لطالما كانت العلاقات بين الاستخبارات الأميركية ونظيرتها المصرية حجر الزاوية بالنسبة إلى عمليات أميركا السرية في الشرق الأوسط، حيث كان يلعب فيها الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات المصري، عمر سليمان، دوراً كبيراً. لكنّ هذا الجهاز وقياداته الجديدة، بات يثير مخاوف الأميركيين في مرحلة ما بعد مبارك.


الرئيس الجديد للاستخبارات العامة المصرية مراد موافي (يمين)

القاهرة: عندما توجه بهدوء الرئيس الجديد للاستخبارات العامة المصرية، مراد موافي، الشهر الماضي إلى العاصمة السورية دمشق لعقد سلسلة من الاجتماعات لمدة يوم واحد فقط، كانت تلك الزيارة موضع اهتمام من جانب نظرائه الأميركيين، بعد أن بدأت تثار تساؤلات حول ما كان يفعله هناك، ومع من التقى ؟

وهنا قال مسؤول بارز في وزارة الدفاع الأميركية، بعد أن رفض الكشف عن هويته وآثر ألا يتحدث ولم يعط مزيداً من الإيضاحات :quot; بصراحة، لدينا أفكارنا، لكننا لا نعرف أي شيء بالتأكيد. لن أقول إننا قلقون ndash; حتى الآن. والاهتمام هو على الأرجح الكلمة الأفضل هناquot;.

وجاءت الاضطرابات التي تشكل تحدياً للأنظمة الاستبدادية في كافة أنحاء الشرق الأوسط لتنقلب على العلاقات الاستخباراتية الأميركية التي كُوِّنَت على مدار عقود.

ورأت صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير لها اليوم ضمن هذا السياق أن التغييرات الحاصلة الآن تهدد بتقويض النفوذ الأميركي في المنطقة في هذا التوقيت الحاسم وترك الجهود المبذولة لمكافحة القاعدة وغيرها من الجماعات الإسلامية طي النسيان.

وقالت الصحيفة إن الغموض يكتنف الآن المشهد في مصر، بصورة ملفتة عن غيرها من دول المنطقة، في وقت أكدت فيه أن العلاقات بين الاستخبارات الأميركية والمصرية لطالما كانت حجر الزاوية بالنسبة إلى عمليات أميركا السرية في المنطقة، حيث كان يلعب فيها الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات المصري، عمر سليمان، دوراً كبيراً.

وأوضحت الصحيفة أن سليمان أبقى قبل رحيله غطاءً على جماعة الإخوان المسلمين وأنه كان يتناول الغذاء بانتظام مع كبار المسؤولين الأميركيين، ويقدم لهم النصيحة بشأن بعض من معضلاتهم الشائكة المتعلقة بسياسة بلادهم الخارجية، ومنها : كيفية التحقق من نفوذ إيران أو الحد من قوة حماس.

وبفضل الدور الذي لعبه سليمان أيضاً، أصبحت مصر في العام 1995 أول دولة تتعاون مع البرنامج الأميركي للترحيل السري الذي يعني بإرسال أشخاص يشتبه في تورطهم بنشاطات إرهابية إلى دول ثالثة حيث يتم استجوابهم، وفي كثير من الحالات، تعذيبهم.

وأكد مسؤولون أميركيون أن الرئيس الجديد للاستخبارات المصرية، مراد موافي، البالغ من العمر 61 عاماً، أكثر حذراًَ في علاقته بهم. وقال مسؤول أميركي ثان :quot;تعرضت مصر لزوبعة كبرى، لذا نحن نتعامل من الواضح مع موظفين وشخصيات جديدة متطورة وناشئة. وكان يرتبط عمر سليمان بعلاقة شخصية ووطيدة للغاية بالرئيس مبارك، ولا نعلم الطريقة التي سيتعامل من خلالها الرئيس الجديد لجهاز الاستخباراتquot;.

ومع هذا، رأت الصحيفة أن التفاصيل المحدودة المعروفة عن سيرة اللواء موافي تبين أنه رجل على استعداد للعمل مع الولايات المتحدة تماماً مثل عمر سليمان. فبعد أن ارتقى في صفوف الجيش المصري القوي، حصل في الأخير على رتبة لواء وأدار الاستخبارات العسكرية، قبل أن يدخل عالم السياسة ويصبح محافظاً لشمال سيناء.

