فيما يقترب موعد الاستفتاء عليها، تواجه التعديلات الدستورية التي أعقبت ثورة 25 يناير المصريّة، رفضاً على المستوى السياسي، بينما تقف الغالبية حائرة، حيث لم يتم الترويج للتعديلات بشكل كاف يجعل المواطنين، الذين يعاني نحو 42% منهم الأمّية، قادرين على تحديد مواقف بالمواقفة أو الرفض.


القاهرة: يقف رموز العمل السياسي في مصر ضد التعديلات الدستورية، مطالبين بوضع دستور جديد، بعدما أسقطت الشرعية الثورية دستور 1971 مع سقوط النظام الحاكم، وكان على رأس جبهة الرفض المرشحين الثلاثة الأبرز للإنتخابات الرئاسية المقبلة، وهم: الدكتور محمد البرادعي وعمرو موسى وأيمن نور، إضافة إلى أحزاب المعارضة الرئيسة وإئتلاف شباب الثورة، وهي: التجمع القدمي الوحدي، العربي الناصري، الوفد، الجبهة الديمقراطية، الغد.

فيما تقف جماعة الإخوان المسلمين وحزب الوسط ذو المرجعية الإسلامية والحزب الوطني الحاكم سابقاً في خندق الموافقة، أي إن القوي السياسية الليبرالية واليسارية في خندق الرفض، فيما تقف القوى الإسلامية مع عدوها التاريخي، ألا وهو الحزب الوطني في خندق القبول.

ووفقاً للدكتور جابر نصار أستاذ القانون الدستوري في جامعة القاهرة، فإن التعديلات لا قيمة لها على الإطلاق، لاسيما أن ثورة 25 يناير أسقطت الدستور القديم، مشيراً إلى أنه لا يصحّ إجراء تعديلات عليه، بل استبداله بدستور جديد، يلبي تطلعات الثورة وطموحاتها في دولة ديمقراطية.

وقال لـquot;إيلافquot; إن التعديلات التي أدخلت على الدستور محدودة للغاية، ولم تتطرق إلى جوهر المشكلة في الدستور 1971، ألا وهي سلطات رئيس الجمهورية غير المحدودة، فمن حقه حل البرلمان، مشيراً إلى أن البنية الإستبدادية الخاصة برئيس الجمهورية ما زالت قائمة، فهو يترأس مجلس القضاء الأعلى ومجلس الشرطة الأعلى ومجلس القوات المسلحة الأعلى، ويعيّن ثلثي أعضاء مجلس الشورى، الذي لم يعد له قيمة، وكان لابد من إلغائه بعد قيام الثورة، ويعين عشرة أعضاء في مجلس الشعب، ويعين أعضاء النيابة العامة، ورؤساء المؤسسات الحكومية، هناك نحو 42 مادة من الدستور تمنحه سلطات تغويه بممارسة الإستبداد.

ويرى المعارض البارز أيمن نور أن غالبية المواد التي شملتها التعديلات، أجريت قبل سقوط النظام الحاكم ووافق عليها الرئيس السابق حسني مبارك، وتشمل تقليص مدد رئاسة الجمهورية من فترات إلى فترتين فقط، مدة كل واحدة أربع سنوات، إضافة إلى توسيع شروط الترشيح وعودة الإشراف القضائي على الإنتخابات، وإلغاء المادة التي تسمح للرئيس بإعلان حالة الطوارئ.

وقال نور لـquot;إيلافquot; إن الاستفتاء على تلك التعديلات في الوقت الراهن لا يخدم مصلحة الوطن. وأضاف أن تلك التعديلات تضفي شرعية على دستور البلاد، الذي أسقطته الثورة مع إسقاط النظام، ولابد من تشكيل لجنة تأسيسية لوضع دستور جديد يلبّي متطلبات المرحلة الجديدة من تاريخ مصر.

يرفض ائتلاف شباب الثورة، التعديلات، ويدعو إلى التصويت ضدها في استفتاء السبت المقبل، وقال شريف صادق عضو الائتلاف لـquot;إيلافquot; إن التعديلات التي شملت مواد: 76 و77 و75و88 و93 و179 و189، كانت تناسب مرحلة من قبل الثورة، ولو كان الرئيس السابق حسني مبارك أعلنها قبل قبل إندلاع الثورة في 25 يناير الماضي، لحمله الشعب على الأعناق ومنحه الخلود. أما الآن، فقد أسقطت الثورة الدستور كلياً، ولا يفيد معه الترقيع، ويتم إنتخاب مجلسي الشعب والشوري حسب النظام القديم، ويكون بإمكان رئيس الجمهورية تعطيل وضع دستور جديد بما له من سلطات واسعة.

