سُجلت خلال الفترة الأخيرة 50 حالة رفض رخص لبناء مساجد أصدرتها السلطات البلدية في مناطق إسبانية مختلفة، مما أثار غضب الجمعيات الإسلامية في البلاد، حيث تزايد عدد المسلمين إلى 1.5 مليون مسلم، يمتلكون 12 مسجداً كبيراً، ونحو 400 مُصلّى منتشرًا عبر أماكن ومساحات ضيقة مهمشة بشكل لا يراعي الحريات الدينية في البلاد.


مسجد غرناطة الشهير

كاتالونيا: إرتفعت أخيرًا أصوات الجالية المسلمة في إسبانيا مطالبة الحكومة (الإسبانية) بالتدخّل العاجل لرفع الحصار المفروض، بدوافع سياسية وتاريخية وحتى عنصرية، على مشاريع بناء مساجد، كما يرى كثيرون.

فقد تزايد عدد المسلمين في هذا البلد، ليصل إلى مليون ونصف مليون مسلم، يمتلكون 12 مسجداً كبيراً ونحو 400 مُصلّى منتشرًا عبر أماكن ومساحات ضيقة مهمشة لا تليق بأداء شعائر الدين الإسلامي، ولا تليق حتى بإلتزام الحكومة الإسبانية احترام الحريات الدينية في البلاد.

وسجلت خلال الفترة الأخيرة 50 حالة رفض رخص لبناء مساجد أصدرتها السلطات البلدية في مناطق عدة في إسبانيا، كما تدافعت العشرات من جمعيات ولجان الأحياء في إسبانيا لكسر مبادرات ومساعي الجمعيات الإسلامية من أجل تشييد مساجد تلبّي حاجة العبادة، هذا ما أكدته مصادر عدة تحدث لـquot;إيلافquot; عن أزمة بناء المساجد في إسبانيا، والتي بدأت تأخذ منعرجًا خطرًا.

35 طلب رفضتها برشلونة

أدى تزايد تعداد الجالية المسلمة في إسبانيا خلال الأعوام الأخيرة بسبب الهجرة من شمال أفريقيا ودول عربية وإسلامية، أدى إلى إنتشار جمعيات إسلامية عدة، هدفها تنظيم حياة المهاجر المسلم في البلد ونشر الدين الإسلامي كدين تسامح وسلام.

لكن الإعتداءات الإرهابية التي عاشتها إسبانيا يوم 11 آذار/ مارس 2004 جعلت العديد من المواطينين ووسائل الإعلام الإسبانية تشير ولو بشكل غير مباشر إلى المساجد والمصليات كمنبر للإرهاب والتحريض على العنفيز ويعتبر عبد النور برادو الإسباني المسلم، عضو الهيئة الإسلامية في إقليم كاتالونيا، أن سبب نشوب أزمة بناء مساجد في إسبانيا وفي كاتالونيا يعود أساسًا إلى التخوف من سلوك إرهابي قد ينبع من المسجد.

كما يشير عبد النور برادو في حديثه لـquot;إيلافquot; إلى عراقيل متعددة تواجه المسلمين والجمعيات الإسلامية في إسبانيا عند شروعهم في طلب ترخيص لبناء مسجد أو حتى مصلى صغير، ويرجع الأمر إلى دوافع كره وعنصرية يعاني أثرها المسلمون في كل أنحاء البلاد.

ويضيف بأن عدد المساجد في إسبانيا قليل جدًا ولا يلبّي حاجة نحو 1.5 مليون مسلم، بينهم 400 ألف في كاتالونيا. ويقول quot;تصور نحن هنا في كاتالونيا لا نملك مسجداً واحداً كبيراً، وهذا أمر خطر يتنافى مع إلتزامات الحكومة الإقليمية في احترامها حرية الأديانquot;.

يوضح عبد النور أنه quot;عندما قررنا في عام 1997 بناء أول مسجد في برشلونة قوبلنا بشتى أشكال الرفض والمقاطعة من البلدية، وجمعيات الأحياءكذلك أبدت رفضها القاطع، ولم نحصلحتى الساعة على رخصة لبناء مسجد، والمسلمونلا يزالون يؤدون صلواتهم في دكاكين ومحال هُيأت لتصبح مصلّيات لا تليق بالدين الإسلامي، وهذا هو الواقعquot;.

ويكشف أن بلدية برشلونة رفضت 35 ملف لتشييد مساجد خلال السنوات القليلة الماضية، ويرى أن الأمر يتعلق بمخططات عنصرية، ويصف الوضع بـquot;الإسلاموفوبياquot; لا غير، تديره دوائر سياسية معروفة.

