لا يزال نظام معمر القذافي في أرضه متشبثًا مقاومًا التغيير، على الرّغم من الدّماء الكثيرة التي سفكت، ويبدو أنه لن يستسلم بسهولة فشخصيّته قويّة جدًا ذات إرادة صلبة وعنيدة. وهذا ما يطرح إمكانية التدخل العسكري الخارجي في ليبيا الذي ترفضه المعارضة حتى الآن وكانت الجامعة العربية قد أعلنت رفضه.


واشنطن: على الرغم من الاحتضار الذي يعيشه نظام معمر القذافي، إلا أن نهاية المشهد السياسي في ليبيا لم تتضح معالمه. فبعد كل الأحداث المتعاقبة في ليبيا أعلنت المحكمة الجنائية الدولية أخيرًا قبولها فتح تحقيق رسمي في جرائم نظام معمر القذافي والإنتهاكات الحقوقية التي مارسها المؤيدون له ضد المحتجين. كما تبنى مجلس الأمن الدولي مشروع قرار فرنسي بريطاني بفرض عقوبات على النظام الليبي يشمل حظر السفر وتوريد السلاح وتجميد الأصول.

دباشي: التدخل العسكري مرفوض بالإجماع

أعرب نائب السفير الليبي في الأمم المتحدة إبراهيم دباشي في اتصال هاتفي مع quot;إيلافquot; عن ترحيبه بالقرار الصادر عن المحكمة الجنائية والذي سيتيح الفرصة للمجتمع الدولي بمعاقبة معمر القذافي وأبنائه وزمرته وكل الذين شاركوا في هذه الجرائم وإتاحته الفرصة لعدم معاقبة كل من هو في النظام ونأى بنفسه عن المشاركة في هذه الجرائم.

وأكد دباشي ثقته في قدرة القرار الصادر من المحكمة الجنائية الدولية على محاسبة القذافي وتوقيفه، وذلك لأنه جاء بقرار مكلف من مجلس الأمن رسميًا الذي رفع قضية ليبيا إلى مدعي المحكمة لفتح تحقيق رسمي حول الجرائم والإنتهاكات التى مورست ضد حقوق الإنسان في ليبيا، مستندًا إلى الهجمات الممنهجة على السكان المدنيين والتي تعد من الجرائم التي ضد الإنسانية.

وحول ماهية قدرة القرار على إقناع المجتمع الدولي بشرعية وضع الحظر على القذافي والمساعدة في إتخاذ الإجراءات اللازمة بما فيها إستخدام الآلة العسكرية للقبض عليه، يرى دباشي بأن الخطوة التي اتخذها مجلس الأمن بتبني مشروع قرار فرض عقوبات على ليبيا وقرار الجمعية العمومية بتعليق عضوية ليبيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية وأيضًا فيالجامعة العربية بسبب العنف، كلها خطوات أفقدت النظام شرعيته ومن شأنها أن تسهم في إنهاء النظام.

ويضيف قائلاً: quot;الخطوة المهمة التي يحتاج إليها الليبيون هي فرض منطقة حظر للطيران على السواحل الليبية لحماية المناطق التي يتمركز فيها المحتجون، وتوجيه ضربات جوية محددة الأهداف على القوات الموالية للنظام التي تقوم بعملية القتل. وإذا طلب ذلك من قبل المجلس الإنتقالي الذي أنشأه الثوار في ليبيا بشكل رسمي، فإن المنظمة الدولية ستقوم بتأييده. مشددًا في الوقت ذاته على رفض أي تدخل عسكري خارجي في بلاده. قائلاً: quot;التدخل في الأراضي الليبية مرفوض بشكل جماعيquot;. وكانت الجامعة العربية قد أعلنت رفضها أي تدخل أجنبي.

أما الرئيس الأميركي باراك أوباما فأعلن في وقت سابق بأن معمر القذافي فقد شرعيته وعليه أن يرحل. وقال: quot;يجب أن يتوقف العنف. كما أشارت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أن بلادها لا تستبعد أي خيار مطروح على الطاولة ما دامت الحكومة الليبية تواصل إستخدام السلاح ضد شعبها. وأعلنت أن الإدارة الإميركية ستقدم كل أنواع الإتصالات والمساعدات الداعمة للمعارضة الليبية في الوقت الراهن. وهو ما فتح باب التساؤلات حول ماهية المعارضة التي ستتواصل معها الإدارة الأميركية ومن الممكن أن تحظى بالإعتراف دوليًا بها ونوعية المساعدات والإتصالات المقدمة.

