تصاعدت أزمة الزواج الثاني للأقباط في مصر، وحدثت مواجهات بين الكنيسة والمئات من المسيحيين التابعين لها في القاهرة، حيث اعتصم المئات من المتضررين من عدم الحصول على تصريح بالزواج الثاني أمام الكاتدرائية، وردت الكنيسة بإطلاق كلاب الحراسة على المحتجين لتفريقهم، في ما عرف بـquot;موقعة الكلبquot;.


اقباط غاصبون يطالبون بحقهم بالزواج المدني

أثار مقابلة الكنيسة تظاهرات الاقباط السلمية بالعنف عاصفة من الغضب لدى جموع المسيحيين في مصر. وسيراً على نهج ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام حكم الرئيس مبارك في 11 فبراير الماضي، إندلعت ثورة غضب الأقباط في مصر ضد البابا شنودة الثالث بطريرك المسيحيين الأرثوذكس، إحتجاجاً على إلغاء العمل بلائحة 38 التي تبيح الطلاق والزواج الثاني وفقاً لتسعة أسباب، وإصدار قرار بقصرها على علتين إثنتين فقط هما الزنى أو تغيير الديانة، وكما كانت إنطلاقة ثورة الغضب المصرية من موقع فايسبوك الإجتماعي الشهير، إنطلقت أيضاَ ثورة نحو 300 ألف قبطي ترفض الكنيسة التصريح لهم بالزواج الثاني من الموقع نفسه، وعبر العديد من الصفحات منها quot; نعم لقانون مدني للأحوال الشخصية للمسيحيين في مصرquot;. وبدأت الصفحة نضالها ضد إصرار الكنيسة على حرمان المسيحيين من الزواج الثاني بتنظيم وقفة إحتجاجية أمام وزارة العدل للمطالبة بإقرار قانون مدني يمنحهم الحق في الطلاق والزواج الثاني، من دون التقيد بتصريح الكنيسة، لكن مجموعة أخرى من المتضررين قرروا إتخاذ مواقف أكثر شجاعة، حيث إعتصموا أمام الكاتدرائية المرقسية في القاهرة، وهتفوا مطالبين بحقهم في الزواج الثاني، وإنتقدوا الأنبا بولا نائب البابا لشؤون الأحوال الشخصية، وردت الكنيسة بإطلاق الكلاب البوليسية ضد المحتجين في موقف أثار غضب جموع الأقباط في مصر. ويستعد الآلاف من الأقباط لسلسلة من الإحتجاجات ضد الكنيسة في أول مرة في تاريخها، حيث كانت دائماً إحتجاجاتهم موجهة ضد الدولة أو الإرهاب.

إستبداد وقمع كنسي

وقال الناشط القبطي أيمن جورج لـquot;إيلافquot; إن ما حدث من قبل الكنيسة أمر في غاية الخطورة، ولم يكن أحد يتوقعه على الإطلاق، وأضاف جورج الذي أسس صفحة quot;نعم لقانون مدني للأحوال الشخصية للمسيحيين في مصرquot;، وإنطلقت منها الوفقات الإحتجاجية أمام وزارة العدل أن إطلاق الكنيسة الكلاب البوليسية المتوحشة على المعتصمين السلميين يعود بمصر إلى عصر الإستبداد والقمع، مشيراً إلى أن ما حدث أسلوب أمني قمعي لا يقبله أحد على الإطلاق، لاسيما أن الكنيسة مكان للعبادة والروحانيات ومعقل للتسامح، وليس العنف والقمع.

ونفى جورج أن يكون الإعتصام جاء إنطلاقاً من صفحته، وقال إن من قاموا بالإعتصام مجموعة أخرى، مشيراً إلى أنهم يعانون كما هو حال نحو 300 ألف قبطي من الظلم بسبب حرمان الكنيسة لهم من الحياة الطبيعية حيث الطلاق والزواج الثاني عندما تستحيل العشرة بين الزوجين، وتابع غاضباً: بدلا من التحاور معهم بهدوء والإستماع إلى شكواهم بصدر رحب كما هو المفروض في الرهبان والقساوسة بدلا من مهاجمتهم بكلاب الحراسة، وتفريقهم بهذه الطريقة القمعية غير المسبوقة.

