لا تتحدث المعارضة السورية في الخارج، بحسب الباحث السوري محمد عجلاني، إلا بلغة quot;رحيل النظامquot;، وإن كانت ترى في الشارع السوري هو القادر وحده على قلب المعادلة لمصلحة الشعب، وكل ما ينتظر من القوى الدولية من دعم، يقول الناشط الحقوقي السوري هيثم مناع، quot;ملاحقة المجرمين ضد الإنسانية أمام المحكمة الجنائية الدوليةquot;.


المعارضون السوريون في الخارج يتوقعون قرب نهاية النظام

بوعلام غبشي من باريس: وصف الباحث السوري محمد عجلاني الظروف التي تمر فيها سوريا quot;بالمرحلة الخطرة جدًاquot;، مضيفًا أن quot;الوضع أصبح دراماتيكيًا وشبه فوضوي...quot;، كما اعتبر أن quot;نزول المحتجين إلى الشوارع كسر حاجز الخوف من الدولةquot;.
وقال عجلاني، في حديث لإيلاف، quot;إنه كان بالإمكان عدم الوصول إلى هذه النقطة لو بادرت الدولة بإطلاق إصلاحات مبكرة، داعيًا حكماء سوريا quot;أن يجتمعوا ويقرروا إصلاحات عميقةquot;.

يطرح هذا المتخصص في العلوم السياسية والعلاقات الدولية تشكيل حكومة انتقالية وquot;إلا ستؤدي تطورات الأحداث إلى quot;حمّام دم سيكون الأكبر من نوعه الذي تعرفه سورياquot;، بحسب تقديره، على أن يمر بعدها مباشرة إلى إصلاحات دستورية. ويخشى عجلاني أن تتحول القضية السورية إلى قضية دولية، مشيرًا في الوقت نفسه، إلى خصوصية المجتمع السوري، الذي quot;يختلف عن كل من المجتمع التونسي والمصريquot;.

عجلاني اعتبر أن المعارضة السورية في باريس لا تحمل النظام السوري في قلبها، وبالنسبة إليها هي quot;فرصة للانتقام منهquot;، ومطلبها هو quot;رحيل هذا النظامquot;، إلا أنها quot;ضعيفة، ولا تمتلك قيادات بارزة، وبالتالي لا يمكن أن ننتظر منها الكثيرquot;. يربط هذا المحلل السياسي التحولات التي قد تطرأ على الرقعة السياسية السورية بالشارع السوري ومدى تفاعل النظام مع مطالبه، مؤكدًا أن quot;سوريا في حاجة إلى إصلاحات منذ 40 سنةquot;.

لحظة استثنائية بكل المعاني
من جهته، يقول الحقوقي السوري المعروف هيثم مناع، quot;نحن أمام تجربة ستترك بصماتها على النضال الإنساني ضد الدكتاتورية، ولا أدري من ناحية التحليل إن كان بالإمكان الحديث عن الذات كمواطن سوري في حدث بهذه الخطورة والأهميةquot;. وأضاف quot;عندما قرر القذافي فرملة المدّ الثوري العربي بتدمية الأرض التي تتبناه وتدمير المدن التي تتغنى فيه، كان يخوض معركة وجود مع مجتمعه، ومعركة بالوكالة عن كل النظم الاستبدادية، عبر رسالة غير مشفرة، تقول: من أراد التغيير عليه أن يدفع فاتورة أكثر من باهظةquot;.

يستطرد في السياق عينه قائلاً quot;محافظة درعا ردت على التحدي الذي وضعه القذافي أمام الثوار بعد مصر وتونس، كما ردت على الأخطبوط الأمني في سورية. أعطت درسًا في المدنية لكل من يحب استعراض تجارب التغيير في التاريخquot;. وتابع quot;ردت على الهليكوبتر والرصاص والغاز ودخول الدبابات بالصدر العاري وغصن الزيتون. والحصاد أكثر من موجع. دخلت مدن وقرى درعا في قاموس الشهادة لتتزاحم على شرف التضحية بالحياة من أجل الحياة. وما زالت قامة الثوار عاليةquot;.

هيثم مناع

عن هذه المنطقة يقول الناشط الحقوقي المقيم في باريس: quot;المدينة التي استقبلتني قبل ثلاثة أعوام في إحدى المزارع في محاضرة عن المقاومة المدنية والتغيير، هي اليوم شعلة تؤرق ظلام المتسلطين، حمص ومدن الساحل ليس لها من حديث غير التغيير. لا شك بأننا نعيش لحظة استثنائية بكل المعانيquot;.

