الجمع بين مأساة الواقع التي التقطتها عدسة المصور، وفرحة الجائزة التي فازت بها تلك الصورة، يخلق شعوراً لا يفهمه إلا من عايش الموقف. ويعرب صحافيون سعوديون عن تناقضات هذا الموقف بعد تسلمهم جوائز عن صور وفّرتها لهم تفجيرات القاعدة وأعمالها الإرهابية في السعودية في الأعوام الماضية.
جدة: رغم أن أسوأ لحظات المصورين هي تثبيت لحظات الموت أو الدمار، إلا أن ما يخلق شعوراً لا يفهمه سوى من عايشه هو الجمع بين مأساة الصورة وفرحة الجائزة.
هذا التعارض بين إبداع المصور وبؤس الحدث جرّ الكثير من التناقضات في مشاعر وعواطف المصورين وخصوصاً الذين فازوا بجوائز وفرتها لهم تفجيرات القاعدة وأعمالها الإرهابية في السعودية في الأعوام الماضية، و جرّ الحبال أيضاً إلى التساؤل بين واقع الصورة ومأساتها وروعة العدسة وانعكاساتها في خيال حامل العدسة الألم.
في السعودية، كان تركيز المصورين وجوائز إبداعاتهم مقتصرًا على quot;الترفquot;، في التقاط الصورة أو في صناعتها، فالمصور السعودي حتى ماقبل أحداث مايو 2003 كان لا يفهم ما قال عنه المصورون حول العالم إنه أسوأ شعور وأغربه، حينما تفوز بلقطة رائعة وسط الدمار ورائحة الموت.
في ذلك العام انطلقت القاعدة تجوب السعودية وخصوصاً العاصمة تفجيراً وقتلاً، وكان من نتاج ذلك مزيد من البؤس والدم، وكثير من التباين في مشاعر مصوري الصحف الذين يغطون تلك الأحداث المؤلمة.
ذلك التصوير الذي يعرف منذ زمن بأنه يكمن في صورة ترسم الخيال بملامح الواقع، غيّرت مفهومه أحداث وعنف الخلايا الإرهابية حتى بات يحتضن الجانب الأبيض ملوثا بجانب أسود ومعقما بصدق الواقع، رغم كل تلك التناقضات في نقل الألم بعدسة دامعة أو فرحة إلا أنه استطاع من كان سعيد الحظ من مبدعين التقاط الانفعالات الفطرية في نفوس المتضررين من تلك الأعمال الإرهابية على ثقة فنانين وحصدوا جوائز عالمية عدة لأنهم كانوا واضحين في نقل الألم ومؤثرين بسبب زاوية التقاط المعاناة بإبداعية.
هذا ما يدعونا لنتساءل ما الذي يعانيه المصور الذي نقل مرارة دمع وغصة ألم للعالم بصورة واحدة فحوّل تلك المعاناة وثمنها.
المصورون السعوديون الفائزون كثيرون، مثل مصور صحيفة الحياة السابق فهد شديد أو مصور الوطن محمد مشهور وغيرهم، ولكن أولهم في هذا المجال كان سلطان الفهد الذي كان يعمل لجريدة الشرق الأوسط في ذلك الحين، وهو أحد الحاصلين على جوائز عدة على بعض الصور التي التقطها لتلك الأحداث وخصوصاً تفجير مجمع المحيا في الرياض العام 2003 .
إيلاف استنطقت الفهد عن هذا الأمر فقال quot;إنها قطعة من تناقض حينما أعلن اسمي فائزاً بتلك الجائزة، فشعور الفرح بحبس المشهد ذلك إلى الأبد ونيل الجائزة، يتناقض مع تلك الصرخة التي سمعتها وما زالت ترنّ في سمعي من امرأة مكلومة وهي ترفع يديها إلى السماءquot;.
ويضيف الفهد quot; صحيح أنني التقطت الصورة وحبستها إلى الأبد، لكنّ كثيرين لا يعرفون أن تلك الصرخة والرائحة بقيت فيّ إلى الأبد أيضاًquot;.
وإن التفتنا قليلاً لمفعول الصور التي يلتقطها المصور ويغامر لأجلها لوجدنا أن أغلب المتابعين للأخبار التي تنشر في الصحف يرون أن الصورة هي لغة بصرية متدثرة بإحساس شخصي نقل واقعا سعيدا أو حزينا بزاوية شعورية تهدف إلى إيصال حقيقة واقع بلا مترجم بشري أو الكتروني يلعب بريشته في ملامح نبض جامد بصورة تنبض روحاً ميتة حية معاً، فالصورة ماهي إلا لغة بصرية سهلة رسمت بالضوء للتعبير عن موضوعات محددة لإيصال الحقيقة كما هي بلا رتوش ومؤثرات تكميلية، دورها يكمن في إسقاط ضوء الكاميرا وإن كان بشكل غير مستقيم على حدث تعيس يربك العالم وينكّس حال المتضررين إزاءه ليمتص ألم اللحظة ويسجلها ليحفظها التاريخ.
هذا هو الضوء الذي quot;قدquot; يختفي إن باتت الحياة بلا حروب وإرهاب ويحيا عوضاً منه الأمل الذي يصطنعه البشر مراراً وتكراراً .
التعليقات