في أوروبا يسمّونه محامي الشعب، وفي الدولة الإسلامية حمل اسم ديوان المظالم، وهو المكان الذي يذهب إليه كل من يعتقد أنه صاحب حق، وفي الأردن لا يزال ديوان المظالم مجهولاً للشعب كمؤسسة، فكرًا ورسالة، وسط تعقيدات أنشأها الظرف المالي الضاغط كما تحدث رئيسه عبدالإله الكردي لـإيلاف.


عبدالإله الكردي رئيس ديوان المظالم الأردنيّ

عمّان: منذ عامين أو أقل قليلاً، استدعى العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الجنرال عبدالإله الكردي الضابط السابق في القوات المسلحة بعد تجربة دبلوماسية ثرية في روسيا الإتحادية كسفير لبلاده، وعهد إليه برئاسة ديوان المظالم الأردني، وهو الديوان الذي جاء بإلجاح من عاهل الأردن منذ أن آل إليه عرش البلاد، إلا أن إرساء قانونه الخاص، وتشريعه قد مر بمراحل طويلة، استنزفت سنوات حتى رأى النور، فيما لا يزال السواد الأعظم من الأردنيين يجهلونه كمؤسسة مستقلة لها الحق في الرقابة والمتابعة والتدقيق على سائر القرارات التي يعتقد أن لها ضحايا أصحاب حقوق.

لا يتردد عبدالإله الكردي في القول لـquot;إيلافquot; التي دخلت أول ديوان عربي للمظالم، إن لديوانه الحق في متابعة أي شكوى ترد الى ديوانه ممن يعتقدون أنهم أصحاب حقوق، مؤكدًا أن قرارات الديوان تعتبر ملزمة، وأن الديوان قد حلّ 80% من الشكاوى التي قبل الديوان متابعتها، لأن القانون يقيد قبول الشكاوى ببعض الشروط والإجراءات، متحدثًا بنبرة لا تخلو من الأسى والحزن عن الظرف المالي الضاغط الذي يعوق أداء أمثل وأكثر تأثيرًا لديوان المظالم.

وفي ما يلي نصّ اللقاء الذي أجرته quot;إيلافquot; كاملاً:

كيف جاءت فكرة ونشأة ديوان المظالم الأردني؟

جاءت فكرة إنشاء ديوان المظالمإحياءً وترسيخاً لنهج عربي إسلامي وتراث أردني هاشمي، ذلك أن ديوان المظالم هو أحد مفاخر القضاء العربي الإسلامي، الذي كانت فكرته مطبقةمنذ عهد الرسول الكريم سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، تبعه فيها الخلفاء في الدولة الإسلامية، حيث كان يقوم بهذا الدور الولاة الذين كان يولّيهم الخليفة في مختلف المناطق، خاصة عندما ترامت أطراف الدولة الإسلامية، وبقي فكر ديوان المظالم عبر مرور السنين حتى ترسخ وأصبحديوان المظالم في العصر الحديث مكانًا يلجأ إليه المتظلمون من قرارات الإدارة العامة وإجرءاتها فيكون الوسيط المحايد بين المتظلمين والإدارة العامة، ويعتمد في حل النزاع بينهما التوفيق والإقناع وبأسلوب منطقي شفاف وحوار عقلاني قانوني، الأمر الذي يدفع الإدارة العامة راضية إلى تعديل مسلكها وقرارها غير المشروع.

ماهي الأسباب الموجبة لإنشائه، خصوصًا وأن تعقيدات الإدارة العامة قديمة؟

يعتبر وجود ديوان المظالم ضمن مؤسسات الدولة من سمات الدولة الحديثة باعتباره جهازاً رقابياً يسعى إلى تحقيق العدالة والشفافية في ممارسات الإدارة العامة وقراراتها.

