استحوذت الثورة المصرية الشعبية على اهتمام إسرائيلي بالغ، وكانت المؤسسة الحاكمة والإعلام يتابعان التطورات التي ستؤول إليها الثورة أولاً بأول. وخلال 18 يوماً من عمر الثورة الشبابية كانت إسرائيل تتابع ما يجري بخوف وقلق على مصير quot;رجل السلامquot; وحليفها الاستراتيجي الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك.


حيفا:راقبت الحكومة الإسرائيلية مجريات وتطورات الأمور في مصر بحالة من الحذر والقلق الشديد، فيما هيمنت الأخبار الآتية من القاهرة على صفحات الصحف الإسرائيلية، وكثرت التحليلات والتقارير حول ما ستؤول إليه مصر بعد غياب نظام الرئيس حسني مبارك، من دون أن تخفي خوفها وريبتها مما يترتب على السقوط المدوي لنظام، كان الحليف الأبرز والأهم لإسرائيل على مدار 30 عامًا، وجلب لها حالة من الأمان والإستقرار، مؤكدة أن حالة من الغموض تسيطر على الواقع الجديد بعد 11 شباط- فبراير.

من خلال متابعة التحليلات والتصريحات الإسرائيلية، برز الاهتمام الإسرائيلي بتداعيات سقوط النظام المصري، وقامت بوضع سيناريوهات محتملة لما سيكون عليه الحال في اليوم الذي يلي تنحي مبارك.

نهاية عصر مبارك وملامح الوضع في الشرق الأوسط، وما هو مستقبل معاهدة السلام المصرية ndash;الإسرائيلية وغيرها من الأمور كانت محط اهتمام الطرف الإسرائيلي، الذي يعتبر الرئيس المخلوع سندًا قويًا لإسرائيل، وقائدًا لما كان يعرف بمحور الإعتدال في المنطقة.


صحف إسرائيلية: مصر لن تعود كما كانت قبل 25 يناير
في تغطيتها لأحداث الثورة الشعبية المصرية وما ألت إليه من تنحي الرئيس المصري السابق عن منصبه كرئيس للجمهورية، أكدت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن مصر التي كانت قبل 25 يناير 2011 ليست هي مصر بعد 11 فبراير، يوم سقط نظام مبارك.

ولم يخف كل من وسائل الإعلام الإسرائيلية والساسة والقيادة العسكرية الإسرائيلية مخاوفهم من نهاية النظام وما سيترتب عليه من مواقف وتأثيرات على مستقبل العلاقة بين البلدين الحليفين، وجرى التشديد على أن مصر مبارك لن تعود، ما يعني وقوع إسرائيل في أزمة إستراتيجية حقيقية.

وكان هناك ثمة إجماع على أن وجود حالة من التقرب والحذر الشديد حول كيف سيكون واقع العلاقة بين إسرائيل ومصر في ظل تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية السلطة في مصر، وركزت وسائل الإعلام في تحليلاتها على الجيش المصري، وكيفية تصرف القوات المسلحة المصرية في ما يتعلق بالانتقال السلمي للسلطة أم هل ستبقى مسيطرة على الحكم في مصر؟.

مشهد غامض
عبّر الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في تصريحات أدلى بها خلال حفل وداع رئيس هيئة أركان الجيش المنتهية ولايته غابي أشكنازي، عن حالة الترقب والقلق الذي يسيطر على حكام تل أبيب، موضحًا أن حالة الوضوح التي كانت تسود الشرق الأوسط قد تبددت، وأن البديل لم يتبلور بعد.

من جهته، حاول وزير الأمن إيهود باراك أن يطمئن الإسرائيليين، فقال في تصريحات للتلفزيون الأميركي quot;أي بي سيquot; إنه لا يخشى على العلاقات المصرية- الإسرائيلية بعد خلع الرئيس مبارك، محذرًا من الاستعجال في تنظيم انتخابات خشية صعود الإخوان المسلمين لسدة الحكم، ولافتاً إلى أنه حتى بعد سقوط مبارك ستبقى إتفاقية السلام سارية.

بدورهم، شارك المحللون الإسرائيليون المسؤولين السياسيين والعسكريين مخاوفهم حيال التغيير الذي نجم من سقوط الرئيس مبارك ونظامه، مشيرين في الوقت عينه إلى أنّ إسرائيل تراقب المشهد المصري وتداعياته عليها وعلى المنطقة، في ظل حالة الغموض التي تسيطر على المشهد المصري.

وأوضحت صحيفة quot;يديعوت أحرونوتquot; أن المشهد السياسي المصري الحاصل بعد سقوط الرئيس مبارك، يهيمن على اجتماعات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية المختلفة، التي ارتفعت وتيرتها بعد خلع الرئيس مبارك.

وذكرت أن كبار المسؤولين السياسيين ووزارة الأمن يرون أن سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك سيكون له تأثير سلبي على إسرائيل، ما يستوجب الإبقاء على الجيش وأجهزة الاستخبارات في حالة يقظة مستمرة.

