يعتبر وزير الثقافة المصري عماد الدين أبوغازي في حوار خاص مع (إيلاف) من القاهرة أنّ ثورة 25 يناير في أرض الكنانة حدث ثقافي بامتياز، ويرى أنّ مثقفي مصر هم الأمناء على تحقيق أهدافها. ويؤكد أبو غازي أنّ وزارته تسعى إلى تقديم خدمة للمواطنين كافة لأنها ليست وزارة للمثقفين فقط، على حدّ تعبيره.


مراسل إيلاف محاورا وزير الثقافة المصري عماد الدين أبوغازي (يمين)

القاهرة: أكد وزير الثقافة المصري د.عماد الدين أبوغازي في حوار خاص مع (إيلاف) أن مثقفي مصر هم الأمناء على تحقيق أهداف ثورة 25 يناير وأنه من دون دورهم الفاعل لن يستطيع المصريون الحفاظ على أهداف ثورتهم، وشدد على أن الثورة حدث ثقافي، معترفا بأنه ليس راضيا عن نصيب المواطن المصري من الخدمات الثقافية حتى الآن، لافتا إلى أن المفهوم الجديد لوزارة الثقافة هو تقديم خدمة للمواطنين وليست كونها وزارة للمثقفين فقط.
وقال أبوغازي إن الدولة المدنية تقوم على أساس احترام المواطنة وأن المواطنة هي المعيار الوحيد للعلاقة بين الفرد والدولة، مضيفا أن الحوار عامل مهم ومطلوب بين كافة التيارات السياسية لإعادة صياغة شكل المجتمع والدولة.
وفي ما يلي نصّ الحوار كاملا:

تأثير إنساني للأب
لتكن بدايتنا من مرحلة والدكم د.بدر الدين أبو غازي وزير الثقافة الأسبق ومدى تأثركم به وبصماته عليكم ومحتواكم الثقافي. ماهي شهادتكم حول هذه الفترة؟
كان تأثيره علي إنسانيا وليس تأثيره كوزير للثقافة حيث مكث خمسة أشهر وزيرا للثقافة في عهد الرئيس الأسبق السادات، وكان تأثيره علّي أيضا بالنسبة إلى تكويني كله لكن لا علاقة له بعمله.

لا أؤمن بالوراثة في الإبداع
هل تؤمنون بالوراثة في الفن والإبداع الثقافي؟
لا أؤمن بالوراثة في الفن أو الإبداع ولكن البيئة الفنية نفسها أو الثقافية من الممكن أن تؤثر في الأبناء وليس من الضرورة أن يرث أبناء الفنان أباهم في الفن أو أي مهنة أخرى، وأحيانا يكون هناك تأثير والمناخ نفسه يؤثر في الجو المحيط.

الخلاف بين والده والسادات
ماذا عن أسباب الخلاف الذي دب بين والدكم أثناء توليه وزارة الثقافة والرئيس الراحل السادات ؟
ما حدث بشكل محدد أن طلب من والدي -رحمة الله عليه- في نهاية أبريل عام 1971 إخلاء متحف محمود خليل المقابل لقصر الرئيس السادات آنذاك في الجيزة وضمه كمكاتب ملحقة بقصر الرئيس، فاعترض والدي على هذا الإجراء باعتبار أن هذا المتحف موصى به في وصية من صاحبه، ومفتوح للشعب وأنه الأساس لا يجوز تحويل متحف إلى مكاتب، وبعدها بأسابيع قليلة حدث تعديل وزاري شامل بعد أحداث 15مايو عام 1971 فخرج ضمن التعديل الوزاري ولكن لم تتم إقالته فور هذه الحادثة، وهذه وقائع حدثت متتالية، والقصة أنه تمت إقالته نتيجة لرفضه تحويل متحف محمد محمود خليل إلى مكاتب بهذا الشكل.

تأثر غير مباشر
عشتم في بيئة ثقافية وفنية. فماذا عن تأثركم بخال والدكم الممثل محمود مختار؟
الفنان محمود مختار هو خال والدي وتأثرت به تأثرا غير مباشر من خلال أعماله الفنية حيث إنه توفى عام 1934، وولدت عام 1955 فلم أره في حياته، والتأثر غير المباشر بفن محمود مختار هو إنني ولدت في بيت الأسرة حيث توجد أعمال فنية له، فضلا عن زياراتي الدائمة لمتحف مختار.