وتوجيهات الملك بإنشاء ديوان للمظالم بلورت ما كان يقوم به من تلمس حاجات المواطنين والإطلاع على حصولهم على الخدمات المثلى، كما إنها استمرارًاللنهج الذي انتهجه العرب والمسلمون والهاشميون على مر السنين ومأسسةً لعملية التشكي والتظلم لتشكل مرجعية موحدة لتلقي الشكاوى وفق مؤسسية واضحة من حيث الاختصاصات وآليات العمل ووسائل التحقق وإصدار القرارات والتقارير، وتعزيز التواصل والاتصال بين المواطن والإدارة العامة بعيداً عن الروتين والبيروقراطيةومن دون تكبيد المواطن أعباءً ماديةأو الكثير من الوقت والجهد، بحيث تشكل أداة مساءلة حازمة وذراع مراقبة فاعلة على أداء الإدارة العامة.

أيضا إن وجود حالات تقع ضمن إطار قرارات وإجراءات أو ممارسات الإدارة العامة لا تقع ضمن اختصاص أي من جهات الرقابة الحكومية أو الاختصاص القضائي أوجبت التفكير في استحداث جهاز مستقل عن الإدارة من جهة وعن القضاء من جهة أخرى، ولا تتداخل مهامه مع مؤسسات أخرى قائمة، جهاز يعالج بحكمة وخبرة وكفاءة ما قد تنطوي عليه الإدارة الحكومية من اختلالات وتعقيدات لا تستجيب لأشكال الرقابة التقليدية، مما أدى إلى سعي الحكومة إلى إنشاء ديوان المظالم.

فديوان المظالم وجد ليدعم ويساند الأجهزة الشبيهة المعنية بالنزاهة الوطنية، وليرسي مبدأ الشفافية والمساءلة، وليرتقي بأداء الإدارة العامة، وليؤكد على حق المواطـن في الحصول على أفضـل الخدمات، وليجذر ثقافة التميّز في الأداء الحكومي، وليعالج الإجراءات والقرارات والممارسات الخاطئة، وليكون رقيباً تقويمياًتوجيهياً.

ماهي مهام ديوان المظالم الأردني وصلاحياته؟

مهام الديوان وصلاحياته مستمدة من قانونه الذي نص على مايلي: يمارس الرئيس صلاحياته ومهامه باستقلالية تامة ولا سلطان عليه إلا للقانون ولا يتلقى أي تعليمات أو أوامر من أي جهة أو سلطة، ويتولى الديوان المهام الآتية:

- النظر في الشكاوى والتظلمات المرفوعة ضد الإدارة العامة، والعمل على تسوية المقبول منها، وإصدار توصياته في شأنها. والتوصية بتبسـيط الإجراءات لتمكين المواطنين من الإستفادة من الخدماتالمقدمة بفاعلية ويسر، كما إن له المبادرة بدراسة أي موضوع يتعلق في أي من قرارات الادارة العامة او اجراءاتها او ممارساتها وارسال توصياته بخصوصها.

- وأعطى القانون الحق لرئيس الديوان بالإطلاع علىكل الوثائق والأوراق لدى الإدارة العامة واللازمة لقيام الديوان بمهامه، وألزم موظفي الإدارة العامةبتسهيل مهمة الديوان وتزويده بالمعلومات والوثائق المطلوبة، وذلك تحت طائلـة المسؤولية التأديبية والجزائية.

- لرئيس ديوان المظالم مخاطبة رئيس الوزراء في حال أن الجهة المشكو منها لم تقم بـالرد على مذكرة الرئيس خلال المدة المحددة، أو رفضت أو امتنعت عن تزويده بأي من الوثائق أو المعلومـات التي طلبها.

- يرفع تقرير سنوي إلى مجلس الوزراء بنتائج أعمال الديوان عن السنة السابقة ورأي الجهة المختصة ذات العلاقة وعلى رئيس الوزراء تزويد كل من مجلسي الاعيان والنواب بنسخة من التقرير، وذلك في بداية كل دورة عادية لمجلس الامة.

ماهي طبيعة الشكاوى التي يتعامل معها ديوان المظالم؟

عبدالإله الكردي (يسار) مسلّمًا التقرير السنوي لرئيس الوزراء السابق

يقبل الديوان الشكاوى التي يتبين فيها تمييز في المعاملة من الإدارات العامة أو موظفيها أياً كان نوعه أو سببه، أو لم تتحقق المساواة بين متلقي الخدمة أو بين موظفي الإدارة العامة، أو عند تعرض المراجع إلى عدم الإنصاف أو التعسف من قبل الإدارة العامة، أو إذا تعرّض المراجع لأي مخالفة من الإدارة العامة أو موظفيها لأحكام القوانين والأنظمة والتعليمات السارية المفعول، أو سوء الإدارة أو الامتناع عن القيام بإجراء أو فعل أو ممارسة إدارية يوجبها القانون.