وفي هذا السياق، يعتقد ابراهيم دباشي أن المعارضة التي يجب على الإدراة الإميركية التواصل معها هي الشعب الليبي ورموز المعارضة الموجودة في الداخل، معتبرًا أن المساعدة لا بد أن تكون في حدود ما يطلبه الشعب الليبي والمتمثلة في إجراءات محدودة كفرض حظر جوي على السواحل الليبية لمحاصرة الطائرات التي تقوم بقتل المحتجين. وليس التدخل الكامل قائلاً: quot;التدخل ليس مساعدة إلا إذا كان مطلوبًا، نحن لم نطلب التدخلquot;.

ويؤكد دباشي الذي كان من أوائل المنشقين عن نظام معمر القذافي، بأن سقوط نظام القذافي بات وشيكا. وبسقوطه يتم تسليم الحكم لسلطة انتقالية، بطريقة طبيعية ولن يكون هناك حرب أهلية في ليبيا كما يعول القذافي ولن تحدث وما يقوم به القذافي ما هو إلا لتخويف المجتمع الدولي. قائلا: quot;لا يمكن التخوف من حرب أهلية، فالمؤيدون هم المسلحون الذين يقومون بقتل السكان، أما باقي الشعب فهو غير مسلحquot;.

الصاوي: المسألة قد تحتاج إلى أشهر

من جهته، أعرب كبير المحللين السياسين والأمنين في المخابرات الحربية الأميركية سابقًا الدكتور إبراهيم الصاوي عن إعتقاده أن ما يحدث في ليبيا لن ينتهي خلال أيام كما يتوقع بعضهم، بل إن المسألة ستطول وقد تحتاج إلى أشهر عديدة. خصوصًا إذا ما حدث تدخل عسكري، مستبعدًا في الوقت ذاته أن يتم ذلك في الوقت الراهن، نظرًا لظروف المنطقة العربية. فالمصريون مشغولون بظروفهم السياسية والتونسيون أيضًا، وهذان البلدان يحدان ليبيا، كما أن الأوروبين لا يمكنهم التدخل وحدهم فأي تدخل عسكري من الغرب سيقلب المسألة لصالح نظام معمر القذافي. ويضيف قائلا: quot;التدخل العسكري بالطيران وحده لن يكون له تأثير كبير إذا ما سبقه دخول بري لضرب الدفاعات على الأرض وعزل ليبيا من الشمال والجنوب والغرب. فالمسألة تحتاج إلى ترتيبات كثيرة على الأرض وحشد، وهو ما يحتاج إلى وقت طويل ربما أشهر عديدة أخرى. حتى لو كان ما هو مطلوب فرض حظر جوي على السواحل الليبية كما يطالب إبراهيم دباشيquot;.

ويحلل الصاوي ردة فعل الإدارة الأميركية تجاه الأحداث في ليبيا مقارنة بالأحداث في مصر، بالإشارة إلى أن اختلاف الهدف والمصالح هو محور التوجه الأميركي في الحالتين. قائلاً: quot;محاولة ضبط التطورات هو الهدف الأميركي في الحالة المصرية. فمن جهة هي تؤيد وجود إصلاح سياسي في مصر، لكن مع ضبط الأوضاع والتحكم بما يتناسب ومصالحها السياسية، فتساند حركة الشارع في التعبير ولكن ليس بطريقة مفتوحة. وتساند الجيش المصري الذي حصل على مساعدات ضخمة لتأهيله كي يكون أقوى جيش فى المنطقة العربية وتم تدريب عدد كبير من الجنرالات المصريين في أميركا. ومن جهة أخرى، لا تريد أن تظهر بمظهر المتخلي عن حليف استراتيجي مهم لها. فعملية التخلي عن حليف مهم كحسني مبارك سيؤثر على درجة مصداقيتها، مما يخلق لها مشاكل مع حلفائها مستقبلًا، مما يحرج الإدارة الأميركيةquot;.

كما يرى الصاوي أن الوضع في الحالة الليبية مختلف quot;ففقدان التواصل بين المؤسسة الليبية والإدارة الأميركية من الأساس يجعل ضبط التطورات والتحكم بها بشكل مباشر أو غير مباشر محدود في الداخل. أما على المستوى الخارجي فهي أكثر قوة. كما أن المعارضة الليبية ذات كيانات متعددة غير متحدة. فالمعارضة في الداخل لم تكن موحدة عند بداية الثورة كما ولا يوجد تكاتف بينها وبين المعارضة في الخارج وهو ما يصعب مساندة الإدارة الأميركية لها في كل الأحوال لأنها غير واضحة المعالمquot;.

ويعتقد الصاوي بأن شخصية القذافي هي محور الموضوع كونها شخصية قوية جدًا ذات إرادة صلبة وعنيدة لا يمكنها الاستسلام بسهولة، فمبدأ الاستسلام مرفوض لديه، وخصوصًا أنه الآن يدافع عن حياته. لذلك لا بد من توقع ما هو أسوأ من ذلك وربما المزيد من سفك الدماء.