د.ثروت عكاشة وتأسيس الوزارة
ماذا لوقارنا بين الثقافة في عهود عبدا لناصر والسادات ومبارك؟ وماهي الفروق التي نجدها بينهم وتميز عصرا عن آخر؟
الفترة منذ عام 1958شهدت تأسيس وزارة الثقافة ككيان إداري ضمت إليه الهيئات والمؤسسات العاملة في مجال الثقافة وتتبع وزارات أخرى مثل وزارة التربية والتعليم أو ككيانات مستقلة فدخلت تحت عباءة وزارة الثقافة، وهذه المرحلة من عام 1958 وحتى عام 1970 كان أغلب فتراتها تولى فيها الوزارة د.ثروت عكاشة ولعب دورا مهما جدا في تأسيس هذه الوزارة في وضع رؤى وإستراتيجيات للعمل الثقافي وفي إنشاء البنية الأساسية للعمل الثقافي في مصر، وقد شهدت أيضا هذه الفترة نهضة مسرحية ودورا واضحا للدولة في العمل الثقافي ولم يُلغ دور المجتمع المدني والجمعيات الأهلية ولا دور القطاع الخاص، لكن تعاظم دور الدولة في هذه الفترة وتراجع نسبيا دور الهيئات الأهلية والخاصة، ورغم أن النظام السياسي في هذه الفترة شموليا لكن كان هناك تنوع وخاصة في أجهزة وزارة الثقافة ووجود شخصيات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار فكان هناك حالة من التنوع داخل هذه المؤسسات خاصة في السنوات الأخيرة من هذه المرحلة حيث أنشئت أكاديمية الفنون وتم التوسع في الفرق المسرحية والفنون الشعبية ودخلت الدولة منتجا أساسيا في السينما وصناعة الكتاب، كما بدأ دور الثقافة الجماهيرية وإنشاء قصور وبيوت الثقافة في محافظات مصر وأحيانا كانت توجد تدخلات أمنية ومنع لبعض الأنشطة لكن في المجمل كانت مرحلة تأسيس وبناء وانتعاش للحركة الثقافية.

تراجع النشاط الثقافي الحكومي واتجاهات جديدة

أما في مرحلة السبعينات، بدأ مع مرحلة الانفتاح الاقتصادي بداية منذ عام 1974 التغيير في مفاهيم العمل الثقافي حيث تم التغيير في هياكل ومؤسسات وزارة الثقافة، وحدث تراجع في نشاط الثقافي الحكومي ولم يعوضه في المقابل نشاط أهلي أو مجتمع مدني بالعكس كان هناك مشكلة ومن عايش هذه المرحلة يدرك تماما تراجعا في قاعات الفن التشكيلي والمتاحف كما تم هدم عدد من المتاحف وإقامة مشروعات طرق أو مترو أنفاق أو غيره في نهاية هذه المرحلة وهي سنوات تراجع للثقافة، كما تحولت مكتبات بيع الكتب في وسط القاهرة إلى محال أحذية وبنوك ومطاعم وأصبح هناك حالة من التراجع في النشاط الثقافي ،ولكن في المقابل شهدت هذه الفترة بداية ظهور اتجاهات جديدة مستقلة في العمل الثقافي حيث ظهرت في نهاية السبعينات المجلات الثقافية المستقلة وكانت تصدر تحت مسمى quot;نشرات غير دورية quot;، وكانت تطبع طباعة فقيرة quot;طباعة الماسترquot; وساعد على هذا أيضا ظهور تقنيات جديدة في الطباعة فبدأ ظهور كيانات جديدة مستقلة في الحياة الثقافية بعيدا عن الدولة وعن المؤسسات الثقافية الأهلية القديمة ،أيضا هذه المرحلة شهدت ظهور بداية إعادة تأسيس النقابات الثقافية مثل إتحاد الكتاب والنقابات الفنية المختلفة لكن كانت هناك محاولة من الدولة رغم أنها ظاهريا كانت تتحول إلى نظام التعددية المقيدة على المستوى السياسي لكن كان هناك سعي للسيطرة على هذه المؤسسات الرقابية التي يفترض فيها أنها مؤسسات مستقلة تعبر عن المبدعين والمثقفين، كما بدأ التراجع في دور العرض السينمائي حيث بدأت مشكلات جديدة تواجه صناعة السينما.
جماعات ثقافية مستقلة واتجاهات جديدة