ورأت الصحيفة أن الرئيس المخلوع ترك مصر والمنطقة تعيش في عدم استقرار، وحتى الآن إسرائيل غير قادرة على استيعاب حجم الخسارة المتمثلة في رحيل مبارك، وأنها الآن يجب أن تستعد لمواجهة أزمة باتت محتملة، وأن عليها الأخذ بعين الاعتبار احتمالات أن تفتح لها جبهة إضافية من جهة مصر، إلى جانب جبهات عدة، كلبنان وقطاع غزة وإيران.

بدوره حمّل السفير الإسرائيلي السابق في القاهرة تسفي مزال، الرئيس المصري المخلوع المسؤولية عن سقوط نظامه كنتيجة لقصر نظره وسوء فهمه لما يجري في بلاده المصابة بالفقر والفساد. معتبرًا أن الثورة كانت متوقعة منذ زمن بعيد، ولكن الجميع اعتقد أيضًا أن حكمه قوي ومستقر. ما كان بوسع أحد أن يتوقع الثورة. حتى المتظاهرون لم يعرفوا بأن انفجارهم سيصنع التاريخ.

وأشار إلى أن مصر تدخل الآن إلى المجهول، ولا أحد يمكنه أن يعرف أو يتكهن في ما إذا كان الجيش سيعرف كيف يتصدى للمهمة المعقدة التي كلف بها دون أي إعداد مسبق، ولا يمكن معرفة إذا كانت عملية الانتقال إلى الديمقراطية ممكنة.
جانب آخر ومركزي هو أن مصر الآن غير قادرة أن تكون قوة عظمى إقليمية مهمة، بعدما كانت المرسى المركزي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وحافظت على السلام مع إسرائيل. وكانت زعيمة الدولة العربية المعتدلة، وقادت الكفاح ضد إيران وضد إرهاب الإسلام المتطرف. مع إنصراف مبارك وبداية فترة من عدم الإستقرار دون زعيم، تضطر مصر إلى التوجه إلى الداخل، إلى تكريس طاقتها لإقامة نظام جديد، لإعادة بناء إقتصادها الذي تضرر شديد الضرر في الإضطرابات، وإلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية بعيدة الأثر، ولها تداعيات كبيرة على مستقبل البلاد.

quot;هآرتسquot;: عصر جديد وعلى نتانياهو الصمت
إلى ذلك اعتبرت صحيفة quot;هآرتسquot; أن مصر اليوم دخلت عصرًا جديدًا، فبعد 18 يومًا من التظاهرات الشعبية في غالبية المدن المصرية، تخلّى حسني مبارك عن منصبه، والحكم في القاهرة نقل إلى الجيش، الذي وعد بإحترام مطالب المتظاهرين وإعداد البلاد للانتخابات.

ورأت الصحيفة أن الثورة المصرية، والثورة التي سبقتها في تونس، تبشّران بعهد جديد في تاريخ الشرق الأوسط، يكون فيه باستطاعة المواطنين إسماع صوتهم، والمشاركة في تصميم مصيرهم، بدلاً من أن يكونوا رعايا أنظمة دكتاتورية، تفرض إمرتها عبر تشريعات الطوارئ وأجهزة الأمن القوية.

وأضافت أن الثورتين المصرية والتونسية نجح خلالهما مواطنون عزّل بإسقاط الحكام المكروهين، ومثل هاتين الثورتين لم يحصل من قبل في العالم العربي، وهي بالتأكيد فاجأت الخبراء، الزعماء وأجهزة الاستخبارات.

ومن السابق لأوانه التقدير ماذا ستكون عليه طبيعة النظام الجديد الذي سينشأ في مصر، من سيقف على رأسه، وكيف تنخرط فيه مراكز القوى، وعلى رأسها الجيش وحركة quot;الإخوان المسلمينquot;.

فالرئيس المخلوع حسني مبارك عمل على ترويج أن حكمه آمن ومستقر، وإسرائيل رأت في نظامه سندًا استراتيجيًا حيويًا. تمسكه بإتفاق السلام منح إسرائيل إزدهاراً، وحدوداً هادئة وتوريداً للطاقة، وأساساً للإنخراط كجار مرغوب فيه في المنطقة. والآن على إسرائيل العمل على كيفية التأقلم مع الوضع الجديد في مصر.

إذن التغيير الدراماتيكي خلف الحدود يثير المخاوف، لكن محظور على إسرائيل أن تتدخل في الشؤون الداخلية. ليس لمصر نزاع مع اسرائيل ولا ينبغي عرضها كعدو، وعلى نتانياهو الإلتزام الصمت وضبط النفس كبح جماح تصريحاته، وخصوصا تلك التي أبدى فيها شكوك من تحول مصر إلى إيران ثانية، وقيامة بالموافقة على وزيادة ميزانية الأمن، كونها تخلق توترا وتضع اسرائيل في صف النظام البائد، وخصوصا أن الثورة المصرية لم تنبع من العلاقات مع اسرائيل، وخير يفعل نتانياهو اذا ما صمت وأعطى فرصة لقيام ديمقراطية في مصر.