مهاجرون يعبرون على متن قارب من تونس إلى إيطاليا

فيما تمنح إيطاليا المهاجرين تأشيرات تسمح لهم بالتنقّل بكل حرية داخل دول الاتحاد الأوروبي وفقًا لاتفاقية شينغن، أوقفت فرنسا العديد من القطارات التي تقلّ مهاجرين تونسيين آتية من إيطاليا عند الحدود بينهما بغرض تفتيشها، مما أدى إلى نشوب خلاف بين الدولتين.


برلين: من الذي يجبر فرنسا على التهديد بتعليق العمل باتفاقية شنغن الخاصة بحرّية السفر عبر الحدود في الاتحاد الأوروبي؟.

يرد مصدر قريب من الرئاسة الفرنسية أن السبب يكمن في تدفق المهاجرين من تونس وليبيا عن طريق إيطاليا، والخلاف مع الأخيرة حول هذه المسألة. حيث أقدمت إيطاليا على منح المهاجرين تأشيرات، مما يسمح لهم بالتنقل بكل حرّية داخل دول الاتحاد الأوروبي وفقًا لاتفاقية شينغن. وهو الأمر الذي رفضته فرنسا، حيث أوقفت العديد من القطارات، التي تقلّ مهاجرين تونسيين، آتية من إيطاليا عند الحدود بينهما خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي بغرض تفتيشها، مما أدى إلى نشوب خلاف بين الدولتين.

ويثور جدل بين البلدين منذ أسابيع عدة بشأن 25 ألف مهاجر تونسي وصلواإلى الأراضي الإيطالية، ويرغبون في الهجرة إلى فرنسا بوثائق سفر مؤقتةصادرة من إيطاليا،وهو الجدل الذي يهدد اتفاقية شينغن.

مهاجرون عالقون في محطة فينتيميليا

تقع مدينة فينتيميليا في شمال إيطاليا على الحدود الفرنسية. هي مدينة سياحية بامتياز، وعدد سكانها لا يتجاوز 30 ألف نسمة، وفجأة تضاعف العدد، أو يكاد، والسبب تدفق المهاجرين العرب، خاصة من تونس الهاربين من أوضاعهم والحالمين بغد أفضل في القارة العجوز. قطعوا البحر في مغامرة تشبه ملمة الأوديسة، وحطوا رحاله في الجنوب الايطالي، ومنه عزموا العزم على استكمال الرحلة إلى فرنسا.

سمير حسني العالق مع رفاقه في محطة فينتميليا

جاء سمير حسني (29 عامًا) ورفاقه بعد مغامرة خطرة على متن قارب عابرين البحر الأبيض المتوسط من تونس الى ايطاليا، غير أنهم الآن عالقون في محطة فينتميليا. شاب في مقبل العمر بسحنة صارمة يرتدي سروال جينز وسترة كتب عليها اسم فرنسا، وهي وجهته المفضلة. يصرح بفرنسية بسيطة قائلا: quot;نبحث عن الحريةوالعمل. ببساطة لا شيء لنا في تونسquot;.

أكثر من 200 لاجئ على الحدود الإيطالية الفرنسية.ينام البعض في المحطة، والبعض الآخر في مخيم اللاجئين، منذ أسابيع ولا أحد يرغب فيهم. سكان المنطقة يصرخون قائلاً: quot;باسطا، آملنا ان تطردهم الحكومة الايطالية، هذا يكفي لقد تعبنا نحن الايطاليين!quot;. أما سمير فيكاد لا يفهم لماذا هذا المرة، ويرد قائلاً: quot;يعيش الآن في تونس 200000 لاجئاً من ليبيا، ويتم الاعتناء بهم، في حين أن عددنا هنا في إيطاليا لا يتعد 22000quot;.

في مقابل، ذلك عملت فرنسا على تأمين حدودها في منتجع مينتو. مما جعل هدف معظم التونسيين الناطقين بالفرنسية صعب المنال. ولقد تم تعزيز شرطة الحدود بأكثر من 400 شرطي لمراقبة كل قطارآت، وكل من ضبط من التونسيين الوافدين يتم إرجاعه من حيث أتى. وطبعًا في ظروف مثل هذه، تنشط حركة عصابة الهجرة السرية مستغلة الفرصة بتحويل السيارات الخاصة إلى وسيلة لتهريب الأشخاص مقابل 150 يورو.