المرحلة الثالثة والتي تبدأ من الثمانينات وشهدت مجموعة ظواهر، أولا أن السنوات الأولى من الثمانينات استمر التراجع في دور وزارة الثقافة ومؤسساتها خصوصا أنه في نهاية مرحلة السبعينات كانت الوزارة قد ألغيت، وأصبح هناك وزير دولة للثقافة وحل المجلس الأعلى للثقافة محل الوزارة في إدارة أصول الوزارة.
وقد تم التراجع عنه في النصف الثاني من الثمانينات وبدأت وزارة الثقافة تستعيد قوتها وكيانها وأهم ملامح هذه المرحلة من أواخر الثمانينات وحتى ثورة 25 يناير كان إعادة تجديد المتاحف ومرحلة صنعت إنجازا مهما على مستوى الإنشاءات بمعنى أنه في هذه المرحلة تم تجديد وإنشاء نحو 44 متحفا، كما عادت قاعات الفن التشكيلي التابعة للدولة مرة أخرى وبدأت تأخذ مكانها.
أيضا بالتوازي مع ذلك بدأت قاعات خاصة للفن التشكيلي تنتشر في كل مصر، وبدأت مكتبات بيع الكتب الخاصة في العشر سنوات الأخيرة تنتشر بشكل واضح وتحل محل المحلات الأخرى.
كما بدأت تظهر سلاسل من مكتبات التوزيع الخاصة وهذا لافت ومهم يعكس الاتجاه للقراءة، أيضا أنشأت وزارة الثقافة في هذه المرحلة نحو 170مكتبة عامة في مدن وقرى مصر المختلفة وعادت هيئة قصور الثقافة تباشر عملها من خلال مواقعها التي زادت إلى أكثر من 300 موقع لكن في الوقت نفسه أن نصف عدد هذه المواقع معطل تحت إعادة إنشاء إلى آخره وهذا أثر في جودة الأداء.
أيضا لعبت الثقافة دورا مهما في استعادة العلاقات المصرية -العربية منذ بدء الثمانينات، كما ظهر أيضا نشاط واضح للجماعات الثقافية المستقلة منها فرق مسرحية مستقلة في السنوات الأخيرة، وتيارات السينما المستقلة والجماعات الأدبية وبدأت تقوم بدور مواز لدور وزارة الثقافة وفي تقديري دور مهم وأكثر تأثير إيجابي في الحياة الثقافية خصوصا عندما نرى حركة المسرح مثلا ففي الوقت الذي تراجع فيه مسرح الدولة وأوشك على الانهيار كما تراجع أيضا مسرح القطاع الخاص لكن الذي لعب دورا في هذه الفترة هي الجماعات والاتجاهات الجديدة في المسرح، ففي عدة مظاهر متعارضة في هذه المرحلة، ولكل عصر إيجابياته وسلبياته وعناصر إضافة مهمة وأخرى ضعيفة.

كثير من الوقت
بعد مرور ثلاثة أشهر تقريبا على تعيينكم وزيرا للثقافة.هل انتهيتم من ترتيب بيت وزارة الثقافة من الداخل أم مازال الترتيب يحتاج إلى بعض الوقت؟
لا طبعا الترتيب يحتاج إلى كثير من الوقت إذ بعد وضع التصورات والرؤى المختلفة والتي تقوم على عناصر محددة وفي الوقت نفسه هناك سعي لإعادة هيكلة عدد من مؤسسات وزارة الثقافة وقطاعاتها وصياغتها بشكل جديد يلائم المرحلة الجديدة.


ثورة 25 يناير حدث ثقافي
ماهي قراءتكم للمشهد الثقافي في مصر حاليا بعد ثورة 25يناير؟ وأين يقع على خريطة مصر حاليا ؟ وهل أنتم راضون عنه؟
أولا أرى أن ثورة 25 يناير في حد ذاتها حدث ثقافي وأن المثقفين المستقلين لعبوا دورا أساسيا في الثورة، وبالتالي لابد في مرحلة ما بعد الثورة أن تلعب الجماعات الثقافية المستقلة دورا مهما في قيادة الواقع الثقافي وقيادة مصر كلها، وأتصور أن هذا بدأ يتحقق حيث الائتلافات والجماعات الثقافية المستقلة بدأت تنشط وتلعب دورا، حتى الجماعات التي تقوم بمهمة مراقبة الأداء بوزارة الثقافة كيانات مستقلة وكل حسب دوره.
ثانيا: في تصوري لابد من إعادة صياغة دور وزارة الثقافة في المرحلة القادمة لأنه في السنوات السابقة، كانت الخدمات الثقافية الجزء الأكبر منها موجهة إلى العاصمة أكثر من الأقاليم، فأعتقد أن المهمة الأولى هي ضرورة التوجه لأقاليم مصر المختلفة بالنشاط الثقافي، وأيضا التعامل مع وزارة الثقافة باعتبارها وزارة تقدم خدمة للمواطنين وليست وزارة للمثقفين أو لكبار المبدعين.