ثم عاود المسؤول الأميركي الثاني ليقول :quot; ربما من السابق لأوانه تحديد السمات التي ستكون عليها القيادة الجديدة. والإشارات تتحدث حتى الآن عن المصالح المشتركة طويلة الأمد، وهي المتعلقة بإيجاد المتطرفين العنيفين ومنعهم من العيث فساداً في مصر أو الولايات المتحدة أو أصدقائنا، وأعتقد أن ذلك لا يزال يشكل قوة دافعة لتعاونناquot;.

وأفاد مسؤولون أميركيون بأن اللواء مراد موافي كان واحداً من الأشخاص الذين اتصلت بهم واشنطن، بعد أن أطلقت السلطات المصرية سراح شقيق أيمن الظواهري، نائب زعيم تنظيم القاعدة، وسط عملية إطلاق سراح لعدد كبير من المعتقلين السياسيين عقب سقوط نظام مبارك.

حيث أوضح مسؤولون أميركيون أنهم قلقون من أن يكون الإفراج عن شقيق الظواهري علامة على أن مصر تتحول صوب إستراتيجية أكثر ليونة في ما يتعلق بطريقة تعاملها مع المتطرفين. وفي غضون أيام، تم إلقاء القبض من جديد على محمد الظواهري.

وتقول السلطات المصرية الآن إنها تخطط لإعادة محاكمته بسبب دوره المزعوم في جريمة اغتيال الرئيس المصري السابق، محمد أنور السادات، عام 1981، وهي الجريمة التي حُكِمَ فيها عليه بالإعدام عام 1999 ndash; رغم أن الحكم لم ينفذ على الإطلاق منذ ذلك الحين.

هذا ولم يتسن للصحيفة أن تصل إلى اللواء موافي أو إلى جهاز الاستخبارات المصري، الذي لا يوجد له متحدث رسمي، من أجل التعليق على القضية الخاصة بمحمد الظواهري أو الاتجاه العام للاستخبارات المصرية في مرحلة ما بعد مبارك.

ثم مضت الصحيفة تقول إن المسؤولين الأميركيين والأوروبيين والإسرائيليين قلقون من أن يجد موافي نفسه يتعامل عما قريب مع حكومة جديدة يُحتَمل أن تكون أكثر استجابة للرأي العام، الذي تنتابه مشاعر سلبية إلى حد كبير بشـأن الولايات المتحدة وإسرائيل.
ومن المتوقع، تبعاً للصحيفة، أن تحظى جماعة الإخوان بصوت قوي في الحكومة، ويتحدث المسؤولون المصريون بالفعل عن الحاجة إلى سياسة أجنبية تكون أكثر استقلالاً عن الولايات المتحدة.

وأوردت الصحيفة في هذا الصدد عن محمد علي بلال، جنرال جيش متقاعد وسبق له العمل عن كثب مع موافي، قوله :quot; توجد لدى اللواء موافي وغيره من المسؤولين رؤية بشأن الشكل الذي يجب أن تكون عليه العلاقة مع الولايات المتحدة بعد الثورة. فهذه حقبة جديدة وعليهم أن يراعوا مصالح مصرquot;.

وأوضحت الصحيفة أن الزيارة التي قام بها موافي في الثامن عشر من شهر آذار/ مارس الماضي إلى سوريا تشير على ما يبدو إلى تغير الأولويات لدى مصر. ولفتت هنا إلى التصريحات التي أكد من خلالها مؤخراً مسؤولون مصريون بارزون، من بينهم وزير الخارجية نبيل العربي، على أنهم يرغبون في إصلاح علاقة بلادهم بسوريا، وقد تزامنت زيارة موافي مع محاولات مصرية لاستئناف عملية المصالحة الفلسطينية.

وأوردت الصحيفة عن ايهود يعاري، الزميل المقيم في إسرائيل لدى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، قوله quot; الإسرائيليون لا يعرفون اللواء موافي بشكل جيد، وقد نأى بنفسه بعيداً عنهم. ولسنا متأكدين من الغرض المحدد لزيارة سورياquot;.