محمد بن راشد مستقبلاً علي أكبر صالحي |
أثارت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الايراني على أكبر صالحي للإمارات أخيرًا في ظل التصعيد المتزايد والتوتر المتنامي بين دول الخليج العربي وطهران، تساؤلاً مهمًا تمثل في: لماذا جاءت زيارة صالحي فيهذا التوقيتتحديدًا في ظل تصعيد المواقف بين الجانبين العربي والإيراني؟! ولماذا لم يأت هذا الوزير لرأب الصدع مبكرًا عند نشوب الأزمة بين الطرفين؟!.
تحمل زيارة وزير الخارجية الايراني علي أكبر صالحي للإمارات في الوقت الحالي معاني عدة أهمها أن ايران تعاني حاليًا الظرف الاصعب على المستويين الداخلي والخارجي منذ أمد بعيد، فطهران تواجه الآن دول مجلس التعاون الخليجي ذات الصف القوي الموحد، حيث تفاجأت طهران بعد اتهامها بالتحريض على الفتنة في البحرين واندلاع المواجهات هناك بين المحتجين والحكومة البحرينية بموقف صارم وحازم من دول مجلس التعاون الخليجي الست، بمن فيهم قطر، التي تعد أقرب حلفاء ايران في المنطقة.
ومن ثم كانت الضربة الكبرى لطهران بوصول قوات درع الجزيرة مشكلة من قوات سعودية واماراتية الى المنامة لعودة الامن والاستقرار اليها بناء على طلبرسمي من ملك البحرين، أي إنه ليس احتلالاً، كما زعم الايرانيون.
وجاءتبعد ذلك اللقاءات والاجتماعات المتكررة على مستوى القادةاو وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي بشأن اتخاذ ما يلزم من اجراءات لردع ايران عن التدخل في شؤون دول الخليج، ليشكل ثبات الموقف التصعيدي من دول المجلس تجاه ايران وصمود دول المجلس تجاه الاستفزازات الايرانية.
وذلك في مقابل تزايد لهجة التهديد الايراني لدول المجلس، حيث كانت تتوقع طهران ان تلجأ دول الخليج الى التهدئة معها، بعد تهديداتها لها بأنها لن تقف مكتوفة الايدي تجاه تدخل قوات درع الجزيرة في البحرين، وبعد الاعلان عن انباء تشير الى ان هناك تقاربا واضحا بدأ يظهر بين مصر وايران، يمكن من خلاله ان تعيد القاهرة على اثره علاقاتها الدبلوماسية الكاملة مع طهران، ورفع التمثيل الى درجة السفراء.
ولكن خاب امل ايران كثيرًا، بعد قيام رئيس الوزراء المصري عصام شرف بالتأكيدمرارًا على ان امن دول الخليج العربي هو من امن مصر، وان الامن القومي الخليجي يعد خطًا أحمر، بل حائط احمر في السياسة المصرية. ثم جاءت زيارة شرف للسعودية والكويت وقطر تاكيدًا على ذلك الموقف.
تلا ذلك نقطة فارقة في الموقف الايراني عندما قام الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد ابوظبي نائب القائد الاعلى للقوات المسلحة بزيارة الى الولايات المتحدة الاميركية لبحث الموقف في المنطقة. وربما خشيت طهران من امكانية طرح استخدام الخيار العسكري لردعها خلال تلك الزيارة، حيث ان ايران تعلم جيدا مدى قوة آلة الحرب العسكرية الاميركية وشراستها والعواقب التي قد تنجم من استخدامها.
فمنذ تلك الزيارة والخطاب التصعيدي الايراني تجاة دول مجلس التعاون الخليجي قد بدأ في الهدوء وما ساعد على ذلك ايضا احتمال فقدان ايران النظام السوري الحليف لها في منطقة الشرق الاوسط بقيادة الرئيس السوري بشار الاسد، خاصة بعد تصاعد عمليات العنف من قبل النظام السياسي هناك ضد المتظاهرين العزل الى الذروة وتوالي التنديدات الدولية بموقف الحكومة السورية واتهام طهران بمساندتها لقمع المتظاهرين. هذا اضافة الى ان توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس برعاية المخابرات المصرية أربك المخططات الايرانية في المنطقة الى حد بعيد.
علاوة على ذلك،بدأت المشكلات الداخلية الايرانية تبرز على السطح فإيران تعاني حاليًا ظروفًا اقتصادية واجتماعية وسياسية غاية في الصعوبة نتيجة العقوبات الاقتصادية والتجارية الدوليةالرادعة المفروضة عليها، كما إن تصاعد الخلافات السياسية بين رئيس الجمهورية احمدي نجاد والمرشد الاعلى للثورة الايرانية خامنئي قد وصلت الى طريق مسدود.
