رفع الرقابة عن الإنترنت في تونس يثير مخاوف العائلات

أثارت مسألة رفع الرقابة عن شبكة الإنترنت في تونس مخاوف العائلات بعد سقوط جهاز الحجب الخفي عمار 404، الذي كان معمولاً به في عهد الرئيس المخلوع. وبات ولوج المواقع الإجتماعية، وحتى الإباحية، متاحاً بشكل كبير، مما يرفع إشكالية الممنوع والمحظور، والإنفلات إلى السطح.


تونس: أطلقت العائلات التونسية صيحة فزع مدوية بعدما اعتقل حاجب الانترنت عمار 404، أي جهاز الحجب الخفي الذي كان معمولاً به في عهد الرئيس المخلوع، ورفعت كل أشكال التضييق، وارتفع الإقبال على المواقع الاجتماعية ومواقع الفيديوهات مثل quot;يوتيوبquot; وquot;دايلي موشنquot;... وخاصة المواقع الإباحية.

وأدى تحرير الإنترنت من الرقابة وهذه الثورة التكنولوجية إلى ارتفاع كبير في تصفح المواقع المحظورة، وهو ما سجلته الإحصائيات، وأكدته المصادر المختصة.

لكن هذه الثورة التكنولوجية، بحسب الدكتور احمد باديس معلى، الاختصاصي في علم الاجتماع، كانت متنفسًا للشباب الذي يفتقد العديد من المكونات الأساسية لبناء شخصيته، أولها التربية الجنسية والحوار، الذي كان مغيبًا ومنغلقًا، فمن جهة تغيبه سياسة النظام الذي كان يحكم البلاد، ويمنع أي نوع من الخطاب السياسي والاجتماعي، ومن جهة أخرى العائلة، التي تضع للطفل منذ نشأته قواعد خطوط حمراء لا يمكن أن يتجاوزها مرتبطة أساسًا بالأخلاق والدين والحرام والممنوع وغيره من مصطلحات الإلجام التي لا يجب تخطيها.

وقال إن هذه الثورة لم تكن فقط ثورة على النظام والسياسة، بل كانت ثورة على الممنوع والمحظور، وأصبح كل شيء ممكنًا. وحسب رأي الدكتور، فان هذا الإقبال المتزايد، خاصة على المواقع الإباحية والمحظورة، هو ترجمة لانعتاق روح الشباب والتعبير عن الحرية بأنواعها كافة،حتى الحرية في المعتقد وحرية التعبير والممارسة، بقي أن هذه الحرية لن تكون فقط مركبًا آمنًا يسير على متنه الشباب إلى العالم الآخر، بل سيكون لغمًا ينفجر في وجه من يمتلكون شخصية هشّة، ولا يحسنون التعامل مع هذه المواقع، ولا يعتبرونها فقط مجرد مواقع تثقيفية، بل مواقع تحرّض غرائزهم، وتنمّي لديهم الإنفلات الحسي والأمراض والشذوذ.

ويؤكد الدكتور أن دور الأسرة يكمن في التركيز على التنشئة السليمة للطفل والتربية الجنسية المتوازنة وفتح باب الحوار وتبسيط الموضوعات وعدم إعطائها أكثر مما تستحق، وجعل الطفل في موقع الصديق، بدلاً منوضعه في موضع المأمور والآلة التي يجب أن تطبق أوامر العائلة بكل خوف وجبن وغباء، وهذه المصطلحات الثلاثة هي نتاج لسوء التربية وسوء المعاملة وسوء التصرف الذين يغلبون على علاقة العائلة عمومًا بالطفل.

ويفيد بأن العديد من الباحثين والأطباء النفسيين يؤكدون بأن الاعتياد على المشاهد الإباحية يؤدي إلى حالة من الإدمان أخطر من إدمان المخدرات، وقد يؤدي إلى اضطرابات نفسية وجسدية كبيرة.

ويقول إن الواقع اليوم يفرض علينا أن نحسن التصرف مع الأطفال والشباب وأن لا نغرس في داخلهم الخوف الذي يولد الشذوذ وحبّ الإطلاع والتمرد، بل بالعكس يجب أن تكون الأرضية ملائمة لتقبل كل مراحل الحياة من لحظة اكتشاف الطفل جنسه وتحولاته الفيزيولوجية إلى ساعة تحمله مسؤولية العائلة وإنجاب الأطفال، وهنا لن تكون المواقع الإباحية سبيلاً إلى قلب الموازين لديه أو اكتشاف أشياء وموضوعات لا عهد للشاب بها.

