يعاني المعاقون في العراق تهميش المجتمع لهم

يعاني أكثر من مليون عراقي أصيبوا بعاهات وتشوهات جراء الحروب ظروفًا بالغة القسوة، وفي الوقت الذي لا يجدون فيه الدعم اللازم من الحكومة لمساندتهم فإنهم يعانون أيضًا ازدراء المجتمع لهم ونظرة سلبية تجاههم.


يعاني شباب عراقي تشوّهت وجوههم وآذانهم وفقدت أطرافهم، في زمن النظام العراقي السابق الذي حكم العراق قرابة الثلاثة عقود، وفي الحروب الداخلية بعد العام 2003، يعانون ظروفًا صعبة، ومعظم الضحايا شباب مهمّشون من قبل الحكومة والمجتمع على حد سواء، فهم إما معوقون، لم تفلح مؤسسات الدولة في تقديم المساعدة المادية والمعنوية الكافية إليهم، أو مشوّهون في وجوههم أو آذانهم أو عيونهم، وأجزاء أخرى من جسدهم، لا يعبأ بهم المجتمع و ينال الكثير منهم ازدراء أو سخرية الآخرين.

يتحدث كريم السلطاني، الذي قطع صيوان أذنه في العام 1994 لرفضه الخدمة في صفوف الجيش العراقي خلال فترة الحرب التي نشبت بين العراق وإيران من سبتمبر/ايلول 1980 حتى أغسطس/آب 1988، عن محاولته اليائسة في تجميل أذنه التي تكلف مبلغًا لا يقوى على توفيره، وكيف انه اتصل بمؤسسات إنسانية ومنظمات حكومية من دون جدوى.

يقول السلطاني، وهو يشير إلى أذنه المقطوعة التي شوهت شكله، والتي يحاول إخفاءها من دون جدوى، ان لحظات اقتطاع جزء من جسده، تركت آثارًا نفسية كبيرة يكتمها في داخله. ويتابع: حين أتذكر لحظات قطع أذني على يد موظف صحي يعمل في الجيش السابق ينتابني الهلع ولحظات من الكآبة واليأس.

وقطعت صيوان الأذن اليسرى للسلطاني من دون تخدير، بعدما شدت يداه بوثاق من قبل عسكريين، كعقوبة له على تمرده على أوامر الجيش.

قطع الآذان
وشهد العراق في سنوات الحرب العراقية الإيرانية، قطع آذان وتشويه وجوه المئات من الشباب الذين تهربوا من القتال في الجيش، في محاولة من النظام السابق لزرع الخوف في نفوس العراقيين وإجبارهم على المشاركة في الحرب.

وشكلت عملية قطع صيوان الأذن أو وضع علامة دالة على الجبين إحدى الوسائل لتمييز المتخاذلين عن أداء الواجب، بحسب الوصف الذي يطلقه النظام السابق على من يتهرب من الخدمة العسكرية، حيث كان التقاعس عن أدائها جريمة تصنّف كخيانة عظمى في مفهوم النظام العراقي وقتذاك.

وشم التخاذل
وظل أمير حسين من مدينة كربلاء (108كم جنوب غرب بغداد) لسنوات طويلة معزولاً من قبل المجتمع ومؤسسات الدولة، لأن أذنه المقطوعة علامة دالة على quot;خيانتهquot;، فلم يحصل على وظيفة رغم انه يحمل شهادة من معهد المعلمين، بل ولم تقبل امرأة الزواج به.

ويتذكر كيف انه راجع في الثمانينيات إحدى دوائر الدولة، ليطرد من قبل موظف كبير، ومسؤول حزبي بعد مشاهدتهم آثار quot;وشم التخاذلquot; على جبينه. ومنذ ذلك الوقت لا يدخّر حسين جهدًا في تغطية الوشم قدر الإمكان. على النقيض من ذلك - كما يقول حسين - فإن المسؤولين بعد العام 2003 اعتبروا الوشم مبعثًا على الفخر ودليل على الشجاعة والتحدي، لكنهم لم يفعلوا شيئًا لمساعدته، وظلت وعودهم مجرد كلام.

يضيف حسين: تحملت وزر ذلك لسنين طويلة، حتى اذا سقط النظام السابق العام 2003، توقعت ان يرد لي الاعتبار، وان استرد حقوقي لكن شيئًا من ذلك لم يحصل، عدا الشعور الجديد الذي انتابني - يتابع أحمد - وهو انني لم أعد أخاف أو أخجل من القطع في اذني، والتي اعتبرها شرفًا لي لأنه دليل على أنني لم أؤيّد حروب صدام، لكن الألم النفسي والتشوه الجمالي مازال يمثل عقدة في نفسي.

آلاف المشوهين
ووفق تخمينات، فإن عدد الذين قطعت آذانهم في العراق يبلغ نحو 4000 شخصًا، منذ صدور القرار رقم 115 الذي يجيز تطبيق هذه العقوبة العام 1994 لغرض الحدّ من عمليات الهروب المتزايدة من الجيش. ويقضي القرار بقطع الأذن كاملة أو جذع صوانها والوشم على الجباه كعقوبة تطبّق على كل جندي فار من الخدمة العسكرية.

وخلفت الحروب الداخلية بعد العام 2003 آلاف المعوقين والمشوهين. واذا كانت حروب صدام وعقوباته الصارمة خلفت جيلاً من المشوهين والمعوقين، جلّهم من الرجال، فإن النزاعات بعد العام 2003 لم تفرّق بين صغير وكبير، أو رجال ونساء.