وعن ردود الفعل الدولية إزاء ما يقع في سوريا يعلق مناع، quot;الشعب السوري لا ينظر كثيرًا إلى الخارج، وحساباته أولاً داخلية. من هنا عزله للجماعات المرتبطة بالخارج وتهميشه لها. المهم تضامن المجتمع المدني العالمي وموقف متقدم لمجلس حقوق الإنسان، وإن أراد أحد أن يدعمنا فليكن جديًا في قضية ملاحقة المجرمين ضد الإنسانية أمام المحكمة الجنائية الدوليةquot;، يطالب الناشط الحقوقي.

لا يفضل هيثم مناع وصف الوضع السوري quot;بالأزمةquot;، وإنما على حد تفسيره، quot;سيرورة ثورية تعالجها السلطات بدواء وحيد انتهت مدة صلاحيته منذ سنوات، أقصد التوحش الأمنيquot;.

للخروج فعلاً من وضعية كهذه، يرى مناع، أنه quot;لا بد من الخروج من نظام التسلط ومنظومة الاستبداد. عندها يجري حوار تشاركي بين الحاكم والمحكوم، وليس مجرد وسيلة تخدير سياسية بين هجومين مسلحين لأجهزة الأمنquot;. ولم يبد مناع أي تخوف على مستقبل بلده سوريا، وأرجع quot;ملامح التعب البادية على وجهه، وجه فقد إلى حد ما شهية الابتسام، إلى نقص النوم والإرهاق النفسيquot;.

ويشدد في المضمار نفسه quot;بالتأكيد نحن أمام مرحلة خصبة بتعدد الإحتمالات، ولا شك بأن الاحتمالات الأكثر رداءة ليست مستبعدة، لكن الحياة نضال، وهناك شباب ينخرط بأمانة ومن دون حسابات، ويدفع الشهيد تلو الشهيد، وإحساس بالمسؤولية تجاه كل روح بشرية قد نفقدها ونفتقد عبق رائحتها الزكيةquot;، بحسب تعبيره.

في موضوع متصل، رفض مناع دعوة وجهت إليه للمشاركة في مؤتمر التضامن مع سوريا في اسطنبول، مبررا ذلك بكون quot;الدعوات غير موفقة، وهمشت تيارات موجودة بقوة لمصلحة تيار واحد بكل مكوناته هو التيار الإسلامي، حتى لو كان بعض منتسبيه مرتزقة جددًا، كما إن الحضور لا يمثل في حال الشهداء والثوارquot;، ليخلص إلى القو: quot;باختصار أنا لست طبيب تجميل لمؤتمرات تغطي العورات‬quot;.

قرار أممي في الأفق يدين عنف النظام السوري
تنظر باريس بقلق بالغ للوضع الحالي في سوريا، ولم تتردد هذه المرة كذلك في شجب القمع الدموي للقوات السورية المستعمل ضد المحتجين، وانسجمت إلى حد بعيد مع رد فعلها الأخير ضد نظام القدافي، تفاديًا لسقطة بلون تونسي، سبق أن جرت عليها انتقادات كثيرة.

تماشيا مع هذه الدينامية التي أطلقها وزير الخارجية الفرنسي الجديد والمحنك سياسيًا، آلان جوبيه، في عروق الدبلوماسية الفرنسية، تتحرك فرنسا، بحسب تقارير، بقوة إلى جانب كل من بريطانيا، وألمانيا والبرتغال، في كواليس الأمم المتحدة للترويج لمشروع قرار يدين القمع الدموي في سوريا.

وكانت فرنسا، إضافة إلى باقي البلدان المذكورة، دعمت نداء الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في إجراء تحقيق شفاف حول مقتل المئات من المواطنين السوريين خلال الأسابيع الأخيرة.

كل المؤشرات توحي أن المنتظم الدولي يسير في طريق إدانة عنف النظام السوري تجاه المتظاهرين، إلا أنها تستبعد، على الأقل في الوقت الحالي، أي تدخل عسكري، لتواضع هذا الحل، كما أظهرت ذلك التجربة الليبية باعتباراتها المتعددة، ثم لكون روسيا لا تبدو متحمسة لذلك، بدعوى أنه بلد ذو سيادة.

يشار إلى أن الغرب، وبعد بدء تطبيع علاقاته مع نظام بشار الأسد في السنوات الأخيرة، بعدما ظل ينسبه إلى ما كان يعرف quot;بمحور الشرquot;، وجد نفسه اليوم في موقف حرج أمام مواطنيه، ومعهم كل المنظمات الحقوقية والمدافعة عن الحريات، وهو ما فرض على قواه، سيما باريس وواشنطن، أن تعلن بوضوح عن قرارات رادعة بحقه.

في هذا السياق، ذكرت تقارير أن الإدراة الأميركية تتدارس، في الوقت الحالي، مشروع قرار لتجميد أرصدة المسؤولين السوريين الكبار، وهو ما قد تحذو حذوه عواصم غربية أخرى، ما يمكن أن يسبب، بحسب ما ردده متخصصون، أتعابًا اقتصادية حقيقية لرموز النظام السوري.