دمشق: لقد مرت عقود منذ ان شهدت سوريا مظاهرات حاشدة، ولكن الدولة لديها تاريخ غني من التمرد والقمع بالمقابل
في السنة الـ 41 منذ قيام ما يعرف بـ quot;الثورة التصحيحيةquot; وضع حافظ الأسد، والد الرئيس الحالي بشار الاسد، نمطاً راسخا من الحكم للسيطرة على سوريا.
في ذلك الوقت، واجه النظام البعثي بعض التحديات لسلطته على شكل احتجاجات شعبية.
القمع العنيف، جنبا إلى جنب مع وعود التغيير، ابقت المعارضة السورية محصورة في مجموعات نخبوية، وعلى شبكة الإنترنت، كما في الآونة الأخيرة.
ولكن لم تكن السياسة السورية على هذا المنوال دائماً.
ما بين الأربعينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضي، فإن المشهد السياسي السوري شكلته مجموعة حية من القوى السياسية المتنافسة.
ولعب الجيش دورا حاسما في الأحداث، فقد كان هناك ثلاثة انقلابات عسكرية في 1949 وحدها ، تليها أخرى في عام 1954 ، بالإضافة إلى الانقلابات التي يقودها حزب البعث عامي 1963 و 1966.
ومع ذلك، فإن السياسات الشعبية كانت على قدر كبير من الأهمية، عبر مظاهرات في الشوارع، واضرابات كانتا من الأشكال الشائعة للاحتجاج.
أصبح الجيش في الواقع مسيساً بشكل متزايد، حيث تأثر الضباط الشباب بالشيوعية والبعث، وباتوا يدعون الى تغيير جذري: كالاشتراكية على النمط السوفيتي من ناحية، أو quot;اشتراكية عربيةquot;، من ناحية أخرى.
أحداث عامي 1953 و 1954والتي بلغت ذروتها في قلب نظام الحكم العسكري للرئيس أديب الشيشكلي، حيث حددت إلى أي مدى يمكن للاستياء في المحافظات، ان تدعم المركز، وتؤثر في النظام القمعي.
وكان الشيشكلي قد أمر الجيش بالتحرك إلى منطقة جبل الدروز في جنوب سوريا، واعتقال الزعماء الدروز رداً على توزيع منشورات معادية للحكومة.
وقتل محتجون على يد القوات السورية، مما اثار مظاهرات أخرى.
وتزامن ذلك أيضا مع مظاهرات في حلب وغيرها من المدن الشمالية والوسطى، مترافقة بالقمع، بالمقابل.
ويبدو ان الحملة وفي فبراير 1954 نجحت بالاطاحة بالشيشكلي، وعلى نحو غير عادي بالنسبة لسوريا فإن قادة الانقلاب سلموا السلطة الى المدنيين، وسمحوا بانتخابات حرة، والتي عقدت بعد بضعة أشهر من ذلك التاريخ.وأما فترة الاضطرابات المدنية ضد نظام الأسد في السبعينيات فقد كانت نتائجها أكثر دموية بكثير.
وقد أعقب التدخل السوري في الحرب الأهلية اللبنانية في 1976 ضد الفصائل اليسارية والفلسطينية احتجاجات واسعة النطاق ودعوات للإصلاحات الديمقراطية وسيادة القانون بزعامة الناشطين العلمانيين.
وشارك، وفي الوقت نفسه، وبنفس الوقت بسرية، جماعات المعارضة الاسلامية في هجمات عنيفة ضد المسؤولين في النظام ومؤيديه.
وجاءت المواجهة النهائية في عام 1982، مع اندلاع الانتفاضة الشعبية في مدينة حماة، والتي سحقت بوحشية من قبل الجيش وترك ربما أكثر من عشرة آلاف قتيل، وتدمير أجزاء كبيرة من المدينة.
وذكريات حماة، تترافق مع حملة قمع ضد شبكات المعارضة الليبرالية واليسارية، والتي عادت إلى العلن مرة أخرى بعد ما يقرب من 20 عاماً، وعلى نطاق واسع.
في عام 2000، وبعد وفاة حافظ الأسد، أدى نقد المثقفين للنظام إلى تجدد نشاط المعارضة المعروفة باسم quot;ربيع دمشقquot;.
ورغم أن هذا كان سببا في ازدهار النقاش الفكري، بدلا من تكون حركة احتجاج، وأدى النقد إلى ولادة جديدة من النشاط السياسي بين طبقة من المثقفين والمهنيين، وبعضهم استمر في الضغط من أجل الإصلاح السياسي حتى اليوم.
واحدة من تلك الشخصيات هي سهير الأتاسي، التي أسست منتدى جمال الأتاسي، كمجموعة حوار ونقاش اسمتها نسبة والدها، وهو معارض سياسي قديم.
تم إغلاق المنتدى من قبل السلطات في عام 2005، ولكن سهير استئنفتها مؤخرا كمجموعة نقاش الكترونية على الإنترنت.
كما نشطت سهير الاتاسي في دعم طل الملوحي، الشابة السورية المدونة وهي في السجن حالياً.
وقد دفعت حركات الاحتجاج في مصر وليبيا الأتاسي وزميلائها النشطاء في حقوق الإنسان إلى محاولة تنظيم احتجاجات عامة صغيرة الحجم.
ويقول منير الاتاسي، قريب عائلة سهير: كل ما كان يفعلونه هو حمل الشموع أمام السفارةquot; الليبية، وقبلها المصرية.
وهاجمت الشرطة في 16 مارس نشطاء في حقوق الانسان، خلال مظاهرة دعا إليها أقارب المعتقلبين السياسيين في سوريا، واعتقلت سهير الأتاسي على اثرها.
وفي غضون أيام من اعتقالها، كانت الأحداث في درعا قد اشعلت المزيد من الاحتجاجات، وبدأت حلقة من القمع والتمرد، مما قد يدفع إلى تجنيد الكثير من السوريين.
منير الأتاسي يؤكد أن سهير وغيرها من نشطاء حقوق الإنسان يدعون إلى الإصلاح منذ سنوات، وليس إلى الثورة على النظام.
ويضيف: ولكن قتل المتظاهرين من قبل السلطات يدفع الناس إلى التشكيك في نوايا النظام.
ويقول: quot;الآن هناك أصوات المزيد والمزيد من الناس يدعو إلى تغيير كامل، ولا يمكن لأحد أن يقدر إلى أي مدى يمكن أن تذهب هذه المطالب.
ويضيف منير الاتاسي: quot;مجرد الحديث عن الإصلاحات من قبل المسؤولين الحكوميين ليست كافية لاسترضاء الشعب السوري، فما يسمعونه في وسائل الإعلام يختلف تماما عن ما يرونه على أرض الواقع، ولذا فهم لا يصدقون وعود الحكومة بالاصلاحquot;.
التعليقات