جمعيات مغربية تتهم فرنسا بالتدخّل في شؤون الرباط

عبّر العديد من الجمعيات المغربية في فرنسا عن استياء من التعاطي مع حركة 20 فبراير الشبابية بعد تصريحات وزير الخارجية الفرنسي في الأمم المتحدة حول المغرب، والاجتماع الأخير لنائب السفير الفرنسي في الرباط مع مجموعة من الشباب، عبّر فيها عن موقفه من العدل الإحسان واليسار الراديكالي في المغرب.

جانب من احتجاجات حركة quot;20 فبرايرquot; الشبابيّة المغربيّة

باريس: نظمت جمعيات مغربيّة منضوية تحت لواء quot;اللجنة المغربية لمتابعة حركة 20 فبرايرquot;، التي تضم حوالي عشرين جمعية، أخيرًا تجمعًا قبالة الخارجية الفرنسية في باريس.

وتم تلاوة خلال هذا التجمع رسالة وجهها المحتجون إلى رئيس الدبلوماسية الفرنسية، عبّروا فيها عن معارضتهم الموقف الفرنسي من الحراك السياسي الذي يعرفه المغرب في الوقت الحالي.

وأدانت الرسالة، التي وصلت إلى quot;إيلافquot; نسخة منها، تصريح آلان جوبيه وزير الخارجية في الأمم المتحدة، لأنه أثنى، بحسب الرسالة على quot;شجاعة محمد السادس الذي رسم في خطابه الطريق نحو ملكية دستوريةquot;، مذكرة بالتعاطي الفرنسي مع الثورة التونسية بالقول: quot;هل من الضروري تذكيركم بالخطأ السياسي الذي ارتكبته فرنسا تجاه الشعب التونسي؟quot;.

واعتبرت الرسالة أن نائب السفير الفرنسي في المغرب quot;ذهب إلى أبعد من ذلك، بعدما جمع شبابًا متحزبًا في إقامة السفير الفرنسي في الرباط، واتهم الإسلاميين وأقصى اليسار باستغلال الوضع لمصلحتهمquot;، مضيفة أن الغرض من ذلك quot;إحجام هؤلاء الشباب عن المشاركة في احتجاجات حركة 20 فبرايرquot;.

وتوجهت الرسالة إلى وزير الخارجية الفرنسية، معبّرة عن quot;استنكارها سلوك الدبلوماسية الفرنسيةquot;، على حد تعبيرها، مخاطبة إياه، quot;بتصريحاتكم في الأمم المتحدة تساهمون في حملة رسمية منظمة للدولة المغربية للتنقيص من قيمة ما تقوم به حركة 20 فبراير، التي تتطلع إلى تحولات ديمقراطية حقيقيةquot;، بحسب الرسالة نفسها.

وتحدثت الرسالة بلهجة شديدة، وهي تذكر رئيس الدبلوماسية الفرنسية في إحدى فقراتها بكون quot;عهد الحماية قد ولى...quot;، مشيرة في الوقت نفسهإلى أن quot;مغاربة اليوم كما الذين يكبرونهم سنًا، المنتمين إلى حركة التحرير الوطني، يرفضون أبوتكم، ولا يقبلون بتدخلكمquot; على حد تعبيرها.

في السياق نفسه، تضيف الرسالة quot;إن المغاربة قادرون وحدهم على كتابة صفحة من تاريخهم، على غرار ما تقوم به شعوب المنطقةquot;.

وطالبت اللجنة المغربية لمتابعة حركة 20 فبراير، في الرسالة عينها، وزير الخارجية الفرنسي quot;بإعادة النظر في تعاطيه مع أسئلة الشعب المغربي الذي انطلق في مسيرة تجاه الانعتاق والحرية وسيجرف كل من اعترض طريقهquot;.

ولم يتم استقبال ممثلين عن اللجنة من طرف مصالح الخارجية الفرنسية على هامش هذا التجمع، نظرًا إلى تزامنه بحسب مصادر مع لقاء لرئيس الدبلوماسية الفرنسية مع نظيره المغربي الفاسي الفهري، الذي كان في جولة إلى العديد من العواصم العالمية، لحشد الدعم الدولي للإصلاحات الدستورية التي فتح نقاش موسع بشأنها في المملكة.

فرنسا ترغب في أن يكون لها دور في أي تطور يحصل في المغرب

فسّر المحلل السياسي الدكتور الشرقاوي الروداني هذا التحرك الجمعوي بكون quot;النسيج الجمعوي يريد بعث رسالة للسياسي الفرنسي بعدم التدخل في المشهد السياسي المغربي، وعدم وضع مقاربة ربما تكون هي امتداد، في القراءة، لزمن الحماية والرجوع إلى زمن مقولة الرئيس الفرنسي السابق ادغار فور، المعروف بمقولته الشهيرة الاستعمارية، التي تلخص الاستقلال الصوري وهي الاستقلال في ظل التبعية المتبادلةquot;.

وإن كان تحرك الدبلوماسية الفرنسية في المغرب يمكن فهمه انطلاقًا من التجربة التونسية التي أوقعتها في أخطاء قاتلة، يقول الروداني في حديثه لـquot;إيلافquot; ويضيف: quot;فرنسا أصبحت تتخوف أكثر من أي وقت مضى من الوجود الأميركي في المتوسط، و خاصة في المغرب، كما إن فشل الدبلوماسية الفرنسية في فهم التحولات في تونس ومصر وعدم التعاطي الايجابي مع الأحداث، كوّن لديها رغبة لبصم رؤيتها على تطورات الأحداث وإظهار دورها الجديد في دول المغرب العربيquot;.