ويقول الدكتور إن مسالة حجب المواقع الإباحية هي نوع آخر من الممارسات المتسلطة والقاسية، التي تولد لدى الشباب نوعًا من أنواع التحدي، وسيبحث بكل الوسائل عن سبل جديدة لفك هذا الحصار، والدخول إلى هذه المواقع، وبالتالي سيشر بنوع من الانتصار على الممنوع، وسيضرب عرض الحائط بكل المعتقدات والقيم.

قرصنة المواقع والأخبار
يقول الشاب رمزي أفضال (جامعي) إن فترة حكم بن على صاحبتها العديد من الصعوبات، خاصة صعوبة النفاذ إلى المواقع التي تتعلق، خاصة بالمنظمات الحقوقية، ومواقع الأخبار، حتى مواقع التواصل الاجتماعي فقد كانت تعاني القرصنة والتدخل والحجبفي شأنالأخبار التي تمسّ بالعائلة الحاكمة أو حاشيتها، وهو ما دفع بالشباب إلى اعتماد طرقعدةللإبحار في هذه المواقع، مثل إلى PROXY، الذي يخوّل لكل مستعمل أن يتصفح هذه المواقع ويبدي رأيه في العديد من الموضوعات، إضافة إلى غلق المدونات الالكترونية والصفحات الخاصة، التي ينشر عبرها الشباب كل ما يتعلق بالسياسة ونقد النظام الحاكم.

وقال إنه وتحديدًا بعد ثورة الياسمين، فتحت كل المواقع، وهذا شيء جيد، لكنه في الوقت نفسه خطر جدًا نظرًا إلى الاستعمال العشوائي للانترنت من قبل بعض الشباب، خاصة ممن أدمنوا الإبحار في المواقع الإباحية أو المواقع التي لها صلة بما يسمى بالإرهاب والشأن السياسي.

وحسب رأيه، فإن هذا التوجه يمثل خطرًا على الشاب التونسي يجب معالجته من خلال اعتماد البرمجيات التي تتيح المراقبة، خاصة بالنسبة إلى الأولياء تفاديًا لما قد يحصل من نتائج وخيمة على نفسية الطفل وعلاقته بالآخر والمجتمع.

أما الشاب نور الدين فردي، فيرى أن أي نظام قمعي مستبد، تصاحبه صعوبة كبيرة في النفاذ إلى مواقع خاصة عدة،منها السياسية، والتي تهم بالأساس الأحزاب المعارضة والمغضوب عليها من قبل النظام الحاكم، وكذلك صعوبة النفاذ إلى المواقع الإباحية، الشيء الذي سينعكس سلبًا على الأخلاق والتقاليد في المجتمع، كذلك يمكن لهذه الحرية الالكترونية وسهولة الإبحار أن تكون عاملاً من عوامل تسريب المعلومات الأمنية التي تهمّ البلاد، مما يساعد بعض المواقع المختصة في التجسس على ربط الصلة ببعض الشباب وتطويعهم لمصلحتها من دون أن يعلم.

الشاب خطورة ما يقدم عليه من أفعال

أما الدكتور بسام البرقاوي أستاذ في معهد الصحافة وعلوم الإخبار فيرى أن جيل quot;تويترquot; وquot;فايسبوكquot; أسقط النظام في تونس وفي مصر، وألهب انتفاضة عارمة في ليبيا وسوريا واليمن والسودان ، وأجبر رؤساء على إعلان إصلاحات سياسية واجتماعية جذرية عميقة في صلب الدولة، وتغيير حكومات، وحلّ برلمانات، باعتبار أن جيل quot;تويترquot; يعبّر من خلال التكنولوجيا الحديثة قبل كل شيء عن رفض الدكتاتوريات الفاسدة، ويرفع مطلب الديمقراطية، حيث شكلت شبكة الإنترنت فضاء لهم وملاذًا لحريتهم.

ويفيد بأنه في ظل التطور المتسارع لمنظومة وسائل الاتصال والإعلام المباشرة وجدمعظم الشباب العربي عزاءه في مواقع التواصل الاجتماعي، عبر شبكة الانترنت، وقد شكل ظهور المواقع الاجتماعية نقلة نوعية، فتحتْ آفاقًا أوسع أمام الشباب في تونس، خاصة للتواصل مع أصدقاء في مختلف دول العالم والاحتكاك بهم.