وزير الثقافة المصريّ

لكن هل أنتم راضون عن نصيب المواطن المصري من الثقافة حتى الآن بعد العمل بالمفاهيم والرؤى الجديدة لوزارتكم؟

لا لست راضيا ولكن التمويل الذي تحصل عليه وزارة الثقافة في ما يتعلق بالأنشطة ضئيل جدا وأقل مما يمكن أن يؤدي إلى خدمة ثقافية حقيقية، فضلا عن أن المرحلة التي تمر بها البلاد حرجة من الناحية الاقتصادية وبالتالي من الضروري إدارة الأمر بشكل حكيم يتلاءم مع هذه الظروف، وأتجه إلى العمل في أنشطتي بأقل تكلفة ممكنة مع الاهتمام بالمستوى والجودة حيث توجد طرق عديدة لتقديم أنشطة غير مكلفة لخزينة الدولة وابتكار أساليب جديدة بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني حيث نحتاج من كل طاقات المجتمع تقديم الخدمة الثقافية بهدف تعظيم قيمة هذه الخدمات.

تغيير أسلوب العمل وليس الأشخاص

هل أعطت الثورة زخما ومفهوما جديدا للثقافة في مصر؟ وهل تفاعلت وزارة الثقافة مع شعارات الثورة من حيث التغيير والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة؟

بالتأكيد، وكما أكدت من قبل إن الثورة في حد ذاتها حدث ثقافي، يفترض أن تعود نتائج هذه الثورة على المثقفين وعلى الحالة الثقافية ،أما بالنسبة إلى تفاعل الوزارة مع شعارات ثورة 25 يناير فالتغيير بالنسبة لي يعني أسلوب العمل وليس الأشخاص ومع ذلك على مستوى القيادات تقريبا حوالى نسبة 50%من قيادات الوزارة تم تغييرهم خلال الفترة الماضية وليس هدفي تغيير الأشخاص إنما الهدف تقييم أداء الأشخاص وتغيير أسلوب الإدارة والعمل في الوزارة في اتجاه تحقيق الديمقراطية ومستوى أفضل من الخدمة الثقافية، وهو شق يندرج تحت العدالة الاجتماعية.

الشق الثاني هو محاولة تحسين أوضاع العاملين في الوزارة لتحقيق فكرة الكرامة الإنسانية من ناحية والعدالة في توزيع موارد الوزارة على العاملين وهذه التغييرات في حدود ما هو متاح من خلال ميزانية الوزارة.

كل المؤسسات

هل تبدأ قضية ثقافة الجيل الجديد من التعليم من خلال المناهج فقط أم بالتنسيق والتعاون بين التعليم والثقافة؟

لابد من التنسيق والتعاون بين كل المؤسسات التي تساهم في تشكيل العقل والوجدان سواء كان التعليم أو الإعلام أو الشباب والمؤسسات الدينية.

ثورة 25 يناير الحدث الأهم

مرت في مصر عدة ثورات ..برأيكم ما هي الثورة التي تعتبر نقلة نوعية في حياة وتاريخ مصر وشعبها؟ ولماذا؟

أعتبر أن ما حدث في 25يناير 2011 هو الأهم في تاريخ مصر الحديث والمعاصر بشرط أن تكتمل هذه الثورة.

تكاتف مؤسسات الدولة والمجتمع المدني

يتفق عدد من المثقفين على أن النظام السابق كان حريصا على تفريغ عقول المصريين من أعمال الفكر والعقل والبحث العلمي. في تصوركم ما هي أبرز الآثار السلبية للنظام السابق على الثقافة والمثقفين؟

الآثار السلبية كثيرة على الثقافة منها الوضع الذي وصلت إليه السينما والمسرح والغناء والموسيقى وحالة صناعة الكتاب والنشر ووضع مستوى الثقافة ومناهج التعليم والمناخ الطائفي المحتقن، كل هذا من رواسب النظام السابق ونتاج لمرحلة سابقة، ويحّمل هذه المرحلة الراهنة في مرحلة الثقافة والتعليم تحديدا أعباء كثيرة جدا لمعالجة آثار المرحلة السابقة وللنهوض بالمجتمع ونقله نقلة جديدة وليس هذا دور مؤسسات الدولة فقط لكن لن يتحقق إلا بتكاتف مؤسسات الدولة مع مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية المختلفة ومع الجماعات الثقافية المستقلة ومع المثقفين فرادى.

تنشيط العلاقات الثقافية مع قارة أفريقيا

توليتم من قبل أمينا عاما للمجلس الأعلى للثقافة، فماهي شهادتكم على هذه الفترة؟

الفترة التي توليت فيها هي عام واحد وعدة أشهر من نوفمبر2009 وحتى مارس2011 وأنا راض إلى حد ما عنها، وخلالها أعيد توجيه الدفة فيها تجاه العلاقات الثقافية مع دول قارة أفريقيا حيث نظمنا مؤتمرات ثقافية شارك فيها مثقفون أفارقة كما سبق أن قمنا بالعمل تجاه العالم العربي ونجحنا في أن نجعل المدخل الثقافي مدخلا لاستعادة علاقة مصر ودورها في الإقليم العربي.