ويوضح الشرقاوي الروداني أكثر وجهة نظره بالقول: quot;إطلاق سراح المحتجزين المغاربة لدى الجزائر والبوليساريو تم بوساطة أميركية، وكذلك أزمة جزيرة ليلى لم يتم حلها إلا بتدخل وزير الخارجية الأميركية آنداك كولن باول. كل هذا جعل فرنسا تفقد كثير من البريق في منطقة تعتبرها تحث نفوذهاquot;.

ويعتبر الروداني أن quot;الموقع الاستراتيجي المتميز للمغرب بوصفه قنطرة بين ضفتي المتوسط يجعل فرنسا دائمًا في مقاربات سياسية واقتصادية تجعلها تحافظ على مصالحها الاقتصادية، وهذا ما أدى إلى خلق آليات تراقب هده العلاقات بين البلدين من خلال quot;مجلس توجيه وتسيير الشراكة، على حدّ تعبيره.

ويضيف: quot;فرنسا تُعتبر أول شريك تجاري للمغرب، حيث وصل حجم المبادلات التجارية معه إلى6 مليار يورو، وهي أهم مستثمر في المغرب بما يناهز990 مليون يورو من الاستثمارات المباشرة. كل هذا يجعل فرنسا لا تغمض العين على كل ما يقع في المغربquot;.

و فسّر الروداني quot;تصريحات نائب السفير الفرنسي في الرباط حول الأصوليين المتشددين ونظرائهم اليساريين على أنها تظهر التوجّس الفرنسي من جماعة العدل والإحسان وحزب النهج الديمقراطيquot;.

وقال الروداني إن الوثائق السياسية للجماعة كانت دائمًا تفتقد الوضوح و تتسم بالغموض. فوثيقة الجماعة الصادرة في2008 والمعنونة بـquot;جميعًا من أجل الخلاصquot; كانت قوية، وأظهرت الجانب الراديكالي كمقاربة في النهج الأدبي والنضالي للجماعةquot;.

فجماعة الشيخ عبد السلام ياسين quot;وظفت مصطلحات عدةفي أدبياتها التي ترمز إلى الثورة، وهنا نجد كلمة quot;القومةquot; و التي تعني الثورة السلمية، والتي يبقى الهدف منها، عندما نقرأ كتب الجماعة ،quot;تربية و تنظيما وزحفاquot;، تحقيق هدف الوصول إلى السلطة.

أما عن النهج الديمقراطي، فيقول الدكتور الروداني إنه على ارتباط وثيق بالإيديولوجية الماركسية رغم انخراط الحركة اليسارية الراديكالية في غالبيتها في اللعبة السياسيةquot;، مضيفًا أن quot;الحمولة الفكرية للإيديولوجية الماركسية قد تنتعش في ظل التحولات الراهنة التي تعيشها المنطقة العربية، خاصة وأن الحزب لا يتردد في دعوة القوى الديمقراطية، بحسب تعبيره، الى بناء جبهة مناهضة للإمبريالية الفرنسية والأميركيةquot;.

ويخلص الروداني إلى القول إن هذا التعاطي المتباين للجماعة العدل والإحسان من جهة وحزب النهج الديمقراطي من جهة ثانية، من خلال لعب دور سياسي من خارج المشروعية، جعلهما يتقاطعان في كلمة quot;الخلاصquot; التي تطبع رؤيتهم الراديكالية للتغيير في المغرب، وهذا ما قد يؤدي إلى حالة اللاستقرار في البلدquot;.

وهناك شق آخر لا يقل أهمية عن سابقه، وهو أنّ المغرب دولة محورية في اتفاقيات أورو متوسطية، وتربطه علاقات وشركات اقتصادية، مالية و سياسية وأمنية، فقد كان المغرب أول دول الجنوب التي أنجحت المقاربة التشاركية في العلاقات الثنائية مع دول الغرب، من خلال تجربة، كان الحلف الأطلسي يريد حصرها في دول أوروبا الشرقية وأوروبا الوسطى.

حركة 20 فبراير والإصرار على الاستمرارية

وكان شباب من حركة quot;20 فبرايرquot; التقوا مع ممثل السفارة الفرنسية في المغرب، وأبلغوه من خلال رسالة لهم، بحسب ما نشرته صحيفة مغربية، أن quot;الاحتجاجات لن تتوقف، وستستمر في التعبئة للتظاهر السلمي حتى نهاية نظام المخزن وقيام ملكية برلمانية، يسود فيها الملك ولا يحكم، وتحقيق التقدم والديمقراطية، ومحاكمة المجرمين والمفسدين من ناهبي المال العام والمسؤولين على نهب ثروات المغرب وتفقير الشعبquot;.

كما عبّر هؤلاء الشباب عن quot;استمرارهم في التعبئة للوقوف سدًا منيعًاquot;، أمام ما أسموه بـquot;جيوب المقاومة التي تضغط من داخل النظام لتمنع تطبيق الالتزامات الملكية والمطالب العادلة للشباب والشعب المغربيquot;.

وشجبوا في الوقت نفسه بشدة التدخلات، التي وصفوها quot;بالوحشيةquot;، لقوات الأمن المغربية لتفريق المظاهرات السلميةquot;.

من جهته، أثنى نائب السفير الفرنسي في الرباط على الخطاب الملكي الأخير، واصفًا إياه quot;بالقوي والتاريخيquot;، وأنه quot;حمل إجابات لعدد من المطالبquot;، وأوضح أن المغرب بإمكانه أن يكون quot;نموذجًا للانتقال السلمي نحو التقدم والديمقراطية وتحقيق ثورة هادئة نموذجية في المنطقة بفضل شبابه الواعي وإنصات ملكه إلى مطالب الشارعquot;.