بينما يكتنف الغموض مستقبل مصر السياسي ودور الإخوان المسلمين فيه، ينادي البعض باعتماد طراز الإسلام السياسي لدى laquo;حزب العدالة والتنميةraquo; التركي الحاكم نموذجًا لها. لكن آخرين يحذّرون من أن هذا يستبدل بالدكتاتورية العسكرية أخرى مدنية.


لندن: صارت تركيا، في الترتيب العالمي السائد، نموذجًا يحتذى في مرابع معينة. فهي بلاد إسلامية كبيرة انتقلت من الهيمنة العسكرية إلى الحكم المدني في مسيرة انتهت بحكومة منتخبة ديمقراطيًا، وتسعى إلى أن تصبح أيضًا عضوًا في الاتحاد الأوروبي رغم توجهاتها الإسلامية.

ووفقًا لروبرت تريت، من laquo;راديو اوروبا الحرةraquo; وسابقًا مراسل laquo;غارديانraquo; البريطانية في مقال له على هذه الصحيفة، فهناك الرأي القائل إن مصر، في مساعي انتقالها من الدكتاتورية إلى الديمقراطية، ربما وجدت النموذج المثالي في تركيا. فقد شهدت هذه الأخيرة استيلاء القوات المسلحة على الحكم أربع مرات في غضون السنوات الخمسين الأخيرة. لكن laquo;حزب العدالة
والتنميةraquo; بقيادة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان تمكن من قصّ أجنحتها قبل أن ينشغل بتغيير الخارطة السياسية القومية.

تحجيم الجيش
حظي أردوغان بالثناء من دوائر دبلوماسية غربية على سلسلة من التعديلات الدستورية المهمة التي نالت موافقة الشعب عبر استفتاء عام في سبتمبر/أيلول الماضي. وبموجب هذه التعديلات صار ممكنًا محاكمة الضباط في محاكم مدنية - بعدما كانوا فوق القانون تقريبًا - ورُفعت الحصانة عن كبار العسكريين المتورطين في انقلاب 1980 العسكري.

ولهذا أزيح حاجز مهم لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، الذي تحظر مواثيقه التدخلات العسكرية في السياسة، على غرار ما كان يحدث في أنقرة منذ تأسيس مصطفى كمال أتاتورك - وهو عسكري أيضًا - الجمهورية الحديثة في العام 1923. ويقول المراقبون إن صعود laquo;حزب العدالة والتنميةraquo; إلى سدة الحكم تأتي نتيجة لبروز طبقة وسطى محافظة في قلب الأناضول، قاد نفوذها المتزايد إلى زعزعة قاعدة الجيش الاقتصادية وأعمدة العمانية التقليدية الأخرى مثل القضاء.

ديمقراطية إسلامية
يشير البعض إلى حزب العدالة باعتباره متجذرًا في الإسلام السياسي، وقوة محدّثة حري بها أن تكون نموذجًا للحركات الإسلامية في الشرق الأوسط - مثل تنظيم الإخوان المسلمين في مصر - فتجدد نفسها من طينة جديدة هي الديمقراطية.

ويقول تشينغيز أخطر، بروفيسير دراسات الاتحاد الأوروبي في جامعة laquo;باغجه شهرraquo; في إسطنبول إن laquo;ما نسعى إليه هو تطبيع الإسلام السياسي، وليس كليشيه دولة الشريعة الإسلامية. وما شهدته تركيا هو تغيير ملامح الإسلام السياسي من أجل أداء وظيفته في جو علماني. من هذا المنطلق يستطيع النموذج التركي أن يلهم الحركات الإسلامية في دول أخرى في تحولها إلى تيارات ديمقراطية إسلامية على غرار التيارات المسيحية الديمقراطية في أوروباraquo;.

معارضون
لكن هناك، في المقابل، العديد من المعترضين على وجهة النظر الوردية هذه داخل تركيا نفسها. وهؤلاء على قناعة بأن حزب العدالة يتخذ من السلطوية محركًا له باتجاه تخريب دستور تركيا العلماني تقليديًا. وفي الغرب يشير المنتقدون إلى أن أردوغان إسلامي راديكالي يعادي - حتى في ثياب الاعتدال التي يرتديها الآن - إسرائيل بشدة، ويتمتع بأواصر وثيقة مع نظام الملالي في إيران، ومع الرئيس محمود أحمدي نجاد، الذي يكره العرب كراهية التحريم.

ويخشى بعض الغربيين أن تدير تركيا ظهرها لهم وتتجه شرقًا، معززة بالتالي مكانتها وسط الدول العربية. ويقول هؤلاء إن الأسوأ من هذا هو الاتهام الذي يوجهه المنتقدون بأن تحجيم الضباط الأتراك تعدى قصّ أجنحتهم السياسية إلى درجة الاضطهاد. فقد اعتقل مئات الضباط العاملين والمتقاعدين بتهمة محاولة الانقلاب العسكري على حكومة حزب العدالة في حادثتين منفصلتين زمنيًا، لكنهما تنبعان من المصدر نفسه. كما تتعرض السطلة القضائية العلمانية المستقلة للهجوم المتصل بغرض إخضاعها لإرادة السلطة التنفيذية، وهذا أيضًا ما يحدث لوسائل الإعلام التي تجرؤ على انتقاد أردوغان ونظامه.

وفي آخر التحركات ضد الجيش، اعتقل 162 ضابطًا من أسلحة البر والبحر والجو بتهم تورطهم في محاولة انقلاب عسكري العام 2003 أطلق عليه منظموه اسم laquo;المطرقةraquo;. وجاء في الاتهام أن هؤلاء كانوا يهدفون إلى إطاحة الحكومة بعد إغراق البلاد في الفوضى بتفجير المساجد وإشعال حرب مع اليونان. لكن الجيش ينفي التهمة قائلاً إن ماكان يُعتقد تحركًا للانقلاب لم يتعد كونه مناورات عسكرية عادية.

دكتاتورية مدنية
يضم غاريث جينكينز، خبير الشؤون الأمنية التركية، صوته لمعسكر المنتقدين قائلاً إن تركيا لا تقدم أي مثال يُحتذى بالنسبة إلى مصر. مؤكدًا أن laquo;كل ما فعلته تركيا هو أنها تخلصت من دكتاتورية عسكرية، واستعاضت عنها بدكتاتورية مدنيةraquo;.

وأشار إلى أن laquo;ما شهدناه في تركيا خلال العامين الأخيرين يقع في خانات الاضطهاد السياسي العلني، وتكميم أفواه الصحافيين، وتحويل الشرطة إلى أداة للقمع، والإلقاء بالناس في غياهب السجون بدون أن يعلموا أي جريمة ارتكبوا. وبينما تتطلع مصر إلى آفاق الديمقراطية والحرية، فإن تركيا نفسها تفعل العكس بتحركها في اتجاه الوضع الذي تخلصت منه مصر لتوهاraquo;.