ولفت صادق إلى أن الإئتلاف سوف يقوم بحملة لتوزيع نحو مليون ونصف مليون بيان على المواطنين لرفض التعديلات موضح فيها أسباب الرفض، منوهاً بأن الإئتلاف رسم معالم المرحلة الإنتقالية وأطلع المجلس العسكري في إجتماعهم معه على تلك المعالم، وتتمثل في نقاط عدة هي: تشكيل مجلس رئاسي. وتشكيل جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد. وإطلاق الحريات العامة وحرية الأحزاب والتنظيمات النقابية.

في المقابل، أطلق تنظم جماعة الإخوان المسلمين حملة لحثّ المواطنين على الموافقة على التعديلات، وقال الدكتور محمد البلتاجي القيادي في الجماعة إن التعديلات الدستورية التي أقرّتها لجنة المستشار طارق البشري كافية للعبور بمصر من المرحلة الخطرة التي تمر بها حالياً إلى مرحلة أكثر آمناً، لاسيما أن هناك من يتربص بالثورة ويحاول الإنقضاض عليها أو القيام بثورة مضادة.

وأضاف لـquot;إيلافquot; أن التعديلات الحالية تلزم رئيس الجمهورية المقبل بتشكيل لجنة لوضع دستور جديد. مشيراً إلى أن الإشراف القضائي على الإنتخابات سوف يضمن نزاهتها، وستكون تلك الإنتخابات معبرة عن إرادة الشعب، وهذا أحد أهم أهداف ثورة 25 يناير. داعيا المصريين إلى الذهاب إلى صناديق الإقتراع والتصويت بنعم على التعديلات.

في السياق عينه، دعا محمد رجب الأمين العام للحزب الوطني الحاكم في النظام السابق المصريين إلى الموافقة على التعديلات، وبرر دعوته لـquot;إيلافquot; بأن تلك التعديلات تلافت الكثير من عيوب دستور 1971، وأعادت الإشراف القضائي على الإنتخابات بما يضمن نزاهتها، وقصرت مدة بقاء رئيس الجمهورية في السلطة على فترتين فقط، كل واحدة 4 سنوات، وألزمت رئيس الجمهورية ومجلسي الشعب والشوري المنتخبين بإختيار لجنة مكونة من 100 عضو لوضع دستور جديد للبلاد.

لكن ما موقف الغالبية من المصريين؟ هذا السؤال يجيب عنه المواطن، محمود سالم، 24 سنة، عامل فيمحل للمواد الغذائية في منطقة الجيزة، بقوله إنه حتى الآن لا يدري طبيعة التعديلات ولا الجديد التي سوف تقدمه للحياة السياسية، الجميع يتحدث عنها، لكن أحدًا لم يكلف نفسه عناء شرحها وتوضيح مميزاتها للمصريين.

وأضاف quot;رغم انتشار القنوات الفضائية في مصر، إلا أن أيًا منها لم تعرض تلك التعديلات بشكل واف ومتكرر، وتغافلت الصحف عن طرحها أيضاً، الجميع عرضها مرة واحدة عند الإعلان عنها فقط.

وتابع محمود الحاصل على مؤهل متوسط: التليفزيون المصري قصّر جداً في توضيح التعديلات، وتناسى أن هناك شريحة عريضة من المصريين أمّية، ويعتمدون في معلوماتهم على التليفزيون بالأساس.

كلام محمود سالم يلامس الواقع بدرجة كبيرة، حسبما يقول الدكتور جمال عبد الحكيم أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة لـquot;إيلافquot;، ويضيف أن أحدث إحصائيات منظمة اليونسكو تشير إلى أن 42% من المصريين الذكور و53% من الإناث فوق سن الثالثة عشر يعانون الأمية، أي إنهم لا يجيدون مبادئ القراءة والكتابة، وهؤلاء كان الحزب الوطني يعتمد عليهم بدرجة كبيرة في تمرير الإستفتاءات أو التصويت لمصلحة مرشحيه في الإنتخابات النيابية، حيث كان يحشدهم في سيارات إلى لجان الإقتراع، ويرشدهم للتصويت لمصلحة من يريده، أو يتسلم منهم بطاقاتهم الإنتخابية ويقوم أعضاؤه بالتصويت نيابة عنهم.

ويشير عبد الحكيم إلى أنه في حالة رفض التعديلات لن يكون أمام المجلس العسكري من خيارات سوى تشكيل لجنة لوضع دستور جديد.