تجربة فاشلة لأوروبا بلا حدود، وبالتالي تحقيق الهدف النبيل للقارة، وهنا بالضبط في هذه المنطقة، مينتو التي سميت على اسم أحد مؤسسي أوروبا روبرت شومان. غير أن الاندماج الأوروبي هنا قاب قوسين أو أدنى، ومع ذلكتشعر فرنسا أنها على حق.

فرنسي لام أحد موظفي شرطة الحدود الفرنسيين الذييعتبر أن المراقبة الصارمة التي تقوم بها فرنسا تتماشى مع اتفاقية شينغن بشأن حرية السفر. وأن المراقبة ليست دائمة على الحدود، وهي في نظره وفق قوانين البلد الداخليةquot;.

ويترك الأمر لذوي الاختصاص الضالعين في الشؤون القانونية. ويضيف شرطي الحدود الفرنسي قائلا: quot;اذا جاء المهاجرون غير الشرعيين من ايطاليا بكثرة كما هو حال الأسابيع الماضية، فإن الايطاليين ملزمون بإعادة استقبالهم وتنظيم وضعيتهم القانونية وفقًا لمعاهدة شينغنquot;. هذا بالضبط ما تقوم به إيطاليا، تسوية المشكل، لكن بطريقتها الخاصة. إنها وضعية مقلقة بالنسبة إلى سمير ونحو 200 آخرين من التونسيين الموجودين في المخيم.

يقول سمير quot;قالوا لنا إننا سنتلقى تراخيص الإقامة الخاصة بالاتحاد الأوروبيquot;، وعلى التونسيين الذهاب إلى بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى.أمام هذه الوضعية، يعتبر عمدة فانتيميليا جيانتانو سكولينو أن الوضعية مقلقة، بل وستفشل موسم المدينة السياحي، الذي تستعد المدينة لاستقباله. يقول بنوع من الحشرجة: quot;عندما ترى كيف أن الناس يبيتون في كل مكان في المدينةعلى الشاطئ أو في مداخل المنازل وحتى في محطة القطار. إنها ليست صورة جميلة جدًالا سيما لسياحتناquot;.

محطة القطار فينتميليا

لا أحد يريد المهاجرين الآتين من البحر. واللاجئون في محطة فينتميليا يعوّلون كثيرًا على تصاريح الإقامة الجديدة الممنوحة إليهم لأسباب إنسانية.غير أن فرنسا وسعت من لائحة شروط الدخول إلى أراضيها وتطالب اللاجئين بالتوفر على ما يكفي من المال لضمان عيشهم.

وحدد في نظر فرانسي لامي في 5000-6000 euro; للبقاء لمدة ثلاثة أشهر في فرنسا، مع ضرورة حيازة جواز سفر ساري المفعول. ويضيف: quot;بغمكاننا إقرار إجراءات إضافية وفق قواعد الاتحاد الأوروبي،وفي حالة عدم توافرها يعتبر المرء في وضعية غير قانونية quot;.

إنها لعبة كرة الطاولة التي تنتهجها أوروبا مع الناس كمثل سمير حسني وأصدقائه، الذين يصرّون على الذهاب إلى فرنسا بعد قضاء ليلة أخيرة في مخيم فينتيميليا.

يكاد لا يفهم سمير ورفاقه لماذا تساند أوروبا الحراك الاجتماعي في شمال أفريقيا لإقرار الديموقراطية، وفي الوقت نفسه تصرخ عاليًا: قفوا حيث أنتم كلما عبروا البحر الأبيض المتوسط متوجهين إلى أوروبا. إنها مأساة إزدواج الخطاب لدى الغرب، خاصة إذا اجتمع الانتخابي بشيء من الخطاب العنصري، كما هو الأمر الآن في فرنسا، التي تستعد لأكبر سمسرة في تاريخها، ضغط الخطاب العنصري الذي يروّجه حزب لوبين وعائلته ورغبة بقاء ساركوزي في الحكم، وقد تكون النتيجة التضحية بشعار الجمهورية الخامسة quot;حرية مساواة وأخوةquot;، وكل شيء يهون في سبيل البقاء في السلطة.