أزمة يحيك خيوطها عمدة البلدية

بسبب ارتفاع حدة مطالب الجالية المسلمة في أقاليم إسبانية عدة لتحسبن ظروف إندماجها وتخصيص أماكن لها للعبادة، إنطلقت بعض الحكومات الإقليمية الإسبانية، وأولها إقليم كاتالونيا، في التحضير لقوانين مراقبة المساجد ومراكز العبادة، ومنحت كل المسؤولية والسلطة لرؤساء البلديات لتخصيص قطعة أرض للجالية المسلمة لبناء مساجد، غير أن المنظمات والجمعيات الإسلامية رأت هذا بالمراوغة السياسية لمواصلة حصر رخص بناء المساجد.

هذا ما حدث فعلاً في مناطق، من بينها على سبيل المثال أزمة مسجد إشبيليا في إقليم أندلسيا في جنوب البلاد، فهذا المسجد لم تبن منه حجرة واحدة رغم استيفائه كل الشروط والأموال اللازمة. حيث كان من المتوفع أن يشيّد في إشبيليا أكبر مسجد ومركز إسلامي وثقافي في أوروبا، بعدما نجح أحد الشيوخ الإماراتيين في شراء أرض لبناء مسجد تكلفته 6 ملايين يورو، غير أن عمدة بلدية إشبيليا تراجع، وسحب الترخيص بعد ضغط لجان الأحياء.

هناك مثال آخر شهده مسجد مدينة أليكانتي عندما أغلقت أبوابه قبل عامين لفترة لم تكن بالقصيرة، وكانت مؤلمة بالنسبة إلى مسلمي المدينة بعدما رفع سكان الحي دعوة قضائية، بحجة أن المصلّين يزعجون الحي بأصواتهم وهم يدخلون إلى المسجد. وقرر عمدة البلدية غلق المسجد، لكنه تراجع بعد الضغط، فأعيد فتحه.

لهذه الأسباب، يرى يوسف فرنانديز الأمين العام للفيدرالية الإسلامية في إسبانيا أنه يجبعلى الحكومة المركزية سحب سلطة وصلاحيات عمدة البلدية عندما يتعلق الأمر بتقرير منح ترخيص بناء مسجد. ويقول في حديثه لـquot;إيلافquot; إن العمدة سيد القرار هنا، وهو يخضع لحسابات سياسية، ولا يريد أن يغضب أهالي مدينته وللأسف هذا واقع نعيش مرارته اليوم في إسبانيا، التي يعد فيها الدين الإسلامي ثاني ديانة في البلاد بعد الكاثوليكية.

ويؤكد فيرنانديز أن عدد المساجد الكبيرة في إسبانيا ضئيل جداً مقارنة بدول أوروبية أخرى، حتى إن كل المساجد الموجودة في إسبانيا، وعددها 12، لا تتعدى المساجد الموجودة في لندن على سبيل المثال. ويوضح أن الفيدرالية الإسلامية لن تسكت عن هذا الأمر، وهي في إطار التحضير لإنشاء لجنة ضد الإسلاموفوبيا، سيعلن عنها خلال هذا العام، وهدفها مقاضاة كل عمدة أو جهة رسمية ترفض بحجج خيالية منح رخصة لأي جمعية أو جالية مسلمة لبناء مسجد أو مركز إسلامي ثقافي. ويضيف إن quot;هذه اللجنة سترفع دعوات قضائية لدى المحاكم للمطالبة بحقوق المسلمين في إسبانيا ولمحاربة العنصرية والإسلاموفوبيا. لكن أبواب الحوار كما يقول ستبقى مفتوحة، وهذا هدفناquot;.

ويؤكد فرنانديز أن إدارته سجلت خلال العام الماضي نحو 50 حالة رفض ترخيص لبناء مراكز للعبادة والصلاة أصدرتها أجهزة إدارية عدةفي إسبانيا، ومعظمها في مناطق يتولى حكمها الحزب الشعبي اليميني PP.

أزمة مساجد وأموال

من بين العراقيل السياسية والعنصرية التي يواجهها أبناء الجالية المسلمة في إسبانيا عندما يقررون بناء مسجد، عامل المال الذي يلقي كذلك بثقله ويقف وراء قلة المساجد في إسبانيا وهذا ما قاله لنا المهندس ناصر بلعيز الذي بذل كل جهده لأشهر طويلة للتحضير لمخطط بناء مسجد في مدينة ليريدا شمال إسبانيا وبعد أن تدخل شخصياً لمساعة الجمعية الإسلامية في المنطقة، للحصول على رخصة البناء وقطعة الأرض ويوضح أن quot;مشكلة التمويل المالي لبناء هذا المسجد قد طفت على السطح ولم يكفنا المال وإضطررنا لإلغاء المشروع مؤقتاًquot;.