سيقان مقطوعة
ومنذ اكثر من عقد يعاني شاكر الجبوري، وهو مدرس وضابط سابق في الجيش العراقي، من كرات معدنية تحت اللحم في ساقه اليمني، بعد إصابته في انفجار قنبلة أثناء الحرب مع إيران. وعلى رغم مضي السنين، لم يحاول شاكر استخراجها منذ أن قال له الأطباء في مستشفى الرشيد في منتصف التسعينات إنه يتوجب عليه الانتظار. ولم يراجع بعد ذلك طبيب أبدًا.

أما مرزة المحمداوي، وهو في الستين من العمر، فقد قطعت ساقه أثناء حروب الجيش العراقي في كردستان. ويتألم مرزة كيف أن نظام صدام لم يكرّم أو يعوّض جرحى ومعوقي حروب كردستان. يقول مرزة: التكريم شمل جرحى وشهداء (قادسية صدام)، وهي التسمية الرسمية للحرب مع إيران. وخلال عقدين من الزمن، افلح مرزة في اقتناء رجل صناعية واحدة، أصبحت متهرئة، ولم تعد تقوى على حمله.

وبينما نجح قسم قليل من الذين فقدوا صيوان الأذن في التسعينيات، من تركيب بدائل بلاستيكية، فإن الغالبية منهم لمتتلق أي علاج، وكل الذي سمعوه وعود من طرف مسؤولين حاليين بالنظر في مشكلتهم.

يقول عصام حسن من النجف: لم نسمع الى الان شيئًا عدا ما صرحت به جهات حكومية في الاسبوع الماضي عن توزيع تعويضات على المتضررين، الذين تبلغ نسبة إعاقتهم أكثر من 50%، بمقدار عشرة ملايين دينار وخمسة ملايين دينار لمن تبلغ نسبة إعاقته 50% فما دون.

التقاعس يعني الموت
يدافع الطبيب كاظم حسين، الذي خدم في الجيش طيلة فترة التسعينات عن زملائه، الذين أرغموا على قطع صيوان آذان الجنود، أو وشم الجبين بدالة. فبحسب حسين، فإنهم كانوا ينفذون واجبًا، والتقاعس عنه يعني الموت، وأضاف: حسب معلوماتي، لم يتجرأ طبيب على رفض ذلك وجهًا لوجه، لكن البعض منهم اضطر للهجرة خارج العراق تجنبًا للقيام بمثل هذه العمليات.

ووضعت هذه العمليات بعض الأطباء في مأزق، فسمير حمدي، صاحب الأذن المقطوعة، يطالب الطبيب الذي أشرف على قطع صيوان أذنه بفدية، بل وأقام دعوى عليه في المحاكم، بعدما تعرف إلى مكان وجوده. يقول سمير، الذي يسكن فيمدينة الصدر في بغداد: اعرف الطبيب جيدًا، لقد كان منتظمًا في صفوف حزب البعث، وكان قاطع أذني.

عن سابق إصرار وليس واجبًا فحسب
خلفت الحرب العراقية الإيرانية مئات الآلاف من المعوقين العراقيين الذين دمّرت الانفجارات حياتهم وصاروا من ذوي الاحتياجات الخاصة، ومن المشوّهين في الوجه ومقطوعي الأطراف.

يقول احمد الجبوري، الذي فقد طرفه السفلي الأيسر العام 1983، انه شارك في مايو 2011 في مؤتمر احتضن عشرات المعوقين من شباب العراق، الذين ينادون بالحقوق المشروعة لهم، بحضور وزارة حقوق الانسان العراقية على قاعة كلية التربية الرياضية في الجادرية.

ويتابع: طالبنا بتفعيل مشروع قانون الهيئة الوطنية لرعاية الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة الذي يجري العمل على إعداد مسودته، ليتم طرحه في البرلمان العراقي منذ سنوات، وكذلك السبل الكفيلة لدمج المعوقين في المجتمع.

وحسب مصادر وزارة الصحة العراقية، يبلغ عدد المعاقين في العراق بسبب الحروب وأعمال العنف حوالي المليون معوق، يحتاجون عشرات الآلاف من الأطراف الصناعية وعمليات التأهيل الطبي والنفسي والمجتمعي.

وعلى رغم من أن أعدادًا لا بأس بها حصلت على بعض تجهيزات التأهيل، الا ان نسبة كبيرة لم تحصل على ذلك، ومازالت تنتظر من يساعدها على تأهيل دورها في المجتمع من جديد.

من هؤلاء حميد، الذي فقد ساقيه، وحصل على عربة معوقين في العام 2002، لكن هذه العربة لم تعد تصلح مع غياب أعمال الإدامة، وقطع الغيار ومراكز إعادة تأهيلها تقنيًا، ويقصد حميد في حالة تعطلها الى كراجات خدمة السيارات لتصليحها.

وشم على الجبين
لن تستغرب حين تكتشف أن غطاء الرأس (الشماغ)لا يفارق رأس حساني حنون أبدًا، فجبينه يحتوي على آثار وشم محفور بحروف وخطوط غير مقروءة. ويدعي حساني ان أجهزة النظام السابق الطبية وشمت جبينه للإشارة الى انه متخاذل عن أداء الواجب.

ويقول حساني: اعتقلت وأرسلت الى مركز طبي تابع للجيش في محافظة واسط، وبعدما شد وثاقي، تلا احدهم قرار اتهامي بالتخاذل. ويتابع: من حسن حظي أن تخديرًا موضعيًا رافق عملية الوشم. ويطالب حساني الجهات المسؤولة بتعويضه جراء الضرر الذي لحق به. وقصد حسن العام 2005 طبيب تجميل في الأردن، لكن العملية تكلف مبلغًا لا يقوى على دفعه. ويطالب حسن بمساعدة حكومية لكي تصبح عمليات التجميل والتأهيل ممكنة.