وإذا كانت الإجراءات أو الممارسات المشكو منها تستند إلى أنظمة وتعليمات تعتمد معايير غير عادلة ومجحفة بحق أي من الأشخاص أو الفئات المستهدفة بتطبيقها، أو عندما يتبين أن هناك تقصيرًا أو إهمالاً من قبل الإدارة العامة أو موظفيها.

أيضًا فالديوان لا يقبل الشكاوى المقدمة على غير الإدارة العامة أو التي لا تتوافر فيها شروط قبول الشكوى، مثل: الشكاوى ضد الأفراد أو القطاع الخاص كالشركات والأندية، والطلب المطلق للمساعدات بكل أشكالها (مالية، والحصول على سكن، والحصول على وظيفة،وإعفاءات من رسوم وغرامات وما شابه) مالم تستند على حق.

هل حق الشكوى أمام ديوان المظالم متاحة للجميع؟

يمكن لجميع الأردنيين، سواء كانوا من متلقي الخدمة أو من الموظفين في الإدارة العامة، تقديم شكوى ضد الإدارة العامة أو موظفيها، شريطة ألا يكون قد مضى على موضوع الشكوى أكثر من عام، مع وجود إستثناءات في هذا الإطار ينظره الفريق العامل في الديوان.

كذلك يمكن لجميع المتعاملين مع الإدارة العامة مهما كانت جنسيتهم أو مكان إقامتهم. في هذا الصدد تم توقيع مذكرة تفاهم مع وزارة الخارجية جرى بموجبها توفير نموذج الشكوى المعتمد لدى الديوان فيكل السفارات الأردنية في الخارج، وذلك لتمكين المشتكينمن الإدارة العامة بالتقدم بشكواهم بكل يسر أينما كان مقر إقامتهم.

ألا يتعارض دور الديوان مع القضاء؟

هذا سؤال مهم.. لذلك فإن ديوان المظالم الأردني لا يقبل أي شكوى ضد الإدارة العامة أو موظفيها تكون منظورة أمام أي جهة قضائية أو صدر حكم قضائي فيها. أو إذا كان مجال الطعن بها قائماً قانوناً أمام أي جهة إدارية أو قضائية، وكذلك الشكاوى المقدمة بأي طريقة أخرى غير نموذج تقديم الشكوى المعتمد من قبل ديوان المظالم، أو التي لا تحمل توقيع مقدم الشكوى أو ممثله القانوني.

كيف تقوّم علاقة ديوان المظالم مع بقية الجهات الرسمية داخل الأردن؟

يحرص الديوان على تعزيز علاقات التعاون مع مؤسسات الإدارة العامة بشكل عام لإيمانه بأن بناء العلاقات الجيدة مع الإدارة العامة تصبّ في خدمة ومصلحة المشتكي.

أما علاقة الديوان مع الأجهزة الرقابية فهي علاقة تعاونية تكاملية، وليست تنافسية، والتنسيق بيننا قائم على أعلى المستويات، حيث تم توقيع مذكرات تفاهم بين ديوان المظالم وبين تلك المؤسسات تتضمن تشكيل لجان مشتركة من مهامها التنسيق بين عمل الهيئات.

بدأ الديوان عمله قبل نحو عامين.. هل من لمحة عن آخر إحصائية؟

بإحتصار أقول إن ديوان المظالم الأردني تلقى خلال السنتين الماضيتين من عمل الديوان تلقى (4455) شكوى، تم قبول (2323) شكوى، وتبين خطأ الإدارة في (469) منها، وتم حلّ(80%) من مضمون هذه الشكاوى.