ويقول المهندس بلعيز بأن تكلفة مشروع مسجد ليريدا قدرت بحوالي 2 مليون و700 ألف يورو، والجمعية الإسلامية كان لديها 500 ألف فقط، ولم نجد من يدعمنا لبناء بيت الله ويضيف: quot;هناك حكومات عربية وإسلامية تمنع رجال المال أن يتقدموا بهبات أو مساعدات وهي سياسة مصالح مع الغرب، لهذا لم نجد من يساعدنا رغم أننا قمنا بإجراء تعديلات في تكاليف المشروع بتخفيض مليون يورو من القيمة الأصلية لكن هذا لم ينفع في إنقاذ مشروع بناء المسجد. ونحن الآن بصدد بحث إمكانية بناء مسجد مؤقت تكلفته 400 ألف يورو وصلاحيته 4 سنوات إلى غاية إيجاد رجل خير بمقدرته دعم مشروع بناء مسجد كبير في ليريداquot;.

إبعاد المصلين إلى المراكز الصناعية

ظاهرة غريبة بدت منتشرة في أقاليم إسبانية عدة تتعلق بقرارت إتخذتها السلطات المحلية تتعلق بإبعاد المصلين إلى مناطق صناعية ومنحهم رخصًا لفتح مراكز إسلامية، وهذا ما أثار تنديد جمعيات إسلامية عدة، ورفضها الخضوع لهذه القرارات، التي اعتبرتها عنصرية، وإعلانها تنظيم تظاهرات احتجاج.

من بين المحتجين جمعية quot;وطني للحرية والعدالةquot; في مدينة ليريدا، التي لا تزال الجالية المسلمة القاطنة فيها تصارع بحثاً عن فضاء خاص للصلاة، لهذا قررت الجمعية الدعوة إلى تظاهرة يوم 29 نيسان/ أبريل المقبل للمطالبة بحق وحرية ممارسة شعائر الدين الإسلامي داخل المدينة، وليس في منطقة صناعية.

كما إن المنظمة الأوروبية ضد العنصرية ECRI أشارت في تقريرها الأخير إلى رفض السلطات والحكومة الإسبانية منح تراخيص كافية لبناء مساجد، ودعت المنظمة الحكومة الإسبانية إلى بذل جهدها للسماح بحرية الممارسة الدينية ومكافحة العنصرية، في إشارة إلى الإحتجاجات التي رفعت من قبل الجالية المسلمة القاطنة في إسبانيا للمنظمة.

بعد 5 قرون فتح مسجد غرناطة

مرت 5 قرون عن سقوط غرناطة والخلافة الإسلامية في أرض الأندلس، لم يتمكن المسلمون من إعادة فتح مسجد كبير، إلا في عام 2003 هذا المسجد الذي أخد مع مرور الزمن يشكل منارة إسلامية في أرض الأندلس. يقول أحمد برميخو مدير مسجد غرناطة إن المعركة الإدارية لفتح المسجد الكبير لم تكن بالسهلة، وقد دامت 20 عامًا، والسبب كما يؤكد هو هاجس الخوف الذي ينتاب المواطن الإسباني من عودة المسلمين إلى أرض الأندلس.

وهو يرى أن الصلاة في محال أو مراكز غير مهيئة يخيف الإسبان ويرعبهم، ولا يحفزهم على الإقدام للتعرف إلى الدين الإسلامي. ويضيف quot;بعد فتح المسجد الكبير في غرناطة، أصبحنا نسجلأسلمة أجنبيين كل يوم، وهذا لم نكن لنشهده لو لم يفتح المسجد للناس، ويكون بمثابة منارة دينية وثقافيةquot;.

ويقول برميخو إن هناك تخوفًا سياسيًا من قبل جهات معروفة لا تريد أن تبنى وتشيد مساجد الله عبر القطر الإسباني. والحقيقة أن هذا أمر مؤسف للغاية، لكن على الجالية المسلمة التحلّي بالصبر والحكمة في المطالبة بحقها في ممارسة دينها، وفي أماكن تليق بها، وليس في دكاكين ومحال، تنٌفر من لا يعرف الإسلام.