مما قد يضعف من الجمهورية الاسلامية، في ظل عدم وجود ما يشير الى احتمال استعادة رئيسها المتشدد ثقة السياسيين المحافظين ورجال الدين. وأثار الخلاف المحافظين بشأن الجهود التي يبذلها أحمدي نجاد للاستحواذ على مزيد من السيطرة على شؤون الامن والشؤون الخارجية من المؤسسة الدينية.
وحذر العديد من رجال الدين الشيعة والسياسيين أحمدي نجاد من معارضة سلطة خامنئي. وكان التدخل العام غير المسبوق لآية الله علي خامنئي في مراجعة قرار الرئيس محمود أحمدي نجاد بشأن إقالة وزير المخابرات الايراني حيدر مصلحي في الشهر الماضي وتعيينه مستشارًا للشؤون الامنية قد وضع الزعيم الاعلى الايراني في مواجهة خلافية على السلطة، من شأنها ان تلحق الضرر بشرعية الحكومة الايرانية. كما انتقد اعضاء البرلمان في السابق عدم توافر الخبرة اللازمة لمصلحي بالقدر الذي يؤهله لتولي المنصب الذي عينه فيه نجاد، وهو ما اثار جدلا واسعا.
ويتضح مما سبق أن هناك عوامل داخلية وخارجية قد أثرت بشده فى تغيير ايران موقفها ولهجتها المتصاعده تجاة دول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة السابقة، حيث تأكدت طهران أن تصعيد الموقف واحداث توترات مع دول الخليج لن يجدي نفعًا، بل سيجلب لها كل الضرر، وأن الحوار العربي الفارسي هو الحل الوحيد لتهدئة الاوضاع في المنطقة وتجنيب طهران حرب مدمرة.
اضافة الى تلك العوامل، فإن ايران لا تريد أن تفقد الامارات كشريك تجاري كبير لها في المنطقة، حيث ان الامارات تعد دائمًا المنفذ التجارى الرئيسلها. ومن ثم جاءت زيارة وزير الخارجية الايراني كمحاولة لتهدئة الجو المتوتر والمشحون بين ايران ودول مجلس التعاون الخليجي.
من جهته، أكد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الامارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي خلال استقباله علي أكبر صالحي وزير الخارجية الإيراني أهمية ترسيخ الاستقرار في المنطقة، وضرورة التواصل بين المسؤولين في دولة الإمارات والجمهورية الإسلامية الإيرانية، مع تأكيده على الاحترام المتبادل لسيادة الدول في المنطقة.
وقد استعرض الشيخ محمد بن راشد والوزير الإيراني مجمل الأوضاع الراهنة في المنطقة وسبل تعزيز السلام والاستقرار فيها من أجل ازدهار شعوبها. كما تطرق الحديث خلال اللقاء إلى الوضع في مملكة البحرين. واشاد بن راشد بحكمة القيادة البحرينية في التعامل مع الأحداث التي شهدتها المملكة أخيرًا.
كما بحث الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الاماراتي في مع صالحي العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها وتطويرها في مختلف المجالات، كما تم بحث آخر التطورات الجارية في المنطقة والقضايا الإقليمية والدولية الراهنة.
من جانبهم رحّب قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الثلاثاء بعودة الهدوء والاستقرار لمملكة البحرين، مشيدين بحكمة قيادتها ووفاء شعبها، ومؤكدين دعمهم الكامل للمملكة والوقوف صفًا واحدًا في مواجهة أي خطر تتعرض له أي دولة من دول المجلس، وان مسؤولية المحافظة على الأمن والاستقرار هي مسؤولية جماعية بناء على مبدأ الأمن الجماعي.
وقال بيان صدر من الامانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في ختام الاجتماع التشاوري الثالث عشر للمجلس الأعلى لمجلس التعاون في الرياض مساء الثلاثاء إن أمن دول المجلس كل لايتجزأ، وان دخول قوات درع الجزيرة إلى مملكة البحرين جاء التزامًا بالاتفاقيات الأمنية والدفاعية المشتركة، وانالملوك والأمراء والوزراء الخليجييناشادوا في هذا السياق بقرار رفع حالة السلامة الوطنية في مملكة البحرين اعتبارا من الأول من شهر يونيو/حزيران المقبل.
واضاف البيان ان قادة دول المجلس اعربوا عن بالغ قلقهم لاستمرار التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون من خلال التآمر على أمنها الوطني وبثّ الفرقة والفتنة الطائفية بين مواطنيها في انتهاك سيادتها واستقلالها ومبادئ حسن الجوار والأعراف والقوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
التعليقات