلدان العربية الأخرى ظلت وزارة الداخلية مصدر خوف فهي جهاز يستخدمه حكام غير محبوبين لإبقاء جمهور متململ في مكانه.

إنه المكان الذي يختفي فيه الأصدقاء لساعات أو أيام ثم يخرجون منه مرعوبين وغير قادرين أو غير راغبين بالتحدث عما حدث لهم. وهو مكان يقيم فيه ضباط بملابس مدنية عملهم هو الإنقضاض على الإجتماعات السياسية، إضافة إلى شرطة الشغب الجاهزة لمواجهة المتظاهرين.

قال نجيب إنه إلتحق بقوات وزارة الداخلية سعيا إلى تحسين وضعه المالي، فوالده يعمل سائق حافلة وكان دائماً في حاجة للنقود في حين أنه أراد أن يعيش بشكل أفضل.

وخلال فترة تدريبه تعلم نجيب كيف يستخدم البندقية، وكيف يحتشد مع زملائه لعمل حاجز أمام حشد غاضب. لكن الجزء الأكبر من التدريب كان لغرض إذلاله والتعامل معه بشكل غير إنساني. وهذا ينطبق على جميع زملائه، وكان الضباط الكبار لا يكفون عن شتمهم وإطلاق عبارات قبيحة ضدهم.

قبل أن يتزوج من حبيبة طفولته quot;ذكرىquot; كان عليه أن يطلب من مسؤوليه الموافقة لأنها تلبس الحجاب. واحتاج الأمر إلى 6 أشهر لإجراء تحقيق دقيق حول خلفيتها الإجتماعية والسياسية ولم يحصل على الموافقة إلا بعد موافقة مسؤولي الأمن الكبار الذين إقتنعوا بأنها غير متطرفة.

ولم يكن بإمكان نجيب السفر إلى خارج العاصمة قبل الحصول على موافقة مسؤوليه. وكان ممنوعاً عليه المشاركة في التصويت أو الحصول على جواز سفر. وقال: quot;كنت دائما تحت المراقبةquot;.

كان نجيب يعمل ضمن قوة التدخل السريع، وقبل الإنتفاضة الأخيرة كان معظم عمله ينصب ضمن مجال غير سياسي، مثل إعتقال أشخاص سكارى يمرحون في الشارع وضربهم وإبقائهم ليلة في السجن بعد ترويعهم وانتزاع رشوى منهم.

وكانت أسوأ المهام تلك المتعلقة بتنظيم السير إذ كان يقف أحيانا مدة 12 ساعة في نقطة تقاطع من دون أي فترة استراحة. وكان له حصة مما يستطيع أن يحصل عليه من الغرامات التي يدفعها الأشخاص المخالفون، وإذا لم يحصل على نسبة معينة فإنه لا يستطيع الحصول على حصته.

وأحيانا كان يقوم بحراسة مباريات كرة القدم، ومن وقت إلى آخر، تندلع مواجهات بين الجمهور الكروي ويكون على نجيب وزملائه تكسير رؤوس الناس من دون أي رادع. لكن أسوأ شيء كان يواجهه هو المعاملة السيئة من آمري الأمن الكبار.

خلال التظاهرات الضخمة الأخيرة كان نجيب يعمل 18 ساعة يوميا للحفاظ على النظام في العاصمة وضواحيها وكان ينقل في الحافلة من منطقة إلى أخرى وينام في ثكنات الشرطة.

وفي يوم 11 يناير الماضي اختير نجيب وما يقرب من 100 ضابط شرطة لحراسة مركز شرطة في ضاحية فقيرة من العاصمة. وكان جدار الخوف الذي ظل يشل الناس عن المواجهة قد انهار، وحول المركز تجمع الآلاف.

أمر ضباط الشرطة بضرب المتظاهرين الذين كانوا مسلحين بقنابل مولوتوف وعصي. قال نجيب: quot;كان النظام يريد المواجهة بين الشرطة والمتظاهرين لكني لم استطع القيام بذلك، لذلك هربت وهربت وهربت. تركت مركز عملي. الناس هم عائلتي، إنهم أخوتيquot;.

لكن بعد رحيل بن علي تحول غضب المتظاهرين ضد رجال شرطة الأمن، مشبهين إياهم بكلاب الحراسة. فبيت والد نجيب تعرض للتخريب والنهب. قالت ذكرى زوجة نجيب غاضبة: quot;الشرطة هم ضحايا للنظام أيضاquot;.

وأخيرا، خرج رجال الشرطة أنفسهم في تظاهرات إلى الشارع مطالبين برواتب أحسن وداعين لتفهم أفضل لهم من الجمهور. وعلى امتداد الشارع العريض في العاصمة كتبوا شعار: quot;الشرطة تقول لا للدكتاتورquot;.

بعد ساعات نوم قليلة، انضم نجيب للمتظاهرين وذهبت زوجته ذكرى معه أيضا. قال نجيب: quot;أنا اخذت هذا العمل لأني كنت بحاجة لدفع مصاريف الحياة. أنا أريد أن أعمل ضابط بوليس مثل البوليس في أميركا وأعمل ثماني ساعات في اليوم. أنا لا أريد أكثر من ذلك، فقط حقوقيquot;.