رفض لهجوم الكنيسة ضد الثورة

وإستطرد جورج قائلاً: ما زاد من غضب الأقباط والمصريين عموماً إنتقاد الأنبا بولا لثورة 25 يناير، عندما إتهم المطالبين بحقهم في التصريح بالزواج الثاني بأنهم يشوهون الثورة، وأن إعتصامهم أمام الكاتدرائية quot;من سلبيات الثورةquot;، وأنها quot;نزعت الخوف من قلوب المصريينquot;، وهذا أسلوب غير مقبول، لاسيما أن الثورة منحت الشعب المصري الحرية، وهل كان من المفترض أن يعيش المصريون في خوف ورعب طوال الدهر.

وأعرب جورج عن اعتزام مجموعته تنظيم العديد من الوفقات الإحتجاجية السلمية أمام وزارة العدل، ولكن بحشد أكبر مما كان في وقفة 7 يوليو الماضي، متوقعاً أن يتم ذلك في أعقاب شهر رمضان المقبل، معتبراً أن التصريح بالزواج الثاني من أبسط حقوق الإنسان، ولا ينبغي أن تحرم الكنيسة رعاياها منه بهذه الطريقة.

بلاغات متبادلة بين الكنيسة ورعاياها

ويهدد الآلاف من الأقباط بمعاودة الإعتصام أمام الكنيسة بعد أسبوع في حالة عدم الإستجابة لمطالبهم، وفي خطوة استباقية قرر البابا شنودة الثالث تعليق عمل المجلس الإكليريكي المختص بالنظر في إصدار تصاريح الزواج الثاني لنحو ثلاثة أسابيع تنتهي في 15 أغسطس في محاولة منه لقطع الطريق على المعتصمين، وتهدئة الأجواء، وفي المقابل تقدم العشرات من المعتصمين ببلاغ للنائب العام ضد الكنيسة والأنبا بولا رئيس المجلس وأفراد الأمن بالكنيسة، متهمين إياهم بالاعتداء عليهم واطلاق الكلاب عليهم عند مطالبتهم بالتصريح لهم بالزواج للمرة الثانية، وطالبوا بعزل الأنبا بولا. وقالوا في بلاغهم إن quot; الكنيسة تحتجز هذه الكلاب في قفص أمام المقر البابوي، ولا يستطيع أفراد الأمن، إطلاقها دون تلقيهم أمراً مباشراً من قبل قيادات الكاتدرائيةquot;.ووصفوا ما حدث بأنها طريقة quot;غير آدمية وغير متحضرةquot; في التعامل مع المتظاهرين مؤكدين أن quot;حبيب العادلي، وزير الداخلية الأسبق لم يطلق كلاب الحراسة على الاعتصامات، كما فعل أمن الكنيسةquot;.

وردت الكنيسة بنفي إدعاءات المعتصمين في بيان لها، وأكدت أنها لن ترضخ لمطالب المحتجين، معلنة أنه quot;لا يمكن الخروج عن القواعد التشريعية والدينية تحت أي ظرف أو ممارسة ضغوط للخروج على هذه التشريعاتquot;. ولم تكتف بذلك، بل حررت محضراً بالشرطة ضد عدد من قيادات الإحتجاج، إتهمتهم فيه بquot;البلطجية وحمل السلاح ومحاولة إقتحام الكنيسة وترويع المواطنينquot;.