كانت أفريقيا اتجاها لمحاولة بناء علاقة مصر بدول قارة أفريقيا، إضافة إلى ذلك الاهتمام بمجالات نوعية كانت غائبة عنا مثل ثقافة المسنين وثقافة ذوي الاحتياجات الخاصة وبدأنا أنشطة في هذا الاتجاه من خلال قطاعات المجلس الأعلى للثقافة المختلفة وهيئاته، وكانت هناك محاولة لإعادة صياغة سياسة النشر في المجلس الأعلى للثقافة في الفترة السابقة ولم تكتمل لأن هناك التزامات سابقة وكان من المفترض أن تبدأ ويتضح أثرها في المرحلة القادمة.

تأييد استقلالية المجلس

بعد تغييركم ثلثي قيادات المجلس الأعلى للثقافة خلال الفترة الماضية، هل ستشهد المرحلة المقبلة صدور قرار باستقلالية المجلس عن وزارة الثقافة؟

هناك رؤية مقدمة وتتم مناقشتها والذي سيتم التوصل إليه والاتفاق عليه سيكون.

ومن وجهة نظري أؤيد فكرة استقلالية المجلس عن الوزارة وهو أن يكون كيانا إداريا خارج الوزارة وممولا من الدولة ولكن مستقل عن وزارة الثقافة .

تصويت سري وترشيح من خارج الوزارة

هل ستشهد الفترة المقبلة تغيير القواعد التي يتم بها منح جوائز الدولة حاليا وتفعيل معيار الكفاءة فقط في اختيار الفائزين بعد أن وجهت انتقادات للمجلس عن منحه لأشخاص عليهم تحفظات؟

جوائز الدولة دائما تتم بتصويت سري والترشيح لها يأتي من جهات خارج وزارة الثقافة، وبالتالي الوزارة ليست جهة ترشيح لجوائز الدولة بل هي جهة منح، وهذا المنح يتم بتصويت سري ويشترط حصول الفائز على ثلثي عدد الأصوات وهذا معيار واضح وشفاف جدا ويتم الفرز علانية، والمشكلة وهي مشاكل خاصة بالمصوتين وهي أن الأعضاء المصوتين ليسوا عارفين بكل المجالات فأحيانا التصويت يتم على أساس مدى المعرفة التي فيها وجود بالحياة العامة أكثر والأصوات تتجه له، ولكن هذا المعيار في حاجة إلى إعادة تغيير قانوني وليس تغيير أشخاص وهو تغيير نظام الجوائز الخاص بقواعد التصويت ومنح الجوائز وهو أن يتم من خلال لجان متخصصة وليس من خلال لجان المجلس الأعلى أي يكون أقرب إلى جوائز الدولة التشجيعية حيث تكون هناك لجنة تحكيم متخصصة هي التي تقوم بالتحكيم، ولكن عندما نستعرض الحاصلين على جوائز الدولة منذ عام 1958 وحتى اليوم لا يوجد من بينهم نسبة 10% لا يستحقون، ولكن هناك كلام يتردد ليس له معنى بأن بعض ممن حصلوا على جوائز الدولة غير مستحقين لها، وهناك قضايا خلافية بين من يستحق ومن لا يستحق منحه هذه الجوائز ولكن نسبة الأشخاص المختلف حولهم تمثل كم بالمئة، وأؤكد أن النسبة الغالبة للحاصلين على هذه الجوائز خلال 52عاما هم مستحقون لها بجدارة.

احترام المواطنة

تطالب بعض التيارات السياسية بالدولة المدنية، ماهو منظوركم لها؟

الدولة المدنية تقوم على أساس احترام المواطنة، والمواطنة هي المعيار الوحيد للعلاقة بين الفرد والدولة، لأن الدولة تقوم على قانون يحكم الجميع وإعلاء قيم حقوق الإنسان والديمقراطية وتداول السلطة وعدم التمييز بين المواطنين على أي أساس من الأسس وأن جميع المواطنين سواء أمام القانون ومتساوون في الحقوق والواجبات، ومفهوم الدولة المدنية أعتقد أنه إذا كنا نريد بناء بلد متحضر، لن نستطيع من دون هذا المفهوم، فلا تمييز على أساس الدين أو الجنس أو غيره، وبعد أن كنا في ظل نظام استبدادي سابق نريد الآن وضع قواعد وقيما ومبادئ أعلى من الدستور والعالم كله متفق عليها فلا يوجد حاجة اسمها الخصوصية بل إنّ احترام حقوق الإنسان مبدأ لا اختلاف عليه.