ويقول الدكتور بسام إن شباب وشابات تونس المتعلمين والجامعين والمنتمين إلى الطبقات الاجتماعية كافة نشأوا على كره الدولة البوليسية، وبالتالي كبروا في عالم من الرعب، خائفين من التنصت على هواتفهم النقالة وتقارير أجهزة الاستخبارات، واليوم في عصر quot;فايسبوكquot; وquot;تويترquot;، اتخذ الشباب من شبكة الإنترنت منبراً لهم، حيث وظفوا ثورة وسائل الاتصالات الحديثة، في عملية التعبئة والحشد للمظاهرات. من هذا المنطلق كانت الثورة التي أطاحت برأس النظام، وقلبت موازين الحكم، لا في تونس فقط، بل في العالم بأسره.

ويقول إن البعض من الشباب وجدوا في الانترنت، التي أصبحت بوابة العبور إلى المجهول، سبيلاً للولوج إلى عالم الاكتشاف والمعرفة، ومن هذا المنطلق كانت المواقع الإباحية الأكثر تصفحًا وإقبالاً.

ويرى أنه من العسير تفسير هوية الإبحار في المواقع الإباحية بعامل الحرية، بل إن هذه الموجة في تقديره تعود إلى أسباب عديدة، لعل أبرزها العامل النفسي، ويقصد به أمرين اثنين، أولاً مرحلة المراهقة، وما تتطلبه من بحث عن المجهول والمحظور، ثانيًا الفراغ الذي يعيشهمعظم الشباب بعدما غرق المجتمع في عالم السياسة، فأكثر الشباب ملّ الحديث عن السياسة بعدما صمتت لغة الملاعب.

ويؤكد الدكتور أن صيحة الفزع التي تطلقها العائلات وبعض المنظمات بسبب المواقع المحظورة في حاجة إلى حوار حقيقي، يكشف الظاهرة، ويبحث لها عن حلول جذرية.

تحرير عمار 404

في حين يوضح الشاب حمادي الوسلاتي مدير دار ثقافة أن الشباب في تونس بعد الثورة أصبح مدمنًا على الانترنت بصفة ملفتة للانتباه، وخاصة بعد تحرير هذه التكنولوجيا مما يسمى بعمار 404، فكان الاهتمام بالوضع السياسي في البلاد أهم النقاط المطروحة على طاولة النقاش، غير أن الغالبية الساحقة إناث وذكور انتهزوا فرصة غياب الرقابة ليتصفحوا المواقع الإباحية، خاصة بعدما أصبح من السهل مشاهدة المقاطع الخاصة بالجنس على المواقع الاجتماعية.

يعود هذا الإقبال، حسب رأيه، إلى الكبت الذي كانت تعانيه فئة كبيرة من الشباب، الذي لم يجد أي متنفس، إلا عبر هذه المواقع، واعتبارها وسيلة ترفيه.

من جهته، يرى الطالب معز بن محمد أن الإقبال على الانترنت نوع من الانعتاق الفكري، وملاذ للتعبير عن المشاغل، وأن المواقع الإباحية هي مواقع عادية يجب على الشاب الإطلاع عليها في غياب التربية والثقافة الجنسية لدى الأسرة والمدرسة، وهي مواقع، حتى وإن تمت إزالتها أو غلقها، فإن الشباب سيعيد إضافتها وتداولها، باعتبار أن لغة الشباب تنبني أصلا على أن quot;كل ماهو محظور... مرغوبquot;.

ويؤكد على ضرورة إعطاء الحرية الكاملة للشباب في ممارسة نشاطاته السياسية والفكرية واعتباره عنصرًا فاعلاً في المجتمع، من شانه أن يحقق الإضافة المرجوة، لا التضييق عليه، وغلق كل الممرات والمعابر إلى الانترنت، فذلك لن يكون حلاً جذريًا لمنع تدفق الانترنت أو متابعة الشاب المواقع الممنوعة، فإن منعها يمنح الشاب شرعية البحث عنها، وهنا تأتي مسالة المسؤولية الذاتية للشاب، الذي يجب أن يكون حرًا ومسؤولاً عن نفسه وأفكاره أولاً، وعن بناء بلده ومجتمعه بناء يضمن العيش الكريم له ولأبنائه لاحقًا.

ويقول الشاب معز إن حجب الانترنت أو مراقبة تصفح المواقع الإباحية إنما هو ضرب من ضروب الجهل بقدرة الشباب على تخطي عقبات المستحيل والوصول إلى غايته، حتى وإن نسجت في طريقه الأسلاك الشائكة، فذلك لن يثني عزمه، بل سيزيده قوة، وعليه يجب إيجاد حلّ وسط بين العائلة والشاب لتمرّ كل المراحل بسلام.