البابا سبب الأزمة

ووقعت خلافات في صفوف المحتجين ما بين مؤيد للجوء إلى البابا شنودة الثالث لحل الأزمة، ومعارض للفكرة على اعتبار أنه السبب فيها من الأساس عندما ألغى العمل بلائحة 38 بمجرد جلوسه على الكرسي البابوي في نوفمبر 1977، وقالت إحدي المحتجات وتدعى رانيا سمير لquot;إيلافquot; إن الأقباط لا يطلبون شيئاً يناقض ما ورد في الكتاب المقدس، مشيرة إلى أن لائحة38 وضعها البابا كيرلس، وكانت تتضمن تسع علل للطلاق والزواج الثاني، ولكن البابا شنودة عندما تولى البطريركية ألغى العمل بهذه اللائحة بحجة أنها مخالفة لتعاليم الإنجيل وأن من وضعها هم العلمانيون، أي عامة الشعب، وقصر التصريح بالزواج الثاني لعلتي الزنى أو تغيير الديانة فقط، وأضافت سمير أنه لا يمكن اللجوء إلي البابا شنودة، لحل الأزمة لأنه هو من خلقها من الأساس، ولا يمكن أن يكون هو الخصم والحكم في الوقت نفسه. وتدعو سمير إلى ضرورة العودة للعمل بلائحة 38 التي صدرت بموجبها نحو 150 ألف حكم قضائي بإلزام الكنيسة بإصدار تصاريح الزواج. أو إصدار قانون مدني للأحوال الشخصية للمسيحيين، لأن الطلاق والزواج مطلب إنساني لا يصح أن يتحكم فيه الرهبان الذين لم يجربوا الحياة الإنسانية العادية. ونوهت بأن إحتجاجاتهم سوف تستمر إلى أن تحقق مطالبهم، لاسيما أن العصر إختلف ولم يعد هناك ما يخيف أو يعيق أصحاب الحقوق عن المطالبة بها.

البابا هو الحل

بدوره، رأى روماني منير أحد المحتجين أن الأزمة ليست في شخص البابا شنودة، بل في المجلس الأكليريكي الذي يعمل وفق هوى أعضائه، وقال لquot;إيلافquot; إن هناك وساطة ومجاملات في إصدار تصاريح الزواج الثاني، وضرب مثالاً بالقضية الأشهر في هذا المجال ألا وهي قضية مجدي وليم طليق الفنانة هالة صدقي، الذي لم يحصل على التصريح في الوقت الذي منحت الكنيسة تصريحاً للفنانة مجاملة لها، داعياً إلى أهمية توضيح هذه الأمور للبابا، حتى يمكنه إتخاذ القرار الصائب.

إلغاء مركزية الكنيسة

من جانبه، قال المستشار نجيب جبرائيل محامي الكنيسة إن هناك مطالب مشروعة للأقباط المحتجين وأخرى غير قابلة للتنفيذ لأنها تتعارض مع الكتاب المقدس، وأضاف لـquot;إيلافquot; أن هناك تأخيرا في إصدار تصاريح الزواج الثاني للبعض الحالات والإسراع فيها مطلب مشروع، ولكن في ما يخص الزواج المدني فلا يمكن إلزام الكنيسة به، ولا يمكن العودة للعمل بلائحة 38 لأنها مخالفة لتعاليم الإنجيل، وأوضح جبرائيل أنه تقدم بمقترح لحل الأزمة، يقضي بألا يكون العمل في إصدار تصاريح الزواج الثاني مركزياً، مشيراً إلى أن يقترح إنشاء أربعة مجالس إكليريكية على مستوى القاهرة، على أن يرأس كل مجلس أسقف عام وعدد كاف من الآباء الكهنة وأن يضم كل مجلس عدداً من رجال القانون والاخصائيين النفسيين والاطباء، وخبراء حقوق الإنسان. وأن تعقد هذه إجتماعاتها للنظر في القضايا المعروضة عليها ثلاث مرات أسبوعياً أسوة بما هو معمول به في السلك القضائي. على أن يتم تشكيل مجلس أعلى للأحوال الشخصية للنظر في تظلمات أصحاب القضايا من قرارات المجالس الفرعية في الأبرشيات في مختلف المحافظات.

الأمل بقانون مدني

رغم واجهة مقترح جبرائيل، إلا أنه لن يحل الأزمة كلياً، بل بشكل جزئي، حسبما يقول كمال زاخر أحد رموز التيار العلماني، وأوضح لـquot;إيلافquot; الأزمة الحقيقة تكمن في قصر الطلاق وإصدار تصاريح الزواج الثاني على علتي الزنى أو تغيير الديانة، مشدداً على ضرورة عودة الكنيسة للعمل وفق لائحة 38، ومؤكداً أن العمل على إصدار قانون مدني للأحوال الشخصية للمسيحيين صار ضرورة ملحة للسيطرة على الإحتقان لدي الأقباط في مصر.

يشار الى ان إيلاف كانت توقعت تلك الأزمة حيث سلطت الأضواء عليها في تحقيق نشر تحت عنوان quot;طلاق الأقباط... الباب الخلفي لإشعال الفتنة الطائفية في مصرquot;، بتاريخ 6 يوليو الجاري.