الحوار أساسي ومهم

شهدت الفترة الماضية انعقاد مؤتمرات واجتماعات الحوار الوطني والوفاق القومي والتي ضمت تيارات سياسية مختلفة. كيف ترون الجدوى من هذه الاجتماعات؟

الحوار أساسي ومهم ومطلوب بين كافة التيارات السياسية، وبعد أن عشنا مرحلة استبدادية امتدت عشرات السنوات لا يوجد سوى رأي واحد وأحيانا كان يترك للناس أن يتحدثوا لكن لم يكن يؤخذ بآرائهم، ولابد للاتجاهات السياسية والفكرية الموجودة على الساحة أن تجلس إلى مائدة الحوار وتناقش وتتحاور حول مستقبل الوطن وأن يتفهم كل تيار نظيره وأن يبحثوا عن القواسم المشتركة في ما بينهم، ومن الطبيعي أن تكون الناس مختلفة وهذه الحوارات مهمة في هذه المرحلة لأننا مقدمون على إعادة صياغة شكل مجتمعك ودولتك فلابد من أن الناس تصل إلى درجة من درجات الاتفاق، وحتى لو لم نصل إلى اتفاق على الأقل تصل إلى درجة أن تفهم بعضها البعض جيدا من التعرف إلى بعض بشكل مباشر من خلال الآخرين وليس من خلال رؤية الآخرين حتى لو حدث في هذه الحوارات والنقاشات خروج عن المألوف ولكن هذا طبيعي بعد سنوات من الحرمان من النقاش وهذا يحدث في برلمانات العالم حتى في الدول الديمقراطية فهذا طبيعي وعلينا استيعابه وتحمله والاستمرار في الاستماع إلى بعضنا البعض والحوار.

جزء أساسي من عمل الوزارة

ماذا عن دور وزارة الثقافة في غرس ثقافات الحوار، والخلاف في الرأي، والديمقراطية؟

هذا جزء أساسي من عملنا في هذه المرحلة وهي ثقافة الحوار وقبول الآخر والدعوة إلى المشاركة في العملية السياسية ونقوم بعمل هذا من خلال قصور الثقافة والمجلس الأعلى للثقافة ومن خلال عدد من الهيئات التابعة للوزارة.

هل قامت وزارة الثقافة بتوثيق مرحلة ثورة 25 يناير باعتبارها مرحلة مهمة في تاريخ مصر وشعبها؟

هناك لجنة منتدبة في دار الوثائق القومية تقوم بهذا العمل لتوثيق الثورة وتعمل منذ مارس الماضي ولم تنته بعد والعمل سيستغرق أشهرا طويلة، وهناك أشكال عديدة من العرض وذلك بأن تحفظ الشهادات الشفوية لشهود عيان للثورة والصور والأوراق كلها وستحفظ في دار الوثائق القومية ومن الممكن أن تكون لها مخرجات مختلفة في شكل مادة فيلمية أو كتب، ولكن مهمة اللجنة الأولى هي تجميع المادة وتتاح للباحثين اليوم وبعد عشر سنوات وبعد مئة عام.

الثقافة والإعلام وجهان لعملة واحدة، وهناك من يرى أن دمج الحقيبتين معا في وزارة واحدة هو الأفضل لارتباطهما بتشكيل عقل ووجدان الشعب. فما تعليقكم؟

لا أتفق مع هذا الرأي تماما وأرى أن دمج الثقافة والإعلام شيء ضار جدا، وأن كل المراحل التي تم فيها دمج الحقيبتين معا كانت تمثل ضررا بالغا على الثقافة، وذلك لأن منطق العمل في المؤسستين مختلف تماما وهما ليسا وجهين لعملة واحدة ولا أعتقد أن هناك شيئا اسمه وزارة الإعلام في أي دولة ديمقراطية في العالم وهذا النظام جاء لنا من النازية والفاشية يعني وزارة البروباغندا ابتكرها هتلر وموسولينيي وأقامها ستالين في الإتحاد السوفيتي.

إذن وزارة الإعلام هي شكل من الأشكال التي أرى أنها ضد مبادئ الديمقراطية، أعتقد أن من ينظم العملية الإعلامية في المجتمع هيئة أو مجلس أمناء يعني كيانا يضع أخلاقيات مهنة ويتابعها ولكن أن يكون هناك من يتخصص في تعبئة أدمغة الشعب برسالة محددة أنا شخصيا ضد ذلك تماما، أما دور وزارة الثقافة فليس تعبئة أدمغة الناس بل إتاحة ساحات للأنشطة الثقافية وتقديم خدمات ثقافية للمواطنين واكتشاف المبدعين والموهوبين هذا هو دور وزارة الثقافة وأنها حامل للثقافة وداعم للنشاط الإبداعي والثقافي وليست معبئا لأدمغة الناس برسائل.