هل تعتبر قرارات ديوان المظالم ملزمة لباقي الإدارات الأردنية؟

نجاح الديوان في حل الشكاوى التي ثبت خطأ الإدارة فيها تجاوز نسبة 80%، مما يعكس حقيقة تعاون والتزام الإدارة العامة بقرارات ديوان المظالم في السنة الأولى من عمله. مع ذلك أقول إن ديوان المظالم ينطلق في عمله في الرقابة على نشاط الادارة العامة من منطلق تقويمي توجيهي، ولا شك ان الديوان يسعى في سبيل ذلك الى التواصل مع الادارة العامة بالاقناع، وعليه فسلطة هذا الجهاز لا ينبغي لها أن تكون سلطة فرض وإجبار بقدر ما ينبغي ان تكون سلطة توجيه ترتكز أساسًا على عنصر الإقناع المدعم بالحجة وعمق التحليل واقتراح البدائل العملية التي بدورها تستند إلى كفاءة مهنية عالية وحيادية وصلاحيات واسعة في التحقيق، وهو تحديداً ما يمنح هذا الجهاز قدرته في التأثير ايجابياً على قناعات الإدارة في مناخات هي اقرب إلى التعاون منها إلى فرض الرأي والإكراه.

في حال حصل رفض التجاوب أو التعاون من قبل بعض الإدارات، ماذا يحدث؟

تضمن قانون ديوان المظالم نصًا مهمًًا في ما يتعلق بتسهيل عمله، وهو نص المادة 21: quot;على جميع الموظفين في الادارة العامة تسهيل مهمة الديوان وتزويده بالمعلومات والوثائق المطلوبة، وذلك تحت طائلة المسؤولية التأديبية والجزائيةquot;، اضافة الى صدور تعميم من رئيس الوزراء في هذا الخصوص.

وأيضًا فان لدى الديوان صلاحية مخاطبة رئيس الوزراء كأعلى جهة ادارية حول وجود خلل او تقصير بحق ادارة معينة، وذلك بعد فشل كل الطرق الودية للحل، وغالباً ما يقوم رئيس الوزراء بإرسال مخاطبة الى تلك الادارة لتصويب الخلل.

كما يمكن القول إن رئيس الوزراءيرسل نسخًا من التقرير السنوي الذي نصدره الى مجلسي الاعيان والنواب، وهنا تتحرك المساءلة السياسية التي يمكن من خلالها لديوان المظالم التشبيك مع النواب من اجل ارسال استجواب او سؤال للدائرة المعنية حول الخلل الموجود.

ماهي الصعوبات التي تجابه عمل الديوان؟

في الحقيقة هي صعوبات كثيرة، فعلى الرغم أننا جهة مستقلة ماليًا وإداريًا، إلا أننا نعاني تدني المبالغ المالية المخصصة في موازنة الدولة لديوان المظالم، وربما يكون هذا الأمر مبررًا بسبب الأعباء الإقتصادية التي يواجهها الأردن، وأيضًا تأثيرات أزمة المال العالمية التي تزامنت مع إنطلاق عمل الديوان.

لكن في المقابل هذا الأمر ينعكس سلبًا على رسالة ودور ديوان المظالم، الذي يعتبر الأول من نوعه بهذه التسمية، وأيضا الإستقلال كجهة رسمية، والأهم أنه لا يتقاضى أي مقابل مالي نظير الشكاوى التي يقبلها، فعلى سبيل المثال كديوان نريد أن نزيد حجم الكادر الموجود لأداء أكثر إنتشارا، لكننا نصطدم بعقبة المخصصات المالية، وقرار الحكومة منع التعيين في الجهاز الحكومي.

أيضًا يمكن القول إن فكرة ديوان المظالم لن تصل بعد بالشكل المثالي الى الأردنيين، الذين يفتقرون ثقافة الشكوى على الإدارة العامة، لذلك فإن التقليص المستمر لموازنة الديوان لا تخدم رسالته، ولا تعمم فكره والسلطة التي يتمتع بها لحل الشكوى، ولو جرى دعمنا ماليًا بموازنة أكبر، لأتاح ذلك المجال واسعًا أمام تخفيف العبء الكبير على مرافق القضاء الأردني، فآلاف القضايا المرفوعة يقف خلفها مواطنون، يعتقدون أنهم أصحاب حق، ويريدون أن يتظلموا من قرارات تعرضوا لها في الإدارات الحكومية.