لا أجد أي تطابق بين المؤسستين ولكن لابد أن يكون بينهما تنسيق وتعاون في المستوى الثقافي الذي يقدم من خلال وسائل الإعلام حيث توجد لدي مادة ثقافية يمكن للإعلام أن يحملها ويساعد في انتشارها بدلا من التوجه لمائة مواطن أو ألف يستطيع الإعلام نقل هذه المادة للملايين.

تطوير إدارة المتاحف ومجالس أمناء

تزخر مصر بالعديد من المتاحف التاريخية والفنية، فهل حدث تطوير لمنظومة قطاع المتاحف خاصة بعد سرقة اللوحة الشهيرة quot;زهرة الخشخاشquot;؟وماذا عن محاكمة الذين أدينوا في إختفاء اللوحة؟

المتاحف قسمان: أولا أثرية وهي حاليا تتبع وزارة الدولة للآثار، ثانيا :متاحف فنية وتاريخية، تتبع قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة.

حاليا بصدد تطوير شكل الإدارة من خلال تشكيل مجالس أمناء لكل المتاحف، ووضع سياسة جديدة للتسويق الثقافي لهذه المتاحف بحيث يكون هناك جمهور يتردد عليها بالفعل، وبعد حادث سرقة لوحة زهرة الخشخاش في الصيف الماضي تم إعادة تقييم الإجراءات الأمنية المتبعة في كل المتاحف التابعة لقطاع الفنون التشكيلية ويبلغ عددها عشرين متحفا وبعضها أغلق لحين تطوير النظم الأمنية فيها، أما في ما يتعلق بقضية اختفاء زهرة الخشخاش فهي منظورة أمام القضاء وانتهت مرحلتان من التقاضي.

يلعب الفن دورا مهما في التفاعل مع الأحداث وخاصة المسرح. فماذا عن قطاع المسرح حاليا ودوره في المرحلة المقبلة؟

الانطلاقة الأساسية للمسرح خلال المرحلة المقبلة هي طريقة إدارة بيت الفن للمسرح من خلال مكاتب فرق منتخبة ومديري فرق منتخبين وإعطاء السلطة كاملة لهذه المكاتب ومديريها في اتخاذ القرار وأن يكون لكل فرقة مسرحية رؤية وإدارة واضحة ولا يكون هناك تداخل.

أعتقد أن حلها حلا كاملا لن يتحقق إلا بالبناء من أسفل وهو أن يكون مسرحا مدرسيا، وما لم يكن هناك مسرح مدرسي ستظل حالة الانكماش في الحياة المسرحية التي أصابت مسرحي الدولة وقطاع الخاص حاليا باستثناء مسرح جلال الشرقاوي.

ارتفاع سقف الحرية

برأيكم هل سيرتفع سقف الحرية في الإبداع في الفنون المختلفة بعد 25 يناير أم أن الرقابة على المصنفات الفنية ستحول دون تحقيق ذلك؟

إذا لم يرتفع سقف الحرية فمعنى ذلك أنه لم تحدث ثورة.

المستقبل للكتاب الإلكتروني

مع انتشار الإنترنت وتعظيم دور الشبكة العنكبوتية في المعرفة، ما رأيكم بالكتاب الإلكتروني بعد أن بدأ ينتشر في الدول الأوروبية والخليجية؟ وماهي انعكاساته على الكتاب الورقي؟

المستقبل للكتاب الإلكتروني أما الكتاب الورقي فمصيره الانقراض إن آجلا أو عاجلا ولا أستطيع القول أو التنبؤ بأن انقراضه بعد عام أو عشرة أعوام أو عشرين عاما، لكن في تقديري أن الكتاب الإلكتروني سيحل محل الورقي.

سينما ومسارح متنقلة

مشروع المكتبات المتنقلة، هل نجحت أهدافه في نشر الإشعاع الثقافي؟ وما هي الخطة المستقبلية؟

نجحت لكن ليس بالقدر الذي آمله ولدي أمل في تطوير هذا المشروع وكان قد بدأ قبل عدة سنوات ويوجد ثلاث سيارات من المكتبات المتنقلة بدار الكتب والوثائق القومية ونطاق عملهم في القاهرة الكبرى، ولكن طموحي أن يتضاعف هذا العدد من المكتبات المتنقلة ويغطي مصر كلها ويكون شكلا من أشكال تعويض نقص المكتبات العامة في مئات القرى المصرية، ليس مكتبات متنقلة فقط، بل سينما ومسارح متنقلة.

المكتبات العامة المنتشرة عبر ربوع مصر، لماذا لا يتم تنشيطها وإحياء دورها؟

أحاول القيام بزيارات مفاجئة لبعض المكتبات العامة في القاهرة أو خارجها ودراسة أوضاعها من حيث الكتب التي تحتاجها.

الوضع نفسه غير ملائم للإطلاع وجو المكتبة أو الإضاءة بها غير مناسب ونحاول أن يكون هناك تعاون مع المحليات في هذا الصدد لكن في المقابل توجد مكتبات تعمل بطاقة جيدة ويتردد عليها جمهور لا بأس به، وأحاول حل المشاكل التي تواجه عمل هذه المكتبات لأنها رئة ومتنفس للناس خاصة في فترة الصيف.

نتاج عمل ثقافي

هل من مشروع ثقافي قومي خلال الفترة المقبلة يشحذ همم الشباب ويعظم روح الانتماء لديهم بعد الثورة؟

رأيي أن المشاريع القومية لا يتم طرحها بهذا الشكل، فالمشروع القومي يصنع من خلال عمل ثقافي ما ووليد حدث معين ولا أحد يستطيع أن يقرره.

أكدتم أن مشكلة الثقافة في مصر هي مركزية العمل الثقافي بشكل مفرط منذ القرن التاسع عشر، فهل تخططون للقضاء على مركزية الثقافة في العاصمة وانطلاقها لبقية الأقاليم؟

الاهتمام الأساسي بهيئة قصور الثقافة وأتمنى لمن يكون موجودا بعد ذلك في الثقافة أن يعيد هيكلة ميزانية الوزارة بحيث توجه جزء أكبر لهيئة قصور الثقافة لأنها تحتاج إلى ميزانية أضعاف الموازنة المخصصة لها حاليا حتى تستطيع القيام بدورها لكن في حدود الموازنة الحالية نحاول توظيفها جيدا.

اتهم البعض السينما المصرية خاصة في السنوات الأخيرة بأنها تخاطب الغرائز وتركز على تعاطي المخدرات وأنها ساهمت في زيادة حجم الظواهر السلبية بالمجتمع .كيف ترون منظومة السينما المصرية حاليا؟

لا أوافق على اتهام السينما المصرية بتلك الاتهامات، وإذا كانت بعض الأفلام تناولت العشوائيات فهذا واقع وكانت إحدى سلبيات النظام السابق، وماقدمه بعض المخرجين من خلال رؤى مدرسة السينما الواقعية ،وقد قدمت السينما الواقعية الإيطالية الحارة ومساوئ المجتمع الإيطالي ولم يقل أحد إنها تسئ إلى إيطاليا، ومايسئ بالفعل للمجتمع المصري هو وجود العشوائيات ومسؤولية النظام السابق عنها الذي ترك هذه الظواهر تتفاقم لسنوات طويلة دون حل لها والسكوت عنها وهذا واقع معيب.

وإذا كانت حرية الإبداع تحارب قبل ثورة 25يناير بدعوى أنه يسيء إلى سمعة مصر فهذا المنطق أصبح غير مقبول اليوم والفن لا يجمل صورة بل جزء من مهمته وإذا لم يقدم الفن ذلك فلا يسمى فنا ،وكذلك دور المثقف ،ولا يصح أن نبني بلادنا بانطباعات الآخرين.

الشوارع والحدائق العامة

الثقافة الجماهيرية منذ حريق قصر ثقافة بني سويف، ونشاطها شبه متوقف تقريبا. فماذا عن هذا القطاع في خطط الوزارة خلال المرحلة القادمة؟

نصف قصور وبيوت الثقافة فقط تعمل حاليا والباقي نشاطه متوقف، ليس بسبب حريق قصر ثقافة بني سويف ولكن نتيجة اشتراطات الأمن والدفاع المدني فضلا عن وجود مبانٍ متهالكة وأخرى تحت التجديد ،وتصوري أننا سنعمل في الشوارع والمقاهي والحدائق العامة أو في أي مكان لأننا لسنا في حاجة إلى المباني لكي نعمل ،كما طلبت استخدام بعض المدارس في الصيف ومقار الحزب الوطني المنحل في بعض المناطق وهذا يتطلب قرارا لابد من إجراء دراسته.

أمناء الثورة

أخيرا ..في رسالة إلى مثقفي مصر ماذا تقولون؟

أقول كمواطن إن مثقفي مصر هم الأمناء على تحقيق أهداف ثورة 25 يناير ومن دون دورهم الفاعل لن نستطيع أن نحافظ كمصريين على أهدافها، وبالنسبة إلى متلقي الخدمات الثقافية أوجه رسالة لهم كوزير للثقافة وهي أتمنى أن أنجح في تحقيق جزء من طموحكم في الحصول على خدمة